سوق مسنانة
بقلم: عبد الصمد الشنتوف – لندن
على غير مألوف عادته، حل فصل الربيع هذا العام في جو قائظ. الفضاء يعج بالناس، وحركة دؤوبة تسري في أوصاله. ممرات ضيقة تؤدي إلى دهاليز السوق مختنقة بالمارة. حشود هائلة من المتبضعين تملأ كل جنبات وأرجاء السوق الشعبي. باعة متجولون يحتلون الأرصفة بعرباتهم، وآخرون يلوحون ببضاعتهم في وجوه الرواد. صياح وصخب في كل مكان. هكذا يمكنني وصف سوق “مسنانة” في رمضان.
حملت قفة الخضروات وقفلت عائدا إلى البيت أتصبب عرقا. أنهكتني الحرارة وغلاء الأسعار في ظل طقس لا يطاق. داهمني استياء شديد. عمي المختار يقول بغضب: “من أين للمعوزين وذوي الدخل المحدود أن يواجهوا هذا الغلاء الفاحش في عز رمضان”، هذا منكر! وآخر يردد بملئ شدقيه: صار البصل أغلى من الموز والتفاح. ناهيك عن خضروات أخرى طالتها حمى الغلاء. حتى أنني سألت الخضار عن سعر الفلفل الأحمر، فصعقني برد ساخر: ثلاثون درهما. مضيفا: لأول مرة في تاريخ سوق الخضر والفواكه يتجاوز الفلفل سعر فاكهة المانجو المستوردة. أمر مروع!
كلما أسرعت خطاي ربحا للوقت، شعرت بهواء ساخن يلفح وجهي. حلت موجة حر ملتهبة بتزامن مع تصاعد مهول في الأسعار.
دخلت البيت في هدوء، وركنت القفة في زاوية المطبخ، ثم اقتعدت الأريكة لأستمتع بقسط من الراحة. ما لبثت أن شغلت التلفاز، وإذا بخبر عريض يظهر على شاشة سكاي نيوز عربية: “البصل يتربع على قائمة أسعار الخضروات بالمغرب”.
على حين غرة، وبشكل لا إرادي، صرخت عاليا في وجه المذيع: الحكومة نائمة ومتقاعسة، لا بد أن تتحرك. كنت غاضبا!
وفي خطوة غريبة وغير متوقعة، تشكلت لجان مراقبة نزلت إلى الأسواق لتطوف على تجار صغار لضبط الأسعار، وكأن هؤلاء هم المضاربون الحقيقيون، والمسؤولون المباشرون عما يحدث.
بعد وهلة قصيرة، طلع مسؤول يدلي بتصريح ملتبس يبرر فيه جنون الأسعار مدافعا عن سياسة حكومته. بدا لي وكأنه يطحن الهواء بكلام لا يمت للواقع بصلة. اكتسحتني رجفة خفيفة، وامتقع وجهي جراء هذا التصريح المخاتل. كدت أصاب بالدوار.
فجأة أحسست بالغثيان. قمت مغمغما، وأطفأت التلفاز في حنق بالغ…
