الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

النصوص الكبرى عن اليمين واليسار

 

 

تجميع وقراءة وترجمة عبد الكريم وشاشا

 

 

أفردت مجلة ” لوبوان – المراجع النصوص الكبرى المؤسسة التعريفية لقيم اليسار واليمين وينابيعهما السياسية والاجتماعية والثقافية الفلسفية ..

ورغم النزعة المركزية الأوروبية وخاصة الفرنسية المفرطة في تقديم هذه النصوص تبقى رغم ذلك مضيئة .. وتأثيراتها بعيدة المدى والأثر تحتم علينا الوقوف عندها كلحظات أساسية ومفصلية في الفكر السياسي وكذا التحولات المفارقة في مسار أعلامها من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين.. دفاعا عن قيم التنوير والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والهوية والإصلاح والتنمية والديمقراطية والسيادة .. الخ

 

عن اليمين

 

يعتبر ألان دو بينواست Alain de Benois رمز التحولات التي اعترت اليمين.. المفكر الرئيس لما يسمى اليمين الجديد وصاحب خطاب القطيعة مع الموضوعات الرئيسة لليمين التقليدي ..

 

قطيعة ثقافية أولا لأنه يرى بأن المعركة الثقافية لها الأولوية في الصراع السياسي، فهو ينصب نفسه “غرامشي اليمين” نسبة للمفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي؛ فبحسبه على اليمين أن يستعيد من اليسار السلطة الثقافية للوصول إلى السلطة والهيمنة السياسية ..

 

قطيعة أيضا لأنه يعارض مواقف اليمين الفرنسي في ذلك الوقت (1968) والتي هي مواقف لا تخرج عن نطاق برنامج حلف الشمال الأطلسي ..

 

فاليمين الجديد يستنكر الامبريالية وخاصة سيطرة الثقافة الأمريكية،هذا الرفض القاطع من قبل اليمين الجديد وإصراره كي يتميز عن “اليمين القديم” وكذلك عزيمته لتشكيل جبهة جديدة لحماية العالم من موجات كاسحة لازلنا لم نطلق عليها بعد اسم العولمة ..كل هذا نجده في كتابه:

” اليمين: القديم والجديد ” ( 1979 ) ..

 

وقد استمر اليمين الجديد في إصداراته وأعماله الثقافية سنة 2018 من خلال ثلاثة مجلات: *المدرسة الجديدة
Nouvelle Ecole
التي تحاول في أبحاثها مراجعة الأعمدة الثقافية لليمين الأوروبي،ثم عناصر Éléments
وهي ذات خط تحريري سياسي مباشر و Krisis وهي التي يأمل من خلالها ألان دو بينواست Alain de Benois المساهمة في تطوير النقاش الثقافي لتجاوز الانقسامات السياسية .

 

 

عن اليسار: فرانز فانون

 

وفي المقابل وفي الجهة المعاكسة، نجد أحد القامات الأكثر تمثيلية لفكر اليسار ولقيمه التحررية المناضل الأممي وإيقونة الكفاح ضد الاستعمار والاضطهاد فرانز فانون Frantz Fanon وتساؤلاته الفلسفية والوجودية و.. السيكولوجية- باعتباره طبيبا نفسانيا- حول الحرية والاستقلال:

كيف لمن ذاق مرارة الاستعمار من اضطهاد وتنكيل وتحقير .. أن يتخلص من الاستلاب ليغدو إنسانا حرا ؟

 

في كتابة الأخير الذي أطبقت شهرته الآفاق ” معذبو الأرض ” والذي كتبه سنة 1961 وهو في مرحلة متقدمة من مرض سرطان الدم، أطلق من خلاله هذا المتمرد الأنتيلي (نسبة إلى جزر الأنتيل) صيحة إنذار حقيقي حول مستقبل البلدان التي تعيش أو عاشت الاستعمار؛

 

ورغم المنع الذي تعرض له ومصادرته من قبل السلطات الفرنسية، نقل هذا الكتاب إلى لغات عديدة، وعرف في عز الحرب الجزائرية نجاحا وتداولا بلا حدود.

 

في نهاية نوفمبر 1961، وفرانز فانون في المستشفى، سيحمل له ناشر الكتاب فرانسوا ماسبيرو نسخة من كتابه الحديث الصدور، وبمقدمة خطها الفيلسوف الكبير جون بول سارتر ، وبعد أيام قليلة فقط، سيلفظ أنفاسه الأخيرة وسيوارى جثمانه بالجزائر طبقا لوصيته الأخيرة.

 

وبعنوانه المستوحى من مطلع النشيد الثوري للأممية” هبوا، معذبو الأرض ” أو ضحايا الاضطهاد، سيعرف هذا الكتاب الذي هو بمثابة وصية انتشارا كبيرا داخل حركات التحرر العالمية المناهضة للاستعمار بكل أشكاله القديمة والجديدة، وسيصبح من الأدبيات الكلاسيكية لقوى الكفاح والحرية..

 

استقر فرانز فانون الطبيب الشاب ذو 36 ربيعا في مدينة البليدة بالجزائر وهي المدينة التي عاش فيها أربع سنين، كان يعاين بنفسه وعلى أرض الواقع حالات الاغتراب المأساوية الناتجة عن الاضطهاد والتعذيب والاحتقار .. وهذا ما دفعه أخيرا الالتحاق بالمقاومة الجزائرية من أجل الاستقلال والانخراط في صفوف جبهة التحرير الوطني سنة 1954، وستقوم السلطات الاستعمارية الفرنسية بعدها بنفيه من الجزائر سنة 1957..

لا ينصب فانون نفسه ناطقا رسميا باسم الحرب على الاستعمار وتحليل نظامه ومخلفاته الوخيمة على الشعوب فحسب، ولكنه أيضا يسبر أغوار طرق وشروط ممكنة للتحرير من قيود الاستعباد والاستلاب من خلال برنامج ثوري مركزه ” الإنسان الجديد ” كفاعل ومؤثر في تاريخه ويملك بيديه مصيره السياسي.

 

كيف لنا أن نتجاوز توتر وتناقض ثنائية المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر (بفتح الميم) يتساءل في فقرته الأولى من كتابه: بالعنف وحده، وبالكفاح المسلح كمرحلة ضرورية للتحرير، وهو نفس ما عبر عنه جون بول سارتر في مقدمة الطبعة الأولى من الكتاب..

 

في عالم كولونيالي ” مجزأ ” ولتفكيك الاستعمار لا بد من العنف ليعانق الفرد المستعمر (بفتح الميم) الحرية، حتى تكتمل بذلك إنسانيته، وتحميه أيضا من القبلية والطائفية ، وتربط مصيره مع الشعوب المكافحة..

 

ولكن الكاتب سيذهب أبعد من ذلك عندما يضيف إلى قضية إزالة الاستعمار قضية العرق، فبالنسبة له، إذا كانت قضية التحرير من الاستعمار ستدمر بشكل كامل التناقض القاتل بين المعمر والمستعمر، فإنها في نفس الوقت ستزيل كل ميز عنصري عرقي..

 

ف” معذبو الأرض ” ليس فقط سلاح حرب ضد الكولونيالية، ولكنه استمرار لمشروع فانون الذي بدأه منذ كتابة الأول الصادر سنة 1952 ” جلد أسود، أقنعة بيضاء “: تفكيك ميكانيزمات النقص والدونية.. فتحرير السود كسود هو طريق مسدود لا يؤدي إلى أي شيء ..

 

بعد سنوات، وإبان اندلاع حرب الفيتنام، سيغوي هذا الكتاب العديد من حركات السود الأفرو – أمريكية وعلى رأسها منظمة الفهود السود .. كما سيصبح مرجعا أساسيا للدراسات والأبحاث ما بعد الاستعمار.

 

من فرانز فانون إلى إدوارد سعيد

 

 

لا تزال أعمال فرانز فانون تحظى باهتمام كبير بفضل تعدد قراءتها وإعادة قراءتها، قراءات متباينة تساعد في الكشف عن مخزونه وثرائه، وعلى ضوء المقدمة التي كتبها جون بول سارتر لكتاب معذبو الأرض ، بناء على طلب فانون نفسه بعد لقاء ومناقشات مكثفة بين الرجلين في ربيع عام 1961 بروما. نُشر الفصل الأول من ” معذبو الأرض” الذي يحمل عنوان «العنف” منفصلا في مجلة ” الأزمنة الحديثة ” التي يديرها سارتر، كأنه هو جوهر الكتاب، ومنذ ذلك الحين تعددت قراءات أعمال فانون وخاصة لهذا الكتاب الصعب والمعقد…

 

امتدت قراءة إدوارد سعيد لنصوص فرانز فانون طيلة مساره الفكري، انطلاقا من تداعيات حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وضم الجزء الشرقي من القدس.

 

وسوف يمزج إدوارد سعيد بشكل وثيق بين النظرية والعمل السياسي. قراءة إدوارد سعيد مثيرة للاهتمام، ففانون وكذلك سعيد تم تهميشهما بشكل كبير في الحقل الجامعي والثقافي، وكل منهما يشكل عرضا من أعراض البقعة أو النقطة العمياء داخل الفكر السائد (النقطة العمياء هي حجب في مجال الرؤية، وهناك نقطة عمياء طبيعية تعرف باسم النقطة العمياء الفسيولوجية، وهي نقطة تخلو من أي مستقبلات الضوء، وتقع هذه النقطة على الشبكية في القرص البصري حيث يمر العصب البصري) ..

 

إن الأمر لا يتعلق فقط بفجوات في التاريخ الاستعماري الذي بدأ يتطور في الحين. فالنظرة التي يحملها فرانز فانون للاستعمار الفرنسي في الجزائر صعب تحملها في بلد يدعي أنه “موطن حقوق الإنسان والقيم العالمية” وتسليط الضوء على العنصرية سنوات 1950.

 

إن ما لا يزال يبدو من الصعب الاعتراف به هو أن الهيمنة الاستعمارية يمكن أن تتعلق أيضا بالمجالات الذهنية والإنتاج الخيالي وبناء الذاتيات (des subjectivités).

 

فخلال صدور الترجمة لكتاب الاستشراق سنة 1980 تم ضرب طوق حوله، بحيث لا يمكن لك أن تعثر على نسخة منه،واستغرق الأمر خمسة وعشرين عاما ليتم إصدار جديد للكتاب، وأثناءها توفي إدوارد سعيد، وكانت شهرته عالمية لدرجة أنه كان من المستحيل الاستمرار كأن هذا العمل غير موجود.

 

يمكن لنا بسذاجة أن نندهش أمام هذا الاستقبال الحافل لكتاب يعتمد شيئا ما على بعض المفاهيم المركزية في فلسفة ميشيل فوكو، ومع ذلك فسعيد، اتخذ بالفعل في تلك المرحلة مسافة مع نظرية فوكو، والاتكاء على منظرين آخرين، وعلى رأسهم فرانز فانون.

 

إن الأهمية التي يوليها لفانون في الواقع كانت في وقت سابق مع كتابه الأول المهم ” البدايات ” الذي سبق “الاستشراق” حول النظرية الأدبية وكان سعيد قد وضع فرانز فانون في مصاف فرويد وأرويل وليفي ستراوش وفوكو..

أولئك الذين ساهموا في “إنتاج لغة ذهنية مشتركة “.

 

في المستوى الأول يمكن قراءة صفحات معينة لفانون على ضوء ميشيل فوكو. مقتبسا ومستشهدا باستفاضة صفحات من “معذبو الأرض” حيث مدينة المستعمر تتعارض مع مدينة المعمر، يقرأ سعيد “خطاب” الاستعمار الذي يدرج علاقة القوة. حيث المواجهة بين النص والقول، وبين النص والعالم، لا تقدم أي معنى” لكن مسار فوكو اتبع طريقا متعارضا تماما مع مسار فانون.

 

على الرغم من أن مراكز اهتماماته الأولى كان هو (الملجأ والمستشفى والسجن) لكنه سرعان ما اقتنع بأنه لا يمكن مقاومة ذلك. وقد رافق هذا الهدوء أو طمأنينة الروح (quiétisme) مع ما رآه سعيد من تكلف وتصنع عندما التقى بفوكو لأول مرة. ففي مقال نشرته صحيفة الأهرام المصرية في أبريل 2000 حكى سعيد بروح الدعابة لقاءه مع فوكو ومع جان بول سارتر، في مارس 1979، وكان قد دُعي لحضور ندوة حول السلام في الشرق الأوسط التي كان من المقرر عقدها في شقة ميشيل فوكو، وكان سارتر تحت تأثير (Benny Levy) الملقب ب (Pierre Victor) غير قادر على أي تحليل نقدي للسياسة الإسرائيلية. وينطبق الشيء نفسه على ميشيل فوكو الذي روى بحماس رحلته إلى إيران حيث كان المبعوث الخاص للصحيفة الإيطالية (Corriere della Serra)، أما سيمون دو بوفوار فقد كانت هي أيضا حاضرة تتحدث عن الأيام التي قضتها في طهران برفقة (Kate Millet) من أجل الإعداد للتظاهر ضد التشادور، وبغبائها المتضخم، يقول إدوارد سعيد، ورغم رغبتي لخوض الحديث معها في ذلك، إلا أنني رأيت أنها واثقة وممتلئة بنفسها ولا يمكن لأي شخص الوصول إليها لمناقشتها في تلك اللحظة.

 

بالنسبة لإدوارد سعيد الذي لم يتوقف عن إيجاد أوجه الشبه بين الاستعمار الفرنسي للجزائر والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فعدم القدرة على عولمة نقد الاستعمار الآتية من عند فوكو وخاصة سارتر هي مثبطة ومروعة ومخيبة للآمال ؛ فخارج هذه المركزية الأوروبية، لا يتصور فوكو إمكانية للجماعات المضطهدة أن تحرر نفسها.. عكس فانون الذي هو قادر على تشخيص طبيعة الاضطهاد وفي نفس الوقت على الاهتمام بالوسائل والطرق لإنهائه .

 

وما يميز أيضا فانون عن فوكو هو تضامنه مع طبقة ناشئة، مع حركة ناشئة ليس فقط في ممارستها وفعلها النضالي داخل جبهة التحرير الوطني الجزائري، ولكن أيضا وقبل كل شيء كمنظر.

 

وبهذا المعنى، لا يوجد أي شيء مشترك بين مسار والنهج الذي خطه فانون، وبين تلك “السياحة” السياسية المكثفة…

 

ففي هذا المستوى يكمن عمق انتماء إدوارد سعيد في علاقته بفرانز فانون، لذا لم يجد عند فوكو غير الأدوات المفاهيمية والمنهجية التي يوظفها عندما تبدو له ملائمة ومفيدة له….. ومع ذلك ف”معذبو الأرض” هو الكتاب الذي يعود إليه دائما سعيد، فمثلما هو عاش ك”شرقي” وكمواطن في الولايات المتحدة الأمريكية، يرى أيضا في فانون هذا الوجه المزدوج في سياق بالتأكيد هو مختلف جدا …

 

ففي إستراتيجية على غرار تلك الذي قام ميشيل فوكو بدراستها في (المراقبة والعقاب) يجبر المستعمر المستعمَر على استخدام لغته هو وليس لغة الآخر، إن كان إتقان لغة المستعمرين علامة تمييز للبورجوازية المحلية، فيمكن استثمار هذه اللغة للانقلاب في أول فرصة ضد أولئك الذين فرضوها.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات