الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

*محاولات اغتيال*

 

 

عبد الكريم وشاشا

 

كم هي مضطربة ومتماوجة السيرة الذاتية التي خطها الكاتب سلمان رشدي تحت عنوان

*Joseph Anton*
*Une autobiographie*

(اسم مركب من أسماء اثنين من عمالقة الأدب: جوزيف كونراد وأنطون تشيخوف).

لقد أوقفت كل القراءات التي انغمست فيها لحظة سماعي بالاعتداء الغادر الأخير الذي تعرض له..

 

تعرفت على الكبير سلمان رشدي في روايته أطفال منتصف الليل ؛ الحائزة جائزة البوكر وهي رواية حديثة جدا بأسالبيها وتعدديتها، صعبة ومركبة تحتاج إلى قارئ نبيه ويقظ..

 

يبدأ سلمان تدوين سيرته في لحظة تلقيه خبر الفتوى وهو يوم يصادف وياللمفارقة عيد الحب، عيد القديس فلانتين، ورغم أنه لم يكن على وئام مع زوجته الروائية الأمريكية
*Marianne Wiggins*
سينفصلان فيما بعد، لكنه وجد زوجته في تلك المحنة شجاعة ومستعدة لمواجهة الأمر.

تعبر السيرة عن لحظات الانقلاب العاصف في حياة الكاتب والإحساس العميق بالوحدة.. الوحدة الرهيبة للمحكوم بالإعدام.. حكم بالإعدام ليس من طرف محكمة عادلة تحترم القانون.. ولكن من طرف عجوز خرف قاس يحتضر دعا المسلمين كافة إلى إهدار دم من كتب ونشر الكتاب الملعون والعنوان نفسه تم التلاعب به فهو ليس آيات شيطانية بل الآيات الشيطانية ..
أل معرفة تحول فيها سلمان رشدي إلى شيطان يستحق الشنق…

يورد سلمان رشدي في سيرته الذاتية هذه *Joseph Anton*
أن القراءات المتسرعة والسطحية التي قام بها بعض الصحفيين لروايته الآيات الشيطانية هي التي رسخت الصورة الخاطئة لعمله..
ويعتبر ما قامت به الصحفية *Madhu Jain* بالمجلة والقناة الإخبارية *India News* ، وهي أول من كتب عن الرواية ونشر مقاطع منها، بمثابة عود الثقاب الذي أشعل برميل البارود؛
فقد عنونت مقالها بالبنط العريض هجوم صريح على الأصولية الدينية وختمت المقال بأن الآيات الشيطانية ستؤدي إلى اندلاع احتجاجات عارمة…

كدعوة صريحة إلى التظاهر..
وبالفعل فقد أطلع على المقال برلماني هندي من المحافظين الاسلاميين الذي وجه رسالة مفتوحة إلى الكاتب تحت عنوان:

*”لقد كتبت هذا الكتاب بغرض شيطاني، السيد رشدي. “*

وبالفعل أصبح سلمان رشدي الشيطان الرجيم في تظاهرات صاخبة اندلعت في أهم شوارع المدن الكبيرة في العالم…

 

بينما ما لم يعرفه الكثيرون أن الأطروحة الجامعية لسلمان رشدي كانت حول سيرة وشخصية محمد الذي يكن له إعجابا كبيرا؛ فهو لا يقدسه؛ بالنسبة له رجل من لحم ودم يأكل الخبز ويمشي في الأسواق..

لكنه رجل استثنائي قفز بأهله من القبيلة إلى الأمة..

كما تناولت أطروحة سلمان رشدي ملابسات قصة الغرانيق أو الآيات الشيطانية التي وردت في الكثير من المصادر التاريخية..

وكان السؤال المطروح في هذه القصة هي :

*لماذا تراجع محمد عن الآية التي اعترف فيها بالربات الطيور اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى(الثالوث الأنثوي )؟!*

وقد فضل سلمان رشدي في أطروحته التفسير الذي أعطاه كل من Montgomery WTt

و الماركسي Maxime Rodinson

لهذا التراجع ولقصة الغرانيق كلها
وهو تأويل اقتصادي..

كتاب شجاع مستنير يستحق القراءة والتأمل والمقارنة بين أزمنة الظلام.

*قتل الكتب*

هل بإمكاننا أن نمنع ونحرم الكتب؟ ولماذا ؟؟ وهل في استطاعتنا إفراغ المكتبات ؟
لماذا لا ندع الكتب تعيش وتتنفس حتى لو اختلفنا مع مضامينها ؟

من جاليليو وفن الحب لأوفيد ومديح الجنون لإيراسم مرورا بسبينوزا وبموسوعة ديدرو وإيميل لجان جاك روسو وأزهار الشر لبودلير ومدام بوفاري لغوستاف فلوبير ثم ما فعلته النازية والفاشية والستالينية انتهاء بآيات شيطانية لسلمان رشدي..

( *أما في الثقافة العربية فهو تاريخ طويل وليل دامس من المنع والحرق والقتل ماضيا وحاضرا: ابن المقفع الحلاج السهروردي وابن رشد … وعلي عبد الرازق وطه حسين ونجيب محفوظ وحسين مروة ومهدي عامل وفرج فودة وحامد أبو زيد…والقائمة طويلة الخ )*

فتاريخ الفكر مليء بذهنية التحريم؛ كتب تم تدميرها نهائيا وبقيت خبرا بعد عين، كتب تم حرقها في الساحات العامة، وأحيانا مع أصحابها .. لكنها بقيت صامدة أمام العوادي، بل وانتشرت أكثر بين الناس وازدهرت.

باسم ماذا يتم منع الكتب أو حرقها ؟ باسم السلطان؟ باسم الفقيه وولايته .. باسم الدفاع عن المقدسات والمعتقدات وحماية الأخلاق ؟ حماية السلطة والذود عن الآلهة، الدولة، العائلة، الأمة….

لماذا هذه العودة ؟ عودة الرقيب من جديد .. بمسميات جديدة: معاداة الإسلام، العنصرية، كراهية النساء معاداة السامية.. حتى خرافات لافونتين لم تسلم من ذلك أليس وراء هذه الإدانات تكمن الأسباب الحقيقية التي لا يفصح عنها :

فعندما أعلن جاليليو بأن الشمس هي المركز وليس الأرض، كان هذا يتعارض مع “الحقائق الإنجيلية”، ولكنه أيضا أثار حفيظة البابا لأنه لم يمنحه أولا مخطوطة كتابه..

وإذا كان سلمان رشدي أغضب آيات الله الخميني بسبب صورة النبي في “آيات شيطانية” ولكنه أيضا بسبب شخصية الإمام (الذي هو آيات الله الخميني نفسه) الذي قدمه في الرواية كغول شيطاني..

وتعتبر قضية سلمان رشدي مثلا بارزا لمعرفة الخطوط الحمراء لحرية التعبير في مجتمع زمن العولمة: نعم، لقد نجا سليمان من اغتيال محقق، ولكن 40 شخصا لقوا حتفهم بسبب شيطنة هذا الكتاب ..

هنا أفتح قوسا: حول ما كتبه الصحفي *توفيق بوعشرين* عندما كان صحفيا في جريدة المساء في زاويته *الرأي والرأي الآخر* تحت عنوان ” *استفزاز ملكي* ” يوم 25 يونيو 2007 ، عن الروائي سلمان رشدي وتشريفه من قبل القصر الملكي الانجليزي، وحديثه عن العاصفة التي أيقظها هذا التكريم…

وأن رواية “آيات شيطانية” كلها تعريض بنبي الاسلام وزوجاته…

..وقد أرسلت له تعقيبا على بريده الالكتروني من أهم ما ورد فيه:

في الحقيقة أنا لا يهمني هذا التكريم ولا سياقاته ولا المعاني التي يمكن أن يحمّلها له الأخرون ولا حتى تلك الزوابع الهوجاء التي تثيرها كما يسميها جلال العظم ذهنية التحريم…

ولكن ما يهمني مناقشته هنا هي تلك الخفة والاتباعية التي اتسم بها حكمكم على رواية ” آيات شيطانية” فبجرة قلم انمحى الرأي الآخر؛ واضمحلت المسافة النقدية وتعطلت كل آليات التحليل العلمي والتنويري وثم استبدالها بآليات العقل التقليداني التلفيقي التكفيري باسم أهل الحل والعقد وحماة الدين وشعور المسلمين من الإهانات…
.
لا أريد أن أحيي سجال قديما / جديدا عن رواية آيات شيطانية، التي أسالت الكثير من المداد كما أسالت العديد من الدماء…

 

أعتبر هذه القضية بكل ملابساتها هي سياسية بالدرجة الأولى وفكرية بالدرجة الثانية اغتنم منها رجال الدين المسيطرين على الحقل الديني ورأسماله الرمزي من الملاة الإيرانيين والهنديين والباكستانيين والدوائر السياسية البريطانية مغانم شتى…

لا يمكن أن نحكم على عمل روائي بأدوات برانية عن الحقل الأدبي وكذلك مفصولة عن العالم الروائي الذي أسسه هذا الروائي؛

بمعنى لا يمكن أن نستوعب آيات شيطانية بدون الرجوع إلى رواية ” أطفال منتصف الليل” لنفس الروائي مثلا…

فالعالم الروائي لسلمان رشدي الذي يعتبر أحد كبار الروائيين في القرن العشرين بشهادة ثلة من أعظم كتاب ونقاد الرواية

( *أنظر ميلان كونديرا في كتابه الوصايا الخدعة* )

هو عالم المهاجرين الهنود والباكستانيين في بريطانيا، إن سلمان رشدي في آيات شيطانية ونجيب محفوظ في أولاد حارتنا لم يقترفوا جناية *التجديف*
*Le Blaspheme*

أو هم يندرجون ببساطة في دعاة الحرية المطلقة ( بل هم انخرطوا في مشروع لا يقتحمه إلا الشجعان ؛ ألا وهو:

*Profanation*
أي دنيوية المقدس والمتعالي، هذا المقدس الذي كبّل عقولنا وسيج حتى أحلامنا،

فلا مقدس إلا كرامة الإنسان وحريته…

*# من الإغريق إلى العصر الوسيط :*
*الشك في ” الآلهة ” وفي “الحقيقة” **

ابتدأت المحاكمات بتهمة الإلحاد والكفر بالآلهة منذ القرن الخامس والسادس قبل ميلاد المسيح مستهدفة بالأساس تصفية الخصوم السياسيين أو على الأقل إبعادهم؛ خاصة المثقفين منهم سواء كانوا قريبين من السلطة أو معارضين لها. مثل ما حصل ل *أناكساغوراس* الذي رافع عن أطروحة مغايرة حول ولادة العالم ونظامه مبعدا كل دور أو تدخل للآلهة. تمت إدانته والحكم عليه بالمنفى الفوري وعائلته.

 

ثم المحاكمة الشهيرة *لسقراط* الذي تم عليه الحكم بالموت ظاهريا بتهمة إفساد أخلاق الشباب، لكن السبب الحقيقي هو دفاعه عن الحزب الأوليغارشي ضد الحزب الديمقراطي، بعد أن استجمع هذا الأخير قواه المنهكة في الحرب البيلوبونيسية التي نشبت بين أثينا وإسبرطة…
وبعد أربع سنوات من حكم الطغيان كان أفلاطون أول الضحايا…

ثم جاء الدور على *بروتاغوراس* أول فلاسفة السوفسطائيين وكانت كتبه من أول الكتب التي تم حرقها لأنها تدافع عن شكل من أشكال التحرر من الآلهة منافحة عن استقلالية الإنسان مصداقا للمقولة الشهيرة :

*” إن الإنسان مقياس كل شيء* .”

كما أن خطورتها تكمن في قراءتها علنا للعموم في الأسواق مبرزة أن الإنسان هو الذي يحدد الخير والشر وليس الطبيعة أو الآلهة التي لم يعد لها مكان..
قيم نسبية ترتكز على معرفة نسبية بعيدا عن الحقائق المطلقة واليقينيات..

كتابات تدافع عن الاختلاف والتنوع والتباين مثل تنوع المدن واختلاف السكان والعادات
يلعب فيها الإحساس دورا حاسما لأنه هو مصدر معرفتنا..

وكانت النتيجة، إدانة هذا الفيلسوف الكبير في تاريخ الإنسانية الذي اختار الرحيل عن أثينا قبل أن تقبض عليه السلطات التي قامت بجمع كل النسخ الموجودة من كتاباته وحرقها.. لكن هذا لم يمنع من انتشار أفكاره…

” *الموسوعة* ”
*في مواجهة الاستبداد السياسي والديني*

الموسوعة عمل الجبابرة؛ تم نشرها على مراحل من 1751 إلى 1772 ساهم في تحريرها المئات من المتعاونين تضمنت ما يربو ستين ألف مقال.

سرعان ما أثارت غضب الرقابة، وذلك بسبب التوجه الذي بدأ يبرز عند المسؤولين في تجميع ما أمكن من المعارف الإنسانية وفحصها فحصا نقديا.

اعتقد الجميع منذ إنطلاقة المشروع بأنه مجرد قاموس ناجح سيلقى إقبالا مثل الموسوعة الإنجليزية لصاحبها
*Ephraïm Chambers*
( *1680.1740* )

لكن الموسوعة بدأت تنتشر على نطاق واسع برئاسة
*Denis Diderot*
(1713. 1784)
الذي التحق بالهيأة المسؤولة ابتداء من سنة 1747 وهو الكاتب المعروف بتمرده وكتاباته النقدية الصادمة؛ فكتابه *خواطر فلسفية* 1746 أدانه البرلمان وحكم عليه بتدميره وإحراقه، لأنه مروق على الدين وهجوم على الأخلاق الحميدة.

وفي عام 1748 أصدر كتاب *الجواهر الطائشة* حيث يمزج بين الفلسفة والبذاءة لم يحسن من سمعته، وبعد سنة من ذلك أصدر رسالة حول العميان والتي قضى بسببها ثلاثة أشهر من السجن بتهمة الإلحاد….

كما أن حضور *Jean* *d’Alembert* المشهود له بتكوينه العلمي بجانب ديدرو عزز وقوى هذا المشروع الطموح. لكن الموسوعيون بتطلعهم الكبير أقلق وأزعج السلطات السياسية والدينية، فقد كانوا يهدفون إلى تغيير طريقة ونمط التفكير. وقد أدرك ديدرو جيدا أهمية مثل هذا العمل الضخم كوسيلة ناجعة في ذلك: فالمعارف بالنسبة له يجب أن لا تكون مراسيمية منتظمة حسب الأمر والرؤية المسيحية؛ وكما أكد فإن الإنسان هو مركز العالم، وليس الله، لذلك يجب أن يكون الإنسان هو محور الموسوعة.

وفي المقابل أدرك الخصوم باكرا أن هذا العمل هو تحد سافر ووقح للدين؛ قاموا بمنع بيعها لأول مرة سنة 1752 وقد صدرا منها فقط مجلدين. بينما المجلدات التالية ستصدر في أجواء ملبدة من التوجس والتوتر.

ابتداء من سنة 1757 تضاعفت الغارات واشتد الهجوم عندما أدان البرلمان الموسوعة سنة 1759 وتوقف الصدور خلال شهور. *فالامتياز* الذي سمح بالنشر تم إلغاؤه وإدرج العمل في القائمة السوداء…

فإذا كانت هذه المعركة المستعرة انتهت آخر المطاف بانتصار الموسوعيين وخروج عملهم كاملا إلى النور، فإن الفضل الكبير يرجع أساسا إلى المدير والمسؤول الأول عن الرقابة والذي يجيز المطبوعات وهنا تكمن المفارقة؛
فالقاضي
*Chrétien* *Guillaume de La moignon* *de* *Malesherbes*
(1721.1794)

متعاطف كبير ومنتصر لكل الأفكار الجديدة، وقد سبق له أن أنقذ المشروع بعد منعه أول مرة سنة 1752 بفضل تدخله استأنف إصدار الموسوعة.. كما أنه عندما يكون مرغما على مصادرة المسودات التي هي في حوزة ديدرو لم يتردد في كل مرة في إنذاره وتحذيره..! ووصل به الأمر أن يقوم هو بنفسه بإخفاء بعض المواد الخطيرة.!

ففي شهر شتنبر من عام 1759 تحايل على أمر بإلغاء الامتياز وسمح بإخراج ألواح المجلدات وأغمض عينيه عن طبعها سرا..!

إن هذا العمل العملاق الذي تحالفت عليه كل القوى والسلطات باعتباره خطرا على الدين والأخلاق والقيم وعدوا للمجتمع لم يكن يخرج إلى الوجود إلا بفضل المسؤول الملكي عن الرقابة.

 

*عبد الكريم وشاشا*

*المراجع*

# Joseph Anton*
*Une autobiographie*

# Le Point Hors-série
Livres interdits- une histoire de la censure
# *Les Testaments trahis* Milan Kundera

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات