الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

الصناديق السوداء للأموال بالمغرب :

الملاذات الآمنة للنهب و الفساد

 

 

البدالي صافي الدين

 

1 ـ تقديم :

 

التساؤل  عن مآل الثروة المغربية  التي ليس لها أثار على مستوى التنمية الاقتصادية و الاجتماعية،أدى إلى تفاعل كبير بين المهتمين بالشؤون الاقتصادية و المالية بالمغرب و خارجه، بعضهم أجاب بالقول بأن ثروة  المغرب  هي في “الصناديق السوداء”.  و بعضهم من  أجاب  بأنها مهربة إلى الخارج .

 

يتساءل عموم المواطنين و المواطنات عن ثروة المغرب و عن مآلها، و أين تذهب هذه الثرة ؟ كما يتساءلون عن سر الصناديق السوداء بعدما أثارها بعض البرلمانيين و طالبوا بإخضاعها للرقابة البرلمانية.  إلا أن الحكومة لم تقبل بذلك بدون اسباب تذكر. و اعتبر  عدد من الخبراء الاقتصاديين و الماليين بأن الصناديق السوداء  هي من بين الأسباب  التي ساهمت في استمرار الفوارق الاجتماعية والمجالية، و في تراجع الخدمات الاجتماعية على مستوى الصحة و التعليم و غيرهما.

 

هل هذه الصناديق لها علاقة باستراتيجية الدولة ؟أم هي من أسرارها ؟ أم أنها تستعمل في الكوارث  او الأوبئة ؟

 

هذه الأسئلة تفرض علينا الكشف عن حقيقة هذه الصناديق و ما هي  علاقتها بالثروة الوطنية  المفقودة و باستراتيجية الدولة في مواجهة الكوارث و غيرها ؟ و ذلك من خلال هذه المناولة المتواضعة للموضوع عبر محاور تتعلق بالتعريف بهده الصناديق و دورها في هدر المال العام و آثارها على الاقتصاد الوطني و السلم الاجتماعي .

 

2 ـ   الصناديق السوداء أم  العلب السوداء :

 

رغم ما يجمع بين الصناديق السوداء و العلب السوداء من وصف من حيث اللون فإنها تختلف عن بعضها البعض من حيث المحتوى و الأهداف و المقاصد. فلون الصندوق أو العلبة السوداء ( caisse noire  )  في الطائرات ليس  بالأسود  بل لونه برتقالي أو أصفر وذلك لتمييزه بسهولة بين حطام الطائرة.  و لا يزال سبب هذه التسمية غامضاً تاريخياً، فقد ذهب البعض إلى أنه سمي باللون الأسود بسبب الكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرات. ويسمى أيضًا “بمسجل معلومات الطائرة”. و هو يكشف أسباب و ملابسات تحطم الطائرة من خلال المكالمات بين الربابنة و أبراج المراقبة في  المطارات المدنية أو العسكرية، أي هو الكاشف للحقيقة و يحدد المسؤوليات من أجل المحاسبة . فهو صندوق ينطق بالحقيقة و لا يمكن تحطيمه من أجل طمسها لأنه أمين على سلامة الركاب.

 

أما  مصطلح “الصناديق السوداء” التي تعني عموم الشعب، فهي حسابات خاصة أو خصوصية و ليست كالصناديق السوداء للطائرات، و ليست بعلب سوداء حديدية أو بلاستيكية و إنما هي  تعني في المغرب  ميزانيات بعض قطاعات الدولة التي يتم  التصرف فيها من قبل المسؤولين بعيدا عن أية محاسبة أو مراقبة أو مسائلة، لكونها غير مدرجة في الميزانية  العامة للدولة، بالإضافة إلى أنها غير خاضعة للرقابة البرلمانية أو لأي افتحاص يذكر، وهو ما جعلها باباً خلفياً و ملاذا آمنا لنهب المال العام  و بابا خلفيا لتهريب الأموال إلى الخارج.

 

إنها ميزانيات خصوصية  لا يُعرف مصدرها ولا كيف يتم تدبير مواردها أو التصرف فيها، و خاصة الميزانيات  المتعلقة بمؤسسات الأمن والداخلية ومؤسسات السيادة.

 

تشير بعض التقارير إلى   أن ميزانيات هذه الصناديق تصل أحيانا إلى   13 مليار دولار ( 109 مليارات درهم مغربي)   وفقاً لبعض  الإحصائيات الحكومية، وهو ما يمثل 20 % من إجمالي الموارد في ميزانية المغرب للعام 2013 – 2014  مثلا، ويبلغ عدد الحسابات الخصوصية المكونة للصناديق السوداء 79 حساباً بحسب إحصاءات وزارة المال والاقتصاد، حيث لوزارة المالية حصة الأسد من هذه الصناديق بإجمالي (32) حساباً، تليها وزارة الداخلية بإجمالي (11) حساباً ورئاسة الحكومة بإجمالي (6) حسابات ووزارة الدفاع (4 حسابات) فيما توزعت باقي الحسابات على وزارات أخرى.

 

3 ـ المعركة المعلنة في شأن هذه الصناديق :

 

قامت بعض الجمعيات المغربية  لحماية المال العام بالمغرب بالتنبيه إلى خطورة الصناديق السوداء،  لأنها مجال لهدر للمال العام و وسيلة للتهرب من المحاسبة و المسائلة. كما طالبت  بعض الفرق البرلمانية بإخضاع  ميزانيات الصناديق السوداء للرقابة البرلمانية. لكن الحكومة رفضت الأمر ولم تسمح  بإدراج  جميع  الصناديق في ميزانية الدولة وإخضاعها للرقابة  البرلمانية، واكتفت بإدراج بعضها فقط  و ذلك   رغم اتفاق الأغلبية والمعارضة في البرلمان على إدراج جميع الصناديق السوداء في ميزانية الدولة.

 

في هذا السياق  يرى الخبير  الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي، في تصريح خاص لـ”العربي الجديد” بأن  تخوف بعض مسؤولي الإدارة المغربية من إدراج بعض الصناديق في الميزانية العامة لخصوصية، وتحديداً التي تتعلق إما بوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع و  الشرطة والجيش”.  و بالرغم من ذلك فإن أموال الشعب  ليست خاصة  كما أن  هناك صناديق أخرى  لا خصوصية لها  إطلاقاً، و  إن عدم إخضاع هذه الحسابات للرقابة البرلمانية يعتبر جريمة اقتصادية وإهدارا  للمال العام، من خلال استغلال أموال الصناديق السوداء في أغراض خارجة عن المصلحة العامة.   لنا مثل صارخ في ذلك وهو منح علاوات كبيرة خارج إطار قوانين الدولة،  كعلاوات وزير الاقتصاد والمال الأسبق صلاح الدين مزوار، والخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة،  حيث تشير   وثائق تم تسريبها أنهما استفادا من علاوات ضخمة   من   صندوق أسود لهذه  الوزارة، إذ حصل مزوار على علاوة تبلغ 10 آلاف دولار شهرياً (80 ألف درهم)، كما حصل الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة على 12 ألف دولار شهرياً (100 ألف درهم ) .

 

لم تتم متابعة هؤلاء، بل تمت مكافئتهما و متابعة الموظف الذي كشف عن الحقيقة , و لم يتم  إرجاع الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة. و يرى البعض بأن مكونات الدولة العميقة في المغرب تحركت  هي الأخرى من أجل حماية بعض الصناديق و حماية أصحابها حتى لا تطالها عين  الرقابة و لا المحاسبة لأنها تستفيد منها.  وقد أكد قيادي في حزب العدالة و التنمية بأن إخضاع جميع الصناديق السوداء في ميزانية الدولة سيتم حسب قانون مالية 2013 مطلع عام 2015، وهو ما اعتبره الراي العام  الوطني و المتتبعون للشؤون المالية و الاقتصادية بالبلاد و خارجها  دليلاً على إرادة حكومة بن كيران لمحاربة الفساد،  لكن  سرعان ما  تراجعت عن تعهداتها، و الدليل على ذلك هو التراجع عن إخضاع الصناديق السوداء للرقابة البرلمانية  وقرار ما أصبح يعرف  ب “عفى الله عما سلف”

 

4 ـ  الصناديق السوداء و الخطورة الاقتصادية :

 

كشفت  وثائق “باندورا ”  النقاب عن الثروات والمعاملات السرية لرؤساء دول  وسياسيين، عبر  تسريبات لوثائق  مالية  أماطت  اللثام  عن  الأبواب الخلفية لفساد هؤلاء،  الذي  تسبب  في أضرار اقتصادية خطيرة لعدد من الدول التي تفتقر إلى الديمقراطية و ربط المسؤولية  بالمحاسبة و عدم  الإفلات من العقاب و في مقدمتها الدول العربية  .

 

إن تهرب الحكومة  المغربية من إخضاع  الصناديق السوداء  أو “الملاذات الآمنة”  للرقابة  البرلمانية ”  parlementaire censure ” و المراقبة المحاسبية  ” comptabilité  ”  يعني أنها تشجع على  الثقوب السرية، أي الصناديق السوداء التي تتجه إليها أموال الشعب و هو ما تنجم عنه أضرارا خطيرة  على المستوى  الاقتصادي و على مستوى الاستقرار  الاجتماعي. كما تعتبر هذه الصناديق أيضا  «بابا خلفيا» يدر على أصحابه الكثير من أموال الشعب،  فجزء من هذه الأموال ” الشبح ّ   يذهب من أجل شراء الذمم والتأثير على نزاهة الانتخابات و على السير العادي للمؤسسات،  وجزؤه الآخر يتم صرفه  بطرق ملتوية ودون رقابة أو   محاسبة .  و  بهذا   فإن هده   الصناديق السوداء  هي مقدمة للفساد و نهب المال العام، وذلك في غياب التشريع الديمقراطي، وخاصة التشريع المالي.

 

الدول  الديمقراطية تنظر إلى القضية  المالية بأنها   قضية أمن قومي، و أن مالية الدولة هي مالية الشعب , لأنها تنمو  من الضرائب التي يؤديها، سواء المباشرة و غير المباشرة .

 

لقد سُئل الرئيس الأمريكي السابق «جورج بوش» عن الآلية التي استطاع من خلالها تخفيض نسبة الجريمة خلال ولايته فأجاب: «حققت ذلك عن طريق الاقتصاد، إذ أن تحسين الوضع الاقتصادي يشجع على الزواج والاستقرار ومن ثم حرص الشخص على مستقبله الأسري والمجتمعي».

 

فالوضع الاقتصادي  إذن له علاقة جدلية بالوضع السياسي  و بالاستقرار الاجتماعي و النفسي ،فإن تحسن الوضع الاقتصادي اطمأن  المواطنون و المواطنات  على حقوقهم جميعها، لكن هذا المبتغى لن يتحقق  في ظل سياسة  وجود حسابات خاصة وصناديق سوداء خارج نطاق مراقبة المؤسسة الدستورية وبعيدا عن أي مسائلة أو محاسبة. مما ساهم في التفاوت الطبقي الناتج عن الأجور الخيالية والتوزيع غير العادل للثروات، و استمرار الجمع بين الثروة والسلطة.

 

إن مسلسل  مظاهر الفساد  و نهب المال العام يبدأ من الحسابات الخصوصية، أي الصناديق السوداء و من انعدام   ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الجمع بين الثروة والسلطة، كما أن  نجاح أي  برنامج  تنموي لن يتحقق دون منع الحكام  من الجمع بين الثروة والسلطة و توحيد ميزانية الدولة والقطع مع الباب الخلفي للفساد الذي هو الصناديق السوداء أو الثقب الخلفية للسرقة و التهريب .

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

One Response

  1. في رأيي ،ان اتباع استراتيجية توزيع المنافع الريعية، و اتباع استراتيجية هدر اموال الصناديق السوداء المخزنية ،و اتباع استراتيجية استدامة المناصب الادارية العليا و استراتيجية خلود الزعامة السياسية و النقابية ،و اتباع استراتيجية غض النظر عن فساد المؤسسات الاقتصادية ،هو السبيل الوحيد الذي يضمن استمرارية حكامة نظام التوريث السياسي العلوي النخبوي، بحيث مع انشغال عدد جد كبير من هذه الاستراتيجيات الاغرائية و التحفيزية ،يستفرد الوارث السياسي بكرسي الحكامة،التي منحته امتيازات بلا حدود و التي جعلته فوق سيادة القانون ،حيث اصبحت سيادة الوارث السياسي اقوى من سيادة القانون ،و بما ان الديمقراطية هي حكامة سيادة القانون و ليس حكامة الاشخاص، فان حكامة الديمقراطية ستكون ممنوعة في بلدنا العزيز,,, بحيث يستحيل ان نتصور ان من هو فوق القانون ،سيرى يوما ما ان يخضع للقانون، أو يتم استدعائه امام القضاء ككل المواطنين’’

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات