الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

اليسار والمستقبل

 

 

ترجمة بتصرف: عبد الكريم وشاشا/ المغرب

 

 

هل يجب أن نيأس من اليسار ؟

 

هل يستطيع اليسار الاستغناء عن النموذج الحزبي ؟

 

ولد “الحزب” في شكله الحديث بفضل اليسار في نهاية القرن التاسع عشر، وحسب أحد المتخصصين الأوائل في الأحزاب السياسية ( Roberto Michels ) فإن الشكل الحزبي يمثل سلاحا ” بيد الضعفاء ضد الأقوياء “؛ أولئك الذين ليس لديهم رأس مال، لكنهم يملكون وحدتهم وانضباطهم للقوة. فبواسطة الحزب الجماهيري يمكن مراكمة وتجميع الموارد: اليد العاملة (القوة المناضلة) الموارد المالية، الرؤى للعالم الإيديولوجية (العقائد والمذاهب والبرامج…).

 

إن الأمر يتعلق بالتنافس بين كبار الشخصيات والنخبة المهيمنة في ميدان الانتخابات. ومع ذلك فإن الحزب ليست لديه وظيفة انتخابية فحسب، فهو يهدف إلى تثقيف وتوعية الطبقة العاملة وتأطيرها ودمجها اجتماعيا.

 

 

النقابي Fernand Pelloutier كانت له هذه العبارة الجميلة: إن المنظمات تعطي للعمال ” علم شقائهم “.

 

لقد كان الحزب الاشتراكي (في بعض الفيدراليات خلال سنوات 1970) والحزب الشيوعي خلال عصره الذهبي (من سنوات 1950 إلى سنوات 1970) بيئات حقيقية للحياة تعج بمختلف الوظائف والمهام الانتخابية والإيديولوجية والهوياتية والاجتماعية؛إذن، تشكل الأحزاب أداة مركزية “لتعددية راديكالية”. إنها تسمح برؤية وإبراز المجموعات الاجتماعية التي توحدها تجربة، وهوية، واهتمام خاص غير قابل للاختزال، وتقدم بالتالي إسهاما حاسما وحيويا للديمقراطية.

بالطبع إن الحزب ليس هو الفاعل الوحيد في التغيير الاجتماعي، فالحركات الاجتماعية والنقابات العمالية تساهم بدورها في عملية التسييس داخل الأوساط الشعبية؛

 

بدأ الشكل أو النموذج الحزبي يستنفذ نفسه ويعرف إنهاكا عاما، ابتداء من سنوات 1990 ؛ وهذا الضعف مقرون بشكل خاص بتراجع الطبقات الاجتماعية.

صرح Pierre Rosanvallon لصحيفة لوموند (عدد 3 مارس 1917) بقول دامغ: ” لم يعد الحزب ينتج أية ثقافة سياسية، ولا برامج، ولا مشاريع قوانين، لقد أصبح غصنا ميتا “.

 

حان الوقت الآن للديمقراطية “العمومية” لتحل محل ديمقراطية الأحزاب بنظام رأي يقوم على سياسة الخصوصية والتغطية الإعلامية للحياة السياسية، وثقل استطلاعات الرأي والتقلبات الانتخابية، لم تعد الأحزاب السياسية قادرة على تنظيم الحياة السياسية استنادا على الحياة الاجتماعية، وإعطاء التعبير السياسي للمجموعات التي يتكون منها المجتمع وإنتاج تمثيلية لها.

إن هذه الظواهر هي مشكلة لليسار أكثر من اليمين الذي يتمتع بموارد ورؤوس أموال (الإعلام، الوظائف العمومية العليا، مؤسسات الدولة، القرب من العالم الاقتصادي …)

 

واليسار يفتقر أكثر إلى الأفكار أكثر من الوسائط (حزبية، نقابية، جمعوية… ) لترويجها واستقطاب أغلبية اجتماعية تلتف حولها وتسييس المجتمع بشكل عام.

 

أصيبت الأجهزة الحزبية بفقر دم مزمن وباتت منخورة، وكلما تراجعت قدرتها على الحركة، ازدادت هيمنة جماعات ولوبيات المصلحة (خاصة في زمن الانتخابات)؛ وأثبتت عدم قدرتها على الإبداع في الشكل والنموذج الحزبي.

 

إن تراجع الأحزاب لعب دورا كبيرا في اضمحلال ثقافة اليسار. وسادت فكرة أن السياسة ما هي إلا لعبة مخادعة للبيروقراطية تروجها وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية يجب التوجس منها كما آليات التفويض السياسي.

 

الأحزاب لها شكل سياسي ملتبس: فبعد أن ساهمت في دخول الجماهير إلى السياسة، لأنها كانت أداة للدمقرطة، لكنها أمّنت استيلاء النخب على السلطة وإضفاء الطابع الاحترافي على السياسة الذي برز بشكل كبير في العقود الأخيرة (تيار الأوليغارشية).

 

مع ذلك، فإن العمل المنظم الطويل الأمد لم يفقد أيّا من ضرورته السياسية والهيكلية؛ لا يمكن لليسار الاستغناء عن البنية الحزبية، كفضاء للتطور الديمقراطي داخله يجري النقاش والتناظر حول التوجه الإيديولوجي والاستراتيجي، وأيضا كمكان للذاكرة والانتقال يمكّن بنقل الخبرة والإرث النضالي بانتصاراته وإخفاقاته من جيل لآخر.

 

وعلى الرغم من الفرص التي تتيحها الشبكات الاجتماعية والانترنيت وتطور مستوى التعليم، لا يمكن لليسار أن بتجاهل طريقه المسدود في الممارسة والتنظيم.

 

إن عدم قدرة احتجاجات “حركة الوقوف ليلا “- Nuit debout – والياقات الصفر على بناء ديناميكية طويلة الأمد يوضح هذا جيدا، إن الأفقية الكلية هي وهم، لا يمكن أن تظل أفقا دائما لتحويل العلاقات الاجتماعية والسياسية .

 

وبما أنه من الوهم استعادة الطبقة العاملة، فمن العبث إعادة تأهيل الحزب الجماهيري.

 

ماذا حدث للأحزاب السياسية اليسارية ؟ وكيف نعيد استثمار وتجديد دور الشكل الحزبي؟

ماذا حل بأحزاب اليسار ؟

 

تمّ إفراغ الأحزاب اليسارية التقليدية (هنا: الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي…) حتى أصبحت جوفاء، وانتخابية فقط.

 

فالوظيفة الانتخابية أو التكتيك الانتخابي له الأسبقية على وظيفة التقعيد وتجميع وتوجيه المصالح الاجتماعية. فالقدرة على الاشعاع والتأثير وسط الجماهير ضعيفة بشكل كبير، ويمثل تراجع أعداد المناضلين أوضح مثال على ذلك….

 

كما ضعف الالتزام في العمل الجماهيري وتمّ الفصل بين “عوالم اليسار” النقابي والثقافي والفكري والتعليمي والعاملي…

 

لقد تم تفكيك هذه العوالم منذ السبعينات، فلم تعد الأحزاب اليسارية بوتقة التقارب والتحالفات بين الجماهير الشعبية والمثقفين…

 

لقد أصبحت أغلب الأحزاب اليسارية مكانا يجتمع فيه محترفي السياسة والطامحين في الفوز في الانتخابات غالبا ما ينتمون إلى فئات اجتماعية متعلمة حاصلة على شهادات؛ اهتماماتهم الانتخابوية هي أفقهم الرئيس لها الأسبقية على الانشغالات النضالية الحقيقية متل التواصل والبناء الإيديولوجي وتسييس المجتمع…

 

كما أن فكرة الصراعات الاجتماعية يجب أن تجد تعبيرها السياسي هي اشكالية؛ فمن المؤكد أن هذه الصراعات يجب أن تبحث على امتداد مؤسساتي وحزبي، لكن فكرة “التعبير أو المنفذ السياسي” تشير بشكل خاطئ أن هذه الصراعات غير سياسية، وأن الأحزاب تحتكر السياسة…

 

فالحركات الاجتماعية المرتبطة باليسار ترى بأنه كي تكون فعالة من الضروري والمؤكد أن يكون هذا التحالف. لكن انعدام الثقة اتجاه هذا التقاطع مستمر ومن المحتمل أن يكون مصدرا لإخفاء الاختلافات والتسلسل الهرمي والصراع من أجل الهيمنة.

 

هل ممكن إبداع شكل حزبي آخر ؟

 

كيف يمكن إبداع شكل حزبي آخر؟ كيف يتأتى لنا ذلك بدون أن نصنع من الشكل الحزبي التقليدي صنما نعبده ونقدسه ( fétichiser ) وأيضا أن نتخلى عن نوع من أنواع النوستالجيا لنموذج الحزب الجماهيري الذي لم يعد من الممكن أن يشكل أفقا واقعيا ؟

 

وكيف لنا أن نعيد الأحزاب السياسية ونصالحها مع الأوساط الشعبية لتسييسها ؟

 

المهمة عسيرة وكبيرة وربما بعيدة التحقق والمنال. فما بين الحزب الذي لا شكل له ولا حجم له يشبه الغاز (gazeux) الغير الديمقراطي وبين حزب المحترفين والبارزين، هناك بلا شك خيارات وممكنات أخرى، أكثر ديمقراطية لحزب متجذر داخل المجتمع.

 

وهل يمكن أن تكون هناك سياسة تحررية بدون طرق وأشكال ديمقراطية لممارسة السياسة؟

 

يكتب غرامشي في هذا الصدد، عن ” حزب المضطهدين ” له ثلاث وظائف أساسية: التنظيم، التعليم، الخبرة .

 

لا زالت هذه الفكرة تتمتع براهنية أكثر من أي وقت مضى، وعلى الأحزاب أن تبتكر وتبدع لتخرج من نمطيتها القاتلة وأن تتفادى انحدارها إلى الأوليغارشية وأن تستعمل خيالها السياسي من أجل التجديد. وذلك بالانخراط من جديد في البناء الإيديولوجي والقاعدة الاجتماعية، وإعادة تشكيل فضاءات النقاش وربط المثقفين بها مع الجماهير. والعمل على إبداع وبناء ما يسميه ( Erik Olin Wright .) باليوتوبيا الواقعية utopies concrètes من خلال استثمار جميع المجالات والممارسات الموجودة بالفعل بحيث يتم تنظيم الحياة والانتاج بطريقة غير رأسمالية..

 

يمكن للأحزاب اليسارية أيضا إعادة بناء اشكال ملموسة من التضامن (الدعم المدرسي، المساعدات القانونية للفئات المهمشة).كما هناك مسار آخر، انفتاح الحزب على المجتمع المدني والخروج من منطق الفصل الذاتي. المهمة ليست سهلة، فالأحزاب الآن أصبحت غير قادرة على خلق ناصرين ومتعاطفين وهو ما كانت الأحزاب الجماهيرية سابقا تتمايز بها.

 

لا يجب التقليل من شأن النضال داخل المجتمع… ويمثل أحد الرهانات التي تواجه اليسار هو بناء تقاربات في النضالات وتحسين التواصل بين مختلف المجالات والقطاعات التي تشكل الهوية اليسارية (مثقفون، جمعيات، نقابات، حركات اجتماعية ورياضية..الخ ).

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات