سلسلة التراث الطبيعي لطنجة
الحلقة 3: التراث الأخضر
منتزه برديكاريس
للباحث الدكتور أحمد الطلحي
يقع منتزه برديكاريس في منطقة الرميلات بالجبل الكبير غرب مدينة طنجة، يمتد على مساحة 67.6 هكتارا. كان في ملكية الثري الأمريكي اليوناني الأصل إيون برديكاريس ثم أصبح في حيازة الباشا الكلاوي (حتى إن الغابة ظلت إلى عهد قريب تسمى غابة الكلاوي) وبعد الاستقلال (في سنة 1958) أصبح في ملكية الدولة.
وللمنتزه قصة مشوقة، مفادها أن هذا الثري اقتنى أرضا بالجبل الكبير وبنى بها قصرا وأحاطه بحدائق وأراضي مشجرة بأنواع مختلفة من الأشجار، وذلك من أجل زوجته المريضة. وبرديكاريس كان في تلك الفترة من أكبر المستثمرين في المدينة، وكان يقطن من قبل في بناية فندق المنزه قبل أن يتحول إلى فندق. ولقد تعرض لحادث الاختطاف سنة 1904 هو وأحد أفراد أسرته (اختلفت الروايات عمن يكون) من قبل الثائر أحمد الريسوني ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد أداء فدية واستجابة المخزن لبعض شروط الريسوني.
كان لحادثة الاختطاف تداعيات خطيرة، بل ومميزة في تاريخ المغرب، إذ قامت الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة تيودور روزفلت بإرسال ست بوارج حربية مهددة بالهجوم على مدينة طنجة إن لم يتم إطلاق مواطنها برديكاريس. كما أرسلت بريطانيا بارجة حربية، وسارعت كلا من إسبانيا وفرنسا إلى توجيه تهديداتهما إلى المخزن. فكان أن ساهمت الحادثة في إضعاف المخزن، واستعر تنافس القوى الامبريالية على احتلال المغرب، وزاد هذا التنافس زيارة الامبراطور الالماني لطنجة سنة 1905، وتم التوصل إلى اتفاق بين القوى الامبريالية في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906.
وفي سنة 1975 أنتج الأمريكيون فيلما سينمائيا بعنوان الأسد والريح عن قصة الاختطاف، من اخراج الأمريكي جون مليوس. ويعاب على الفيلم تزييفه لبعض الحقائق التاريخية.
ولقد تم تصنيف المنتزه في سنة 1996 كموقع ذي أهمية بيولوجية وإيكولوجية، بالنظر لما يزخر به من تنوع بيولوجي مهم، يتمثل في: نباتات طبيعية كأشجار البلوط الفليني والبلوط القرمزي والصنوبر والتشت الذي ينمو عادة في المناطق التي يتجاوز علوها 800 مترا على سطح البحر، ونباتات مستوردة كالاوكالبتوس والصنوبر المثمر، وعدد مهم من الحيوانات حيث تم إحصاء 16 صنفا من اللبونيات (الثدييات) و 28 صنفا من الزواحف، كما أن الموقع يعد ملجأ ومعبرا للطيور المهاجرة إذ يتردد عليه 55 نوعا من الطيور.
وتوجد بالمنتزه مناظر خلابة، خصوصا من بعض الأماكن المشهورة به كحجرة الغراب والطيراسا، إذ يمكن مشاهدة جزء من غابات الجبل الكبير ومضيق جبل طارق وشاطئ أكلا الصخري الذي يقع أسفل المنتزه.
ومؤخرا تمت تهيئة المنتزه وترميم القصر وتحويله إلى متحف التنوع البيولوجي المحلي، لكن ما يعاب على أشغال التهيئة هو كثرة الممرات المعبدة بالإسمنت حتى أصبح شبه حديقة عمومية. كما أن المنتزه يتعرض لضغط كبير بسبب كثرة الزوار، ولعل تهيئة منتزهات أخرى سيساهم في تخفيفه.