الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

رواية البحث عن الزمن المفقود

 

 

 

عبدالكريم وشاشا/ المغرب

 

 

 

1 ما هو الأدب الكلاسيكي؟ 

 

يتساءل إيتالو كالفينو عن ما هو الأدب الكلاسيكي ؟

يقول إنه تلك الكتب التي نسمع حولها هذه الجملة:

” إنني بصدد إعادة قراءة… ” وليس “أنا بصدد قراءة… “

 

نطلق الكلاسيكيات على كل الكتب التي تحمل ثراء لكل من قرأها وأحبها.. هي الكتب التي تملك قوة استثنائية؛ تجعلك تنساها وقد تركت وراءها بذورها، وأثرا عميقا في طيات الذاكرة وتمثلات في اللاوعي الفردي والجماعي.

ويحثنا الكاتب الإيطالي المرموق على تخصيص حيز من الوقت لقراءتها أو إعادة قراءتها على ضوء منظور تاريخي مختلف.

 

فكل إعادة قراءة لكتاب كلاسيكي هو اكتشاف مثل القراءة الأول؛ وكل قراءة أولى لكتاب كلاسيكي هو إعادة قراءة..
فالأدب الكلاسيكي زاخر، لا يتوقف، دائما مفتوح المعنى والمبنى.

 

فالكتب الكلاسيكية عندما نتلقاها تحمل بداخلها أثر قراءات سابقة لقراءاتنا ووراء هذه القراءات الأثر الذي تركته في الثقافة أو الثقافة التي مرت منها (في اللغة وفي الأخلاق والعادات)…

 

إن هذا التعريف ينطبق على الأدب الكلاسيكي القديم (الإلياذة والأوديسا جلجامش ألف ليلة وليلة… ) كما ينطبق على الأدب الكلاسيكي الحديث (آباء وأبناء لتورجينيف الممسوسون لدوستويفسكي، القصر والمحاكمة لكافكا، التربية العاطفية لفلوبير…. )

 

الأدب الكلاسيكي هو أعمال تثير بدون توقف زوابع من الخطابات النقدية سرعان ما تتخلص منها باستمرار…

2 .رواية الأنهار الخالدة :
البحث عن الزمن المفقود ”
– لمارسيل بروست (1871 – 1922)

 

بعض الأفكار الأساسية لدراسة فلاديمير نابوكوف لهذه الرواية بتصرف :

 

تشتمل هذه الرواية العظيمة على سبعة أجزاء، تمّ طبعها ونشرها في 15 كتابا على امتداد سنوات 1913 إلى سنة 1927؛ أحداثها ووقائعها تغطي مدة نصف قرن من 1840 إلى 1915.

 

إن المجتمع الذي تخيّله مارسيل بروست بشكل عام هو مجتمع بداية سنوات 1890.

شرع بروست في كتابة عمله خريف سنة 1906، وفي سنة 1912 أنهى المسودة الأولى. وبعد ذلك أعاد كتابة الجزء الأكبر، واستمر في كتابة وتصحيح وتعديل نص روايته حتى وفاته عام 1922.

 

فكانت النتيجة تشبه البحث عن كنز مفقود، حيث الكنز هنا هو الزمن، والماضي هو مكان ومخبأ الكنز. إن هذا هو المعنى العميق للعنوان : البحث عن الزمن المفقود .

 

هناك شيء واحد يجب أن يستقر في أذهاننا:

 

إن هذا العمل ليس سيرة ذاتية، والسارد ليس هو مارسيل بروست بصفته الشخصية، وأن شخصيات البحث عن الزمن المفقود لا وجود لها، إلا في عقل وخيال المؤلف؛ ونتيجة ذلك، فلا فائدة في أن نخوض ونسهب في الحديث عن حياة المؤلف. ولن يؤدي ذلك إلا إلى التشويش وإرباك قراءتنا للنص خاصة أن السارد والمؤلف لديهما أكثر من قاسم مشترك، وترعرعا داخل أوساط مماثلة.

 

إن القارئ السطحي والمتسرع لعمل مارسيل بروست، إن وجد فعلا فهو سرعان ما يقع فريسة الملل، لنقل القارئ العديم التجربة، سيخرج بانطباع مفاده بأن أحد الاهتمامات الرئيسة للمؤلف هو الاستكشاف والبحث عن التنويعات والتحالفات التي تربط بين العائلات داخل الطبقة الأرستقراطية.

 

والقارئ المحدود سيخلص أن العمل محوره هو سلسلة من الحفلات والأمسيات.. مثلا: عشاء واحد استغرق 150 صفحة بينما أمسية واحدة احتلت نصف كتاب…!!

 

إن رواية البحث عن الزمن المفقود ليست مرآة للآداب والعادات.. وليست سيرة ذاتية كما أنها ليست تأريخا.. إ

إنها خيال محض من قبل مارسيل بروست هي استحضار للماضي وليس وصفا له كما لاحظ بعض النقاد …

هي مفتاح لإعادة بناء الماضي، بمفتاح الفن، وعملية البحث عن الكنز تنتهي بنجاح داخل كهف مليء بالموسيقى، داخل معبد كله زجاج ملون، في غياب لآلهة الأديان القديمة الذين انحلوا وذابوا في الفن..

 

لدى بروست منظور هدفه الوحيد انكسار الصورة المنعكسة، وعبر هذا الانكسار يعيد خلق العالم باستعادته . إن هذا العالم نفسه، وسكان هذا العالم، ليس لديهما أية أهمية تاريخية أو اجتماعية على الإطلاق؛ حيث نجد سيدات وسادة من المجتمع المخملي لا يفعلون شيئا، أثرياء عاطلون..

 

الشخصيات البروستية لا تمارس أية وظيفة أو عمل، فقط التسلية وحرية الانغماس في المتعة وفي الحديث مثل تلك الشخصيات الأسطورية في العهود القديمة التي تظهر لنا بوضوح تام ممددة وحولها موائد عامرة بالفواكه وهي على أرضيات مزخرفة، تتبادل وتتجادل فيما بينها حول النظريات والمفاهيم، ولا يظهر لنا أبدا أي جانب من جوانب عملها في الكد والعرق….

 

تحويل الأحاسيس إلى عواطف مشبوبة، والذكريات في تدفق الأنهار الكبيرة الجارية وارتداد للذاكرة، وعلى أمواج عاتية من الانفعالات والمشاعر الجياشة، مثل الرغبة والغيرة والابتهاج والنشوة الفنية الغامرة. هذه هي مادة هذا العمل الجبار، لكنه متفرد في خفته وشفافيته .

 

الأفكار الأساسية لمارسيل بروست الذي درس في شبابه فلسفة هنري برغسون ( Henri Bergson )، تتناول مرور الزمن والتغير المستمر للشخصية من حيث المدة الزمنية، والثراء غير المتوقع لحافة اللاشعور والذي لا يمكننا العثور عليه إلا بالميل النشيط للحدوسات، وللذاكرة، والمطابقات والتسويات اللاإرادية؛ ويجب أن يضاف إلى كل هذا عبقرية الإلهام، وحقيقة اعتبار الفن هو الواقع الوحيد في العالم .

 

إن هذه الأفكار البروستية هي إصدارات وطبعات ملونة من فكر برغسون، وقد وصف (Jean Cocteau) هذا العمل بأنه:

” منمنمة عملاقة تعج بالسراب والحدائق المركبة، والألعاب التي تجري عبر الفضاء والزمن “.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات