الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 الحروب تدمر الحياة المادية والرمزية

 المكتبات نموذجا

 

 

علال بنور

 

 

مع نمو المجتمعات البشرية وتشابك علاقاتها، تزايد دورها في نظم المعرفة التي تربط بين كل أنواع السلوك، فاللغة المكتوبة تحتضن الذاكرة في هيكل من الادبيات، التي تكمن قيمتها في الميزة التي تمنحها للأجيال السابقة والانية والمستقبلية.

 

فتأكد عبر التاريخ ،أن المكتبات تقع ضحية الكوارث الطبيعية والبشرية في عدة مناطق من العالم ،باختلاف الازمنة كما حدث بفلورنسا 1966 عندما اجتاحتها الفيضانات ،دمرت  مكتبات تحتوي على اكثر من مليون كتاب ومخطوط  ،والتي شكلت خسارة في الثرات الإنساني ،وفي لينينغراد تعرضت مكتبة اكاديمية العلوم سنة  1988 لحريق مهول ،دمر اكثر من 3.6 مليون كتابا ووثيقة ،غير أنه تأكد، أن الخسارة تكون أكثر اثناء الحروب التي دمرت مكتبات مع الإبادة الجماعية للإنسان ،كما هو الحال اثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، وما اقدمت عليه النازية والحرب الاثنية بين صربيا والبوسنة وحرب الخليج ،حيث دمرت المكتبات العراقية وتراجع نشر الكتاب ،ومعها تم تدمير المتاحف بل سرقة محتوياتها.

 

كما أن الاضرار التي تلحق بالأثار، سواء الخارجة  عن اسوار المتاحف ،او تلك التي بالمتاحف ، تجعلنا نتير أسئلة  مقلقة حول النسق السياسي، المرتبط بعقلية الهيمنة والتحكم في المجال بكل محتوياته المادية والرمزية ، فتكون المكتبات هدفا لتدميرها ،فعندما تنهب الكتب وتقصف المكتبات اثناء الحروب ،نكون امام هجمة شرسة متعمدة ،تستهدف الثقافة التي هي جزء من الحضارة الإنسانية ،عند ذلك نقول، أن الأنظمة المتطرفة تنتهك المتخيل البشري وتبيد الثقافة والانسان معا ، فتعتبر إبادة الكتب او الحضارة الرمزية لشعب مستهدف من قادة الحروب ، صورة قبيحة عن المعارك بين الأيديولوجيات المتطرفة والنزعة الانسية الديموقراطية ،ولعل أخطر تدمير تعرضت له المكتبات خلال الحرب العالمية الثانية ،تم فيها فقدان المانيا لأكثر من ثلث كتب المكتبات ،بسبب القصف الجوي البريطاني للمدن الألمانية ،وفي نفس الحرب ،فقد اليابان  نصف كتبه ،من جراء القنابل المدمرة التي ألقاها الجيش الأمريكي على المدن اليابانية .

 

لذلك عرف القرن العشرين في تاريخ البشرية، من أكثر القرون تدميرا للبشرية وحضارتها المادية والرمزية، فالقتل الجماعي للمدنيين، لم ينفصل عن تدمير الآثار والمتاحف والمكتبات، لذلك فسؤال، ماذا تفضل هل حرق مكتبة أم قتل شيخ؟ فالأمر سيان، فالحروب لم تميز بين هذا وذاك، والى جانب زيادة اعداد الضحايا من السكان المدنيين، اشتد تدمير الثقافة برعاية جنون الأنظمة الامبريالية والدكتاتورية .طالت الرقابة في الأنظمة العسكرية والأنظمة البوليسية ،الكتب التي لا تروق لهم ،على سبيل المثال أقدمت النازية مع هتلر الى حرق كتب فرويد وكارل ماركس وبريخت ، كما منع بينوتشي دكتاتور الشيلي ،رواية سيرفانتيس ” دون كيشوت ” .فكانت هذه الأنظمة تكون وتمول مراقبين  للكتب، لفحص  جميع المكتبات ، طبعا ان تاريخ حرق الكتب والمكتبات ،يمتد الى عهد اليونان والرومان عند استقواء الكنيسة الكاثوليكية ، فكانت الكنيسة في روما ،تشن حربا ضد الكتاب للسيطرة على منافذ الفكر. كما عرفت الدولة العباسية والاندلس انتشار ظاهرة حرق الكتب .

 

فتدمير المكتبات والمتاحف اثناء الحروب، معناه تدمير حضارة الشعوب وحرمانها من الحفاظ على ثقافتها، من لغة وابداع وفكر وتاريخ ومؤسسات اجتماعية. وهل الحكومات بأنظمتها المعتدية على الشعوب الضعيفة، احترمت قرارات هياة الأمم المتحدة الداعية للحفاظ على رموز الحضارة، باعتبارها حضارة إنسانية؟ فتأكد، أن القادة في الحروب لم يحترموا الثرات الحضاري ،للمنع  من قصف الثرات  المادي والرمزي ،فهو خارج اهتمام الساسة ، لذلك  وجدت النزعة الانسية المدافعة عن التعدد الثقافي خارج الاهتمام ، بالرغم من أنها تعتبر الثقافات مكونا للحضارة الإنسانية ،وهي حضارة واحدة في التعدد الثقافي ، ارتفعت أصوات  تدعو الى السلم واحترام الثقافات ،كما تدعو الى التحرر من الانتماءات القومية والاقليمية الضيقة .فالحروب لم تقف عند حاملي السلاح ، بل تجاوزته الى تدمير أدوات العقل ،على قائمتها المكتبات والمؤسسات التعليمية والثقافية ، فامتد القصف الى منتجي المعرفة ، لاغتيال العلماء ، نموذج ما يتعرض له علماء ايران من طرف الصهيونية ، لقد افضى العنف الى الافتراض القائل ، بان هناك جماعات تتملكها قوى الشر واستلاب قوة الفرد وتولد الياس والفقر، كما  تولد القنوط والظلم و الغضب والسخط .

 

لماذا تستهدف المكتبات بالقصف؟ وما علاقة إبادة المكتبات بالعنف السياسي؟ الم يحن الوقت في المنتظمات الدولية وفي قراراتها السياسية والحربية الدعوة الى احترام الحضارة الإنسانية ودمج مطالب الجمعيات الثقافية والحقوقية والبيئية الداعية الى تحصين الثقافة المادية والرمزية؟

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات