الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

بورتريه

“محمد السكتاوي”

شاعر صار شفِيفا لكنه يُرى !

 

 

 

أسماء المصلوحي – تطوان

 

 

1 – ذاكرة من شفوف أمكنة:

 

“في قمة جبل الصرصر

رمت عن وجهها وشاح الريح

واسْتظلَّتْ بغيمة

ثم حدَّقتْ فيه طويلا

دون أن تفُوهَ بكلمة”.

 

صار شفِيفا لكنه يُرى، وتحول إلى هبوط بيد أنه يصعد، لكن القصيدة مستمرة فيه، تحوم حول يده، وتربض عند أقاصيه، وتعشق عتق الأمكنة من فداحة الحنين.

 

محمد السكتاوي / محمد خلاد، يأتي إلى الشعر بموعد حنين طاغ عبره يكتب ما تبقى من صور، وما فاض من رؤى، وكل المدى ذاكرة من أمكنة.

 

“الجبل مُتّيَّم بها

افترش ظله

واستلقى في غفوة القيلولة

يحرسه نباتُ الصَّبَّار

طار عصفور الهَوى من حُلمه

قبّلَها وتوارى في عشه

بين ثنايا جديلة شمس

مالت نحو المغيب”.

 

2 – قاموس متقد بالخبء:

 

“العالم يركض خلفك

يا امرأة يعشقها

المدى ونسائم الريح

العرَضُ الظاهرُ تمحوه خطواتك

والجوهر يفيض منك”.

 

يكتب عبر لغة ستتعب من سيكتب بعده !

 

قلتها وأنا أقرأ قصائد تمتح من بلاغة جياشة تتوالى بدون أيما توقف، كي ترسم صورا من نور ونار معا، ولا محيد عن قراءة منتبهة لقاموس متقد بالخبء.

 

جمل ترتعد في بياض النص لفرط اشتعالها، وعبارات تهفو صوب دوالها لشدة وقع المعنى في سطر النص، والشاعر لا يتخلى عن ومض فصاحته كي يتحلى بشروق النص الذي يكتبه وينكتب في أرخبيله معا.

 

“خطوة واحدة فقط

وتصلين إلى منابع الكون

فلا تأخذي معك

زرقة السماء

فقد يغشاها الضباب”.

 

3 – جب سؤال يذهب بلا عودة:

 

“في مقعدي الخشبي

على رصيف المساء

غمرتْني إشْراقةُ الرؤيا

حِبْرُ الحلاّج ينهال من سحابة

وقمرٌ تحمله على كفها امراة

مكشوفة الصدر والساقين

تسير على صحن رخام”.

 

في “آخِر الأحْلام”، يتبدى محمد السكتاوي، مجبولا على ما يناقض الوهم، بيد أنه يشتغل على الوهم كي يشعل حطب الحقيقة الشعرية، ويجعلها قيد الرماد !

 

هو يتمكن من ذلك، لأنه يشتعل بنار التصوف، ثم ينطفىء بنور السريرة، حتى إذا جاء الشعر يسعى إليه، وضعه هناك، في جب السؤال الذاهب بلا عودة !

 

مسَّتْني المرأة بسحرها

وربتتْ بحُنُوّ على كتفي

فسَرَى في جسدي

خدر الهوى خفيفا

وأخذتني سِنة من غفوة

 

 

4 – وهم الشعر في ذات النص:

 

“رأيتُ كائناتٍ أَثِيرِيَّة

تلوّحُ بِبَيَارِق الريِح

لطائر أحْمرَ في منقاره

نجمةٌ من ذهب

وياقوتةٌ خضراء

لقطهما من حَلْمة نهد

أضاع الهوى وغرّبه الفقْد”.

 

“صحوتُ لحظة من غيبوبتي”، ورحت أقرأ هذا التماس مع الحلّاجَ، ليس في يدي سوى نص هائل بحجم مأساة، وبدون وعي من اللغة، أو مني، أدركت، بالأحرى هو من جعلني أدرك أن وهم الشعر في ذات النص هو ما أرى !

 

بلى، إن هذا الخلاد الخالد، شاعر يبرق كذهب، لا لأنه يشتهي الضوء المتسرب من مغارات روحه، ىبل لأن النص يتشكل هناك في جوف ظلمته !

 

“مُريدٌ أنا على بابك

أسْقَمني الوَجْد

فهل تَقْبلِينَني

في خَلْوة عشقِك؟

أعلم أن القرب منكِ

مجاهدةٌ وصلاة

وغزْلٌ لوِرد الكلمات

أرْبط بهِ قلبي إليك”.

 

 

5 – انظر إنها جلبة الخلوة:

 

“وغِبتُ في سكون الخَلْوة

أنتظر التّجلِّي”.

 

وحدها خَلْوَة الروح من تجعل كتابة الشعر عند محمدنا هذا، طقس جواني لا صلة له بخارج الذات وداخل الواقع. خَلْوَة مليحة، شفافة المعين، تسري في نصوصه لترينا جيدا كيف تتشكل القصيدة داخل العتمات.

 

كثيرا حدث أن خرجت من قراءته وأنا ملأى بجلبة الخلوة، حيث لا باب يفضي إلا إلى هسيس النص، وحيث كل باب ليس إلا كوة تطل على شفوف الداخل.

 

“فجأةً حطَّ على رأسي

طائرُ المَوْت بأجنحة البرق

ثم اختفى في يَمِّ السَّدِيم

مَشْدودًا إليْهِ رفْرف قلْبِي

يلاحقه”.

 

 

6 – خذ تأويلك وانظر إلى نصي:

 

“سأكتبُ مِن الآن

على جسدي بالإبَرِ الصينية

حتىَّ أنْسَى كلَّ الأوْهام

إلاَّ عالمَ موْتِي الذي رأيتُه

حيْثُ مروجُ حمامِ المطر

وياقوتةٌ زرقاء

تشِعُّ في برْزخ اللاَّيقين

على ضفة نهر جبلي دافق

مثل الَّذي يجْري في قريتي”.

 

لا تجعلني قيد تأويلك، بل خذ تأويلك وانظر إلى نصي، هذا ما يقوله لي، بل يجهش به، (النص السكتاوي) وهو ينتهي بي حتى يبدأ نزوله من عل.

 

نص مزيج من الوجود والعدم، يشهقان معا في بؤرة اللغة، حتى لا يهرب من التلقي تأويله.

يا له من شاعر كبير !

 

 

7 – ينهض شعره باكرا:

 

“في مكان غير مرئي

مكسو بطحالب زرقاء

تبني الشمس عرائش مورقة

تستظل بها الطيور

من وَقْدَةِ السماء”.

 

كل قراءة له، أنهض باكرا كي أفهم وقتي في زوله، وليس معي سوى نصه الذي يسري في الزمن.

يا له من مبدع كبير !

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات