الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

قراءة في فكر الشهيد عمر بنجلون ( الجزء الأول)..

د. المحجوب حبيبــي

 

 

نحتفي بروح الشهيد عمر الذي فارقنا منذ 47 سنة عندما كنا في أمس الحاجة إليه قائدا ومعلما ومؤطرا…

عمر بنجلون “مفكر له جرأة خاصة على اقتحام ما كان يعتبر ثابتا ومنتهيا ومحسوما فيه… كانت له إمكانيات تواصلية فائقة قادرة على الاقتحام وتكسير الحواجز بحيث كان مقنعا ومفحما وحاضر البديهة بشكل نادر، فقد يشعرك أنك تعرفه ويعرفك منذ سنين عديدة، يقاسمك أفكاره بما فيها القضايا الخاصة والحاجيات والرغبات حتى تبدو لك كأنها مشتركة بينكما، ويجعلك على إطلاع بما يفكر فيه من قضايا حزبية وتنظيمية بشكل يجعلك معنيا ومسئولا…

 

عمر الإنسان:

الشهيد عمر كان من طينة القادة الذين ينظرون ويمارسون،  كان صلباً إلى حد التطرف فيما يتعلق بقضايا الوطن والمواطنين، قضايا الفقراء، قضايا العدالة الاجتماعية، وضد الشطط في استعمال السلطة، وانفراد النظام باتخاذ القرارات… وكان في علاقته مع المناضلين والمناضلات وعموم المواطنين متواضعا وبسيطا وإنسانا رائعا لدرجة أن خصومه كانوا يتهمونه بالشعبوية ، كانت له قدرة هائلة على التواصل وكان المناضلون حاضرون في ذاكرته يعرف حاجياتهم وأوضاعهم ويؤازرهم عند الحاجة… وكان جريئاً وشجاعا وفي نفس الآن متواضعا يحسن الاستماع إلى متحدثيه، كان يحب الحياة… ويسعد بكل ما يفرح بل كان رجل نكتة ومداعبة، حيث لا تفارق الابتسامة محياه …

وكانت التصفية الجسدية:

لقد بدا من خلال طريقة التصفية وسير عمليات التحقيق وما أحاط المحاكمة من ملابسات بما فيها سحب وثائق مهمة من ملف المحاكمة… وما تعرض له قبل ذلك من اعتقالات وأحكام وصلت حد إصدار حكم بالإعدام مرورا بالطرد الملغوم والتهديدات وصولا إلى تنفيذ التصفية كل ذلك يدل على أن عمر لم يكن المناضل المقبول استمرار وجوده وبقائه لأنه يمكن أن يفعل الكثير ويمكن أن يصبح صعب المنال لذلك كانت تصفيته وهذا ما اعترفت به الدولة من خلال تقرير فريق التحريات بهيئة الإنصاف والمصالحة مبينة “أن ثمّة قرائن قوية على أن المتورطين في اغتيال بنجلون لهم ارتباط بجهاز أمني سرّي، شكل أساسا لهذه المهمة، وأكدت الوثيقة أن مسؤولية الدولة المغربية عن هذه الجريمة ثابتة ومؤكدة.”

إن فكره الإستراتيجي وقدرته على التأثير جعلته مستهدفا من النظام بالتصفية الجسدية كما حدث للشهيد المهدي بنبركة…

 

في الفكر والممارسة السياسية: 

قد يلاحظ المتتبع لمسار الشهيد عمر بنجلون الفكري والنظري بجلاء ووضوح عدم ركون الرجل إلى المحفوظات النظرية والمقولات يكررها وكأنها آيات لا يمكن انتقادها أو ممنوع تأويلها أو مراجعتها أو كأنها محرمات لا يمكن المساس بها…! كان يتميز بقدرة كبير نادرة على قول رأيه وعلى المراجعة وإبراز الأسس والمنطلقات التي كانت دافعا للفكرة أو المقولة، وكان يتميز بالفهم الحصيف والتدقيق والتصحيح… الأمر الذي جعله يرفض الجمود والتحجر، وكان مؤمنا بالتطور والتغيير… كان يطبق الديالكتيك تطبيقا خلاقا ويكشف بواسطته العوامل الموضوعية والشروط التاريخية وأسباب المتغيرات والمستويات التي أدركتها القوات الاجتماعية المتصارعة وأشكال وميادين الصراع الممكنة اجتماعيا وسياسيا وإيديولوجيا. انطلاقا مما يتوفر عليه من معطيات وبيانات،  لأنه كان بنفس القدر من الفعالية قارئا ومتتبعا للواقع في أدق معطياته، وممارسا مقتدرا لليومي ولكن برؤية تستشف الآفاق… إنه قد أدرك ومنذ بداية السبعينيات وبخاصة بعد أحداث 3 مارس 73 أن الاتحاد الذي عاش الصراع ويعيشه ويشكل محوره والذي عرف منذ تأسيسه تغييرات جذرية من حيث قاعدته الاجتماعية، و تنظيماته، و اختياراته المذهبية، فإنه سيشكل باستمرار تجسيدا حيا للتطورات التي طرأت على المجتمع المغربي، و على طموحات الجماهير الشعبية من عمال، و فلاحين، و حرفيين، و مثقفين. وإذا كانت هناك تناقضات مازال الاتحاد يحملها في صفوفه، فهو كحركة تاريخية غير مختلقة ولا صنيعة يحفل بما في الواقع من تناقض واختلاف، ومن خلال البرنامج الذي يحدده في النقط التالية يبرز رؤية الإتحاد للمرحلة:

 

1- إرادة تصفية الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشبه الاستعمارية التي أطلق عليها لقب “التخلف” وأطلق عليها في مناسبات أخرى بنيات التبعية، ونتاج أوضاع الاستغلال والقهر…

2- الوعي بأن تصفية هذه الهياكل لا يمكن أن تتم إلا بالحل الاشتراكي المطبق يقول بالاعتماد على الجماهير، وبالتصميم الاشتراكي… ويقول في مرات أخرى باعتماد البناء الديمقراطي مع ما يقتضيه من مؤسسات شعبية منتخبة انتخابا حرا ونزيها تحدد الاختيارات، وتسهر على تنفيذها بتعبئة الجماهير، وبجهاز دولة خاضع لإرادة الجماهير على المستوى المحلي، والجهوي، والوطني. وهو في كل الأحوال كان يقصد على ما اعتقد برنامجا انتقاليا لتحقيق الدولة الديمقراطية بمحتوى اجتماعي كمرحلة أولى على طريق الاشتراكية…

3- وكان يعتبر أن ذلك الوعي لا يمكن أن يتبلور في شكل إرادة جماعية إلا بالممارسة التنظيمية الحزبية الفعالة، القادرة على تعبئة الجماهير، والتي تعيش وتنمو بممارسة مبدأ المركزية الديمقراطية.

4 -وحذر المناضلين من المواقف والبرامج والشعارات المبنية على التحليل المجرد أو الترسيمات والخطاطات الجاهزة.

5 – وحذر من خطورة السقوط في السياسيات التي تحاول التكيف مع التغيرات العابرة., أو الشعارات التي يرفعها النظام بغاية التضليل وإسقاط الحركات المناضلة في الانتظاري ومن خلالها تضليل الجماهير أو السقوط في التوقعات الناجمة عن إعراب النظام عن نوايا معينة لأنها كلها نماذج من سياسات التضليل المعروفة والمجربة، و) التضليل من أخطر أنواع القمع (

6 -وكان يستهجن النماذج الفكرية المستنسخة من تجارب معينة بعيدا عن تحليل الواقع الملموس تحليلا ملموسا، لأن تلك النماذج تحدث تشوشا وخلطا لدى المناضلين، قد يكون راجعا في الأصل إلى انعدام المعرفة والخلل في اعتماد المنهج العلمي وما يتطلبه من أدوات ومعايير ومقاييس،

7 -ويعيب على القوى السياسية التي تكتفي في ممارستها للصراع السياسي بالبلاغات والتجمعات الإخبارية، والاكتفاء بالشعارات الدعائية على المستوى الجماهيري… عوض انخراطها في النضال الديمقراطي بكل آلياته ووسائله والتقاط لحظاته…

8 -وفي تناوله للمقولات والمفاهيم التي تطلق على عواهنها وتصبح أداة عرقلة وخلط ميز غير ما مرة بين الشعارات والمقولات ك:)ديكتاتورية البروليتاريا (فقد قدم تصورا فكريا يتطلب التمييز بين المقولة والواقع، بين المقولة في بعدها الشعاراتي في مرحلة تاريخية معينة وواقع مغاير… وما إمكانية تجسيدها في واقع متخلف يتطلب تحولات عميقة ومسار من الارتقاءات والتطورات لكي تدرك الطبقة العاملة وعيها بذاتها. عندئذ تطابق المقولة الواقع الموضوعي وتكتسب) دكتاتورية البروليتاريا (معناها بدلالة) الديمقراطية الشعبية (حيث لا تستحيل المقولة أداة تعجيز وإحباط…

وانطلاقا من الاجتهاد الفكري والإعداد النظري كان قد بنى إستراتيجية متكاملة يشكل فيها الإعلام الجماهيري والتنظيم الحزبي وتكوين الإطارات والتربية والتعليم والتنظيمات الجماهيرية النقابية قاعدة ومنطلقا للممارسة السياسية في التحرير، استكمال تحرير التراب الوطني والنضال الديمقراطي، لأجل ديمقراطية حقيقية وعلى طريق البناء الاشتراكي) تحرير، ديمقراطية واشتراكية (ويمكن إبراز مسارات هذه الإستراتيجية من خلال المكونات التالية:

 

في الإعلام الحزبي:

كان الشهيد عمر يعي تماما أهمية الإخبار والتواصل والتوعية وما قد تلعبه جريدة مبدئية إخبارية وفكرية وثقافية متنوعة… في التأطير والتعبئة والتكوين… علما أنه كان قد تقلد إدارة ” المحرر” في سنة 1972 وبعد توقفها لأزيد من سنتين. كان أهم ما استأنف به نضاله بعد الاعتقال هو إعادة صدور” المحرر” التي جعل منها منبرا مناضلا أسبوعية ثم يومية وطنية منذ 23 نونبر1974. إذ أنه في مسألة الإعلام لم يكن متساهلا أو يترك مجالا للفراغ، فقد أنشأ بعد توقف جريدة التحرير صحيفة” فلسطين” في أواخر الستينات التي كان يرأسها وكان المرحوم الوديع الأسفي مدير تحريرها. وقد تمكن الشهيد عمر بنجلون من أن يوفر للجماهير الكادحة ولحركة التحرير الشعبية وللطبقة العاملة ناطقا يوميا باسمها وهي جريدة ” المحرر” وذلك بإمكانيات محدودة … وأيضا بفضل طاقته وقدرته الخارقة على العمل المتواصل والدؤوب وبفضل تضحية ثلة من المناضلين إلى جانبه.

 

في التنظيم الحزبي:

في معرض توضيحه لمجموعة من المناضلين كانت مدعوة للقاء تكويني ذكر الشهيد بأهمية مدرسة الإطارات الحزبية وما يمكن أن تلعبه هذه الكوادر من أدوار قيادية في الحركات الثورية وأساسا في تحقيق الأهداف وانجاز المهمات، مبينا أن نجاح الحركة الثورية في تحقيق مهماتها لا يتوقف على امتلاكها للنظرية الثورية وبرامج العمل الواضحة فحسب، وإنما بامتلاكها الإطارات، التي ينبغي أن تتصف ب:

ـ القدوة في الممارسة.

ـ الوعي والدقة في التفكير والقدرة على الإبداع…

ـ الشمولية في التنظيم. معناه حسن الاستماع لنبض الجماهير والوعي السياسي واستيعاب المبادئ والاختيارات الحزبية والمتطلبات النقابية…

ـ امتلاك الشخصية القيادية الملتزمة بالقواعد والمسلكيات الثورية في المجالات المختلفة،

تستطيع أن تقود وتراقب تنفيذ برامج العمل بجدارة.

وان تكون مسلكية الإطارات ذات مميزات مستندة على المعرفة بقواعد التنظيم ومتطلباته وليس على الترسيمات والمحفوظات…

ورغم أنه وضع لتلك القواعد التنظيمية ما يُعرف بها والمتمثل في “المذكرة التنظيمية” فقد كان يعتبرها أرضية للنقاش ولتقريب مفهوم التنظيم الثوري للأذهان وليست قانونا داخليا ينبغي التقيد به حرفيا وإنما الضرورة تقتضي أخذ معطيات الواقع الملموس بعين الاعتبار عند أي ممارسة تنظيمية…

وتلك كانت الأهداف والمواصفات التي ينبغي أن تعمل على تحقيقها مدرسة تكوين الإطارات.

 

في التربية والتعليم:

لقد لاحظ بتمعن حقيقة ما تعيشه التربية والتعليم في واقعنا من مشكلات فخصها بالعديد من المقالات والافتتاحيات على جريدة المحرر، واعتبر التربية مجالا للصراع لأجل سياسة تعليمية تلبي حاجيات الشعب في التحرر والتقدم وتنمية قدرات الإنسان وتثقيفه وضد تربية استعبادية تخلق الإنسان الخانع الخاضع والمسيطر عليه والقابل لعبوديته، وكانت تصوراته سواء على مستوى اللجنة النقابية أو في قيادته للقطاع التعليمي الحزبي أن نتوفر على المربي العضوي الواعي والمرتبط بالقضايا الملحة للشعب المغربي في تطوره وتقدمه وخروجه من أسر التخلف… كان يرى ضرورة أن تكون المدرسة في مقدمة الصراع الفكري بما توفره للمتعلمين من إمكانيات لشحذ قدراتهم العقلية باعتياد النقد وممارسة التفكير في جو من الحرية وكان مطلبه أن يكون الملف التعليمي التربوي والسياسة التعليمية التربوية في مقدمة مشاغل النضال النقابي.

 

يتبع…

 

 

تحية الوفاء لروح الشهيد وعمر…

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات