الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

“بورت دو لاشابيل ” (Porte de la Chapelle)

 

 

محمد عجرودي – باريس

 

 

في بورت لاشابيل ، يمشي وحيدا تحت الجسر الفاصل بين باريس و دهاليزها و نورها و ظلامها وليلها القاسي البارد…  و الضاحية 93 المطلة على المركب الرياضي المسمى ملعب فرنسا العالي الشاهق المرتفع الرمادي اللون البيضوي الشكل ،  ذو الثمانية عشرة قوائم التي تتمسك بسقفه بوزن 800 طن من الأسمنت المثقوب إلى ناحية السماء …بدراسة هندسية علمية متقنة تجعل من أرضية الملعب خال من الرياح الدوارة ،لكي لا يتسبب في إزعاج اللاعبين الأثرياء  أثناء تقاذف الكرة بين أقدامهم …

 

يمشي وحيدا تحت الجسر ورائحة أزبال المشردين العالقين بين باريس و الضواحي من أفارقة سود و بيض و مغاربيين و أفغان و باكستان  و بانغلادش وسوريين …

 

أطفال صغار جدا و شباب إناث و ذكور تملئ عيونهم الرهبة و الخوف من غد لا يعلمه أحد منهم …

 

تحت الجسر في الطريق  الثانوية في اتجاه  باريس قرب الضوء الأحمر ، كومة من الزنوج يتنفسون سموم المخدر القاتل ..و الآخر يحاول إستجداء المارة … وأخرى  شقراء  بعينين ناعستين ، و ثياب ممزقة بالية  يفضح جسدها النحيل ، مستلقية قرب الطوار الفاصل بين الخيام و الطريق ….غير مبالية بما يحيطها تنتظر حقنة أخرى …وكلما استفاقت تعرض خدمتها لأحدهم قصد الحصول على لذتها….

 

تحت الجسر تمر آلاف  من السيارات الصغيرة و العملاقة في كلا الإتجاهين نحو باريس العاهرة أو في اتجاه الضواحي الفقيرة المهمشة ..

 

حتى عربات الشرطة و المطافئ والإسعاف  و موكب رئيس فرنسا يمر من هنا فوق الجسر ووزرائه و خدام فرنسا يمرون من هناك ….الحركة هناك لا تعرف السكون ليل نهار …في كل الفصول ..

 

ينامون تحت الجسر ، ببحثون عن لقمة العيش، من الحرب ، من خراب الأنظمة ، واستبداد الحكم ، هاربين من البؤس ، و إلى جحيم  آخر يلجؤون….بؤسهم ، موتهم مأساتهم …

 

تحت الجسر …يعبر  هذا الجسد المخيف ، ورائحة الجيفة و القيئ و الإبر و السراويل والأحذية المتسخة و بعض الثياب  و حمالات صدور النساء ملقية أكواما  مكومة ككتل باعة أسواق الخوردة …على بعد أمتار من الخيام ، بعض الصبية يلعبون بعلب الجعة و كارتون الخمرة الرخيصة ….

 

تحت الجسر ، تجد الفئران الضخمة و القطط المشردة تعيش مع بغضها في أمان و تعيش بين أعشاش الناس  الغرباء تحت القنطرة الملعونة المظلمة المتسخة و الكريهة الرائحة…

 

تحت القنطرة الشياطين تقبع خلف الصور الفاصل بين الزقاق العريض القادم من نور باريس و ملائكته ..المؤدي إلى دجنات الليل الساكن داخل قلوب المهجرين المطرودين من أوطانهم …

 

و أنا أعبر بطن الجسر …لعنت شياطين الإنس و الجن ولعنت  التاريخ و الهوية و الحرب و الجوع …

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات