كل عام و أنتم للملل مجتنبون ..

خالد بوخش

يبدو أن الإنسان لا يستهويه في الحياة إلا التغيير؛ حتى لو كان تغيير عدد؛ من 2022 إلى 2023؛ كما لو أنه مل و سئم من رؤية و اجترار العدد 2022 لمدة طويلة؛ و فقط لأنها تغيرت إلى 2023؛ دبت في روحه فرحة لا عقلانية و لو لليلة واحدة على الأقل؛ و لكن ما أن تمر الساعات الأولى من سنة 2023 حتى يتعود عليها و يملها هي الأخرى ؛

يبدو أن مشكلة الإنسان الحقيقية هي الملل؛ هي رؤية نفس الشيء و عيش نفس الأمور و الحوادث لمدة طويلة؛ ما دفع دوستويفسكي أن سمى ذاك الإنسان الذي يستقيظ ليعيش في نفس المكان مع نفس الأشخاص و بنفس التفاصيل بالمكافح؛ نعم؛ ما أفظع أن يعيش الإنسان بنفس الرتابة و الروتين لمدة طويلة من الزمن؛ يشعره ذلك بنقص في إنسانيته؛

إن الملل هو ذاك الداء غير المرئي الكامن الذي يفسد طعم الأشياء و ذوقها؛ إن الموزة التي تبهرنا عندما كنا أطفالا لم يتغير ذوقها و نحن كبار؛ إنه فقط الملل هو الذي أفسد ذوقها؛ لأننا تعودنا عليها فقط؛ و اسأل أطفال الأغنياء عن الموزة؛ ستجدهم أقل انبهارا بها بالمقارنة مع أطفال الفقراء؛ لأن الطفل الفقير لا يتحصل عليها إلا لماما و بمشقة؛ أما الطفل الغني فقد تعود على أكلها يوميا؛ فسئمها جراء الملل؛ و لهذا لم يكن دوستويفسكي مخطئا عندما عبر على أن الإنسان “يتعود كل شيء؛ يا له من حقير”.

إن الملل يفسد حتى العلاقات الإنسانية الحميمية؛ كم من شخص لا يعرف قيمة الوالدين حتى يفقدهما ! و لا يلمس قيمة صديقه حتى يهجره. أن تكون ممتنا دون ملل على طول الخط بوجود نعم كثيرة حواليك ؛ ليس ممنوحا إلا للحكماء و الأطفال و للنفوس النظيفة و العظيمة.

أن تكون ممتنا؛دون ملل؛ على الدوام بما لديك من مزايا و نعم هو من أسباب السعادة و الرضى؛ أما الاعتياد؛ بمعنى اعتبار كل ما لديك من نعم و مزايا عاديا؛ فهو من أسباب الشقاء و التذمر؛ فلنجعل إذن هذه السنة الجديدة ضد الاعتياد و الملل؛ ضد الملل من الاحباب و الآباء و الأبناء و الأجداد؛

لنكن ممتنين لكل ما يغمر حياتنا بالحياة؛ لنجعل كل يوم يوما فريدا و جديدا؛ نستشعر فيه قيمة كل نعمة كل ثانية؛ فقيمة الصحة أعظم من ملايير الدنيا كلها؛ ليس عبثا قول الأولين:” أن الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء؛ لا يراه إلا المرضى “.

كل عام و انتم بخير و صحة جيدة .