الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

                الموريسكيون بين المصطلح والوجود الجغرافي

 

بقلم  علال بنور – المغرب

 

 

يؤكد المؤرخون أن المورسكيون هم المسلمون الذين عانوا مأساة محاكم التفتيش، فاعتنقوا المسيحية ظاهريا، خوفا من التنكيل بهم من طرف الممالك المسيحية، مباشرة بعد سقوط الاندلس، شملهم الطرد من الاندلس الى ما وراء البحر بشمال افريقيا منذ 1609، من هنا تقلقنا الاسئلة التاريخية، هل المورسكيون خليط من عرق عربي مسلم وعرق اسباني أسلم؟ وهل شمل الطرد كل الموريسكيين؟ وهل التصنيف الموريسكي هو تصنيف عرقي ام ديني؟ لماذا استقر الموريسكيون بالمدن المينائية بالمغرب الا استثناء ببوادي بعض المناطق الفلاحية الشمالية؟ كيف تعايش الموريسكيون مع واقعهم الجديد بالمغرب؟ هل حصل الاندماج ام بقوا على الانعزال، فشكلوا ملاحات مسلمة؟ تلك أسئلة نتركها للتأمل ونعود للحفر في المصطلح.

 

فمصطلح موريسكو Moresco من أصل مصطلح مورو، لها نفس الحمولة القدحية لمصطلح المورو، فالمورسكي أطلقت على احفاد مسلمي الاندلس، الذين بقوا في اسبانيا بعد سقوط اخر امارة اندلسية بيد المسيحيين، وهي مملكة غرناطة التي سقطت بيد المسيحيين سنة 1492 م، فكان آخر أمير هو محمد أبو عبد الله الصغير واضعا نهاية الحكم الإسلامي في الاندلس، الذي استغرق 718 سنة (من 711 الى 1492)، فمنذ 1609م سيتقرر الطرد النهائي للمورسكيين من كل اسبانيا. وفي سنة 1614 سيعلن انتهاء عملية الطرد النهائي مع استمرار محاكم التفتيش.

 

يعرف المؤرخ  ” ليفي بروفينسال «،الموريسكي بانه : “اسم يطلق في إسبانيا على المسلمين الذين بقوا في البلاد ، بعد أن استولى  فرديناند ملك اراغون وايزابيلا ملكة قشتالة على غرناطة سنة  1492″، وبعد هذا التحالف المسيحي المقدس ، سيؤدي الى  زوال حكم آخر أمراء بني نصر او تدعى بني الأحمر بغرناطة .وضعا خطة إبادة المسلمين في الاندلس كما وضعا محاكم التفتيش لتعقب المسلمين ، لذلك اخفى الموريسكيون اسلامهم حفاضا عل حياتهم وممتلكاتهم ، فكانوا يؤدون الصلوات في سرية تامة في بيوتهم، كما كانوا يوم الاحد يغلقون  بيوتهم ومحلاتهم التجارية والحرفية لتمويه السلطة المسيحية ،انهم ذهبوا للصلاة في الكنيسة .كذلك  كانوا يعقدون حفلات الزواج بالطريقة الإسلامية سرا ، بعد اجراء الحفل الكنسي .وهكذا كانت الاحتفالات والاعياد الدينية الإسلامية تجري في حلقات ومجالس مغلقة وسرية.

 

يبدو، ان هذا التعريف على أهميته، يقتصر على جانب واحد فقط من معنى المصطلح، لذا قد يكون من المفيد جدا، التوقف عند ما يورده معجم الأكاديمية الملكية الإسبانية، والذي نقرأ فيه، أن مصطلح الموريسكي: “تطلق على الموروس، وهم الذين بقوا وتعمدوا بعد سقوط غرناطة”. ويذكر هذا التعريف ميزة الموريسكيين الأساسية: وهي أنهم تعمدوا بوصفهم مسيحيين. وحتى هذا التعريف يتفادى الإشارة إلى أن تعميد هؤلاء “الموروس” (أي المسلمين) لم يحدث بناء على إرادة حرة من جانبهم. فلا غرابة أن تبقى غالبية هؤلاء على إسلامهم، أو كما ورد في اتهام إحدى محاكم التفتيش: “لا يقلون اسلاما عن مسلمي الجزائر”. لكنهم كانوا مسلمين من نوع شديد الخصوصية: مسلمين سراً.

 

ولكي نتحاشى احتمال الخلط في المعنى، لا بد من الإشارة إلى أن الكلمة الإسبانية “موريسكي” كانت تستعمل قديما بل حتى اليوم، بمعناها الأساسي الأصلي الذي يفيد  “موري”  وفي مستوى اخر ،اخذ مصطلح مورو دلالات عرقية ودينية وجغرافية ، بمعنى من عربية الى إسلامية الى سكان شمال افريقيا كما عرف بآلة القيثارة، وهناك من ينفي عنها هذه الصفة ، وذلك موضوع آخر متعلق بالموسيقى والابداع والرقص، يستحق بحثا خاصا.

وطوال ما يقرب من قرنين من الزمان ،قبل سقوط غرناطة سنة  1492م ، قسم المؤرخون ، المسلمين في إسبانيا  إلى قسمين ، قسم  يعيش في مملكة غرناطة المستقلة المسلمة العربية اللسان في عهد بني نصر/ بني الاحمر، وقسم  يعيش في كنف ممالك مسيحية، يطلق عليهم اسم المدجنين. عموما، كانت المدن التي تقاوم حتى النهاية، يتم اجتياحها ويطرد سكانها، كما حدث في مالقة عام 1487م. بينما المدن التي كانت تبدأ فيها المفاوضات، قبل أن تشرع القوات المسيحية في هجومها الأخير، كان المسلمون في العادة يسمح لهم بالعيش في كنف المسيحيين بمحض ارادتهم. وفي نهاية القرن 15م، تواجد العديد من السكان المدجنين في جميع الممالك المسيحية، وليس فقط في مملكة غرناطة.

 

كانت غرناطة، تمثل الضمانة الأخيرة لحقوق المسلمين، بوصفها آخر امارة إسلامية، فكان في ظلها المسيحيون يعاملون المسلمين باحترام في تعايش انساني ،  وهناك من المؤرخين من يؤكدون، أن مصطلح الموريسكي، اعتبر كوسيلة استخدمها أولئك الذين أرادوا تهميش هذه الجماعة، وحرمانها من حقها في الاستمرار في إخلاصها للإسلام.

 

وهكذا يكون المصطلح، قد تعرض للسؤال، هل كان المسلمون أحرارا في ممارسة دينهم في إسبانيا في القرن 16م؟ ومهما يكن من أمر، فإن مصطلح الموريسكي قد اتخذ موقعا راسخاً في الكتابات التاريخية الاسبانية، يسعى لإزالة اللبس وابعاد المعنى القدحي عن المصطلح، كما استعملته الكتابات الأدبية والتاريخية العربية. وربما يكون قد فات الأوان اليوم لمحاولة استبداله او محوه، ولكن بات من الواجب بذل كل جهد لتجنب ما قد تحدثه الكلمة من مزالق أيديولوجية، سواء كانت دينية او عنصرية او استعمارية او عرقية.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات