الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

صفحات من رواية

رائحة شحم معتّق*

Une Odeur de Mantèque

 

 

لمحمّد خير الدّين

 

ترجمة: مبارك وساط

 

 

 

 

* في بعض القرى المغربية، في الماضي بشكل خاصّ، كان من المألوف تمليحُ الشّحم وتعريضُه لِحَرّ الشّمس لفترة، ثُمّ إيداعُه وعاءّ طينيّاً، وتركه يَتعتّق فيه. بعدها، يُستعمل في المطبخ كبديل للزيت. وهذه الطريقة في الطبخ وُجِدتْ أيضاً في الجنوب المغربي، حيثُ وُلِد وترعرع م. خير الدّين (1941-1995).

 

 

ـــــــــــــــــــ

 

 

«لنجلسْ، قال، لنجلس ولْنَر جيداً! أيتها المِرآة، استمعي إليّ، تكرّمي على الأقل بأنْ تُعيري أذناً صاغية لهذا الوغد الذي هو أنا. أتدرين كيف حصلتُ عليك؟ لا! ما عُدتِ تتذكّرين ذلك. غيرُ مهمّ. لقد سرقتكِ قبل خمسين سنة من بائع جوّال، كان يُعلّق على ظهره سلّة كبيرة تحتوي أشياء من كل صنف: بهارات، كُحل، بيضُ نعام، حَرابيّ مُنشّفة، تمائم، ولُعب أطفال. وأشياء أخرى كثيرة نسيتهاعَكستْ له المرآة طيفاً بعيداً، غريباً نوعاً ما. «آه! نعم، هذا ما كان فعلاً. كان يبيع أيضاً أقلاماً من قصب، عقودَ مرجان وكلَّ أصناف البخور، بما فيها أحجار كانت تُحرَق في المجامر لطرد الجنّإذْ نطق بهذه الكلمة الأخيرة، نطّت المرآة من يده، وسقطت أرضاً، لكنَّها لم تنكسر.

 

اهتزّ الشيخ وآلَمَ حَقويه، ونظر إلى المرآة قبل أن يلتقطها، ثمّ قال: «حقّاً، تَبْدين كالمسكونة! هل رأى أحد قطّ مرآة مسكونة؟ أبداً! أبداً! إلا إذا كنتِما دمتُ سرقتكلا ترغبين بعدُ في البقاء معي؟». وبدأ في البكاء. بل كان ينشج أيضاً، للحظات طويلة. كانت قرويات عابرات يختلسن إليه النظر وبعضهنّ يشرن إليه بالأصابع. كانت الشمس قد ارتفعت كثيراً. كانت تُلهب السماء والأرضفالحقول كالمشتعلة وَلَها ومض رهيب. قاتل، هذا ما كانه هو. لماذا قتلَ إذن ذلك البائع الجوّال من أجل أن يسرقه؟ كان يمكنه أن يشتري منه هذه المرآة التّعسة، أليس كذلك؟ فقد كان لديه مال كافٍ لذلك. كان غنيّاً جدّاً في تلك الأيام. كلّا، لم يكن وارداً أن يشتريَها بثمن ما. فقد أكّد له فقيه أنّ المرآة كانت مسحورة، ولا ينبغي دفع قطع نقدية مقابلها، بل تجب سرقتُها بكل بساطة، وإلّا فلن تبقى لها أيّة قيمة، ويضيع منها جوهرها.

 

 «إذن، فقد سرقتُها، سرقتها وقتلتُ البائع». كان البائع سيُبَلّغ عنه، أليس كذلك؟ بل ربّما كان قتله. لم يكن السوق يخلو من أشدّاء بلا ضمير، من قتلة يُؤْجَرون ومن قُطّاع طرق وما شابه. بالتأكيد، ما كان البائع ليتركه ينجو، وهو يُدرك أن البائع كان قادراً على ذبح أبيه وأمه من أجل قطعة خبز. ثم، ما همّ! بائع زائد أو بائع ناقص! قال في نفسه. استعملَ خنجراً طويلاً من صنع أمازيغي. كان قد ورثه عن أحد أسلافه. لم يعد يدري من هو. كان أسلافه من الكثرة بحيث لم يكن وارداً أن يُحصيَهم. ارتعشت المرآة، التي كانت ما تزال على الأرض. ورأى فيها الحركة التي قام بها لقتل البائع، والسّلةَ وهي تسقط، مهتزّة بمفعول تشنّجات الضّحية، فيما كانت تتناثر منها محتوياتها بكاملها على الثرى. لم يكن هنالك حاضرون، لحسن الحظّ. كانت الساعة الثانيةَ عشرة لحظتَها. كان الناس قد جلسوا إلى موائد الطعام في أنْـزالٍ جُدرانُها ضاربة إلى الحُمرة، أما الآخرون من أمثاله، اللصوصُ والقتلة، فما كانوا حتى ليتوقفوا فيزعجوه. لقد كانوا يُكنّون كراهية عمياء للباعة، وحتى لشديدي الفقر منهم. لكن لم يكنْ هنالك أحد حين أقدم، بلا تردّد، على جريمته. ولذا فإنه سَطا، بالإضافة إلى المرآة، على بعض الأشياء الصغيرة التي باعها بأرخص الأثمان بعد ذلك بساعتين. « ما أبعد كلّ هذا ! ما أبعده في الزّمن. لنكفّ عن الحديث عنه. أو فلنقم بمحوه نهائيّاً ». اِنْحنَى ليلتقط المرآة، لكنّها قاومته. فوقف وبدأ يهوي عليها بضربات من قدمه، بُغية تكسيرها وتَشظِيتها. كان في حالة هياج رهيب، كان آلة جهنمية فعلية. ولم تتحطّم المرآة، بل لم تطلْها أيٌّ من دهساته. «إنها تُقاومني، تواجهني، سليلةُ الجنّوإذ نطق بهذه الكلمة الأخيرة، أصابته، بسرعة البرق، لكمةٌ زعزعته وجعلته يسقط على ظهره، ذاهلاًحين وقف على قدميه، رأى أنّ ما كان مرآة قد أصبح عموداً من نار أطول منه هو وأضخم. تملّكه الخوف وأراد أن يفرّ. لكنّ يداً قبضتْ عليه وخضّته بشدّة كما لو كان شجرةً ضامرةً، مُطقطِقة. «سنذهب بك، زمجر أحدهم. سنُريك ما لن تنساه بِيُسر، أيّها اللص القَذِر!». فجأةً، رُفِع من على الأرض. وغُشِيَ عليه.

 

***

 

 حين استيقظ، وجد نفسه في قاعةٍ سقفُها يطال السّماء، جالساً على مصطبة من غَرانيت بدا أنه منغرسٌ فيها. أراد أنْ يُقْدم على حركةِ، أن يتنشّق أو يفرك جفونه، لكنْ لم يكن هنالك أي ردّ فعل يستجيب لرغباته الشعوريّة. كانت تسجنه قوة لم يعهدها من قبل. هل كان في الجنّة أم في جهنّم؟ لم يكن يدري شيئاً. مع هذا، فقد كان صافي الذّهن. بل كان يتذكّر اللحظة التي اقتُلِعَ فيها من الأرض، مثلما نبتة شوكيّة أو حبّة طماطم. ثمّ حاول أن يقوم بحركة أخيرة، لكنه أخفق كلّيةً. بقي منغرساً في الحجر أربعاً وعشرين ساعة، بلا أكل ولا شُرب. «ها قد مرّ وقت طويل لم يذقْ خلاله الشيخ طعاماً، ولم يُصَب بعد بمغص في البطن، قال في نفسه، وقتٌ طويل لم تشربْ خلاله يا عزيزي. هذا كثير. لكن ما الذي تشربه في العادة، قُلْ؟ ماءً؟ هاهاها! إنّه حليب حِمارة، حليب حِمارة هو ما تشرب، يا صديقي، ولا شيء غيره!». فوق رأسِه، كانت وطاويط عملاقة تُصدر حَفحفةً، لكنّه لم يكن يراها. كان يسمع فحسب الأصوات الفظّة لأجنحتها. خلفه، علتْ زمجرة جعلت القاعة ترتعش. أمامه، هَوت وانفرطتْ سحابةُ كربون، سوداء ونتنة. وإذ كان لا يستطيع الحركة، فإنه لم يقم بشيء. نظر إلى تلك الكتلة الشنيعة دون أن يشعر حتى بالرهبة. « لا يستطيع قاتل أن يستشعر الخوف أو الإيمان، فكّر هو ». كانتْ مِزَق السّحابة تتمزّع ببطء، فتنشأ من مِزَعها كائنات صغيرة الحجم تقفز وتتداخل بعنف، مُطْلقةً في هذا المشهد المُريب أصواتاً خافتة كان صداها البعيد يزداد ارتفاعاً بشكل تصاعديّ ويتكسّر على وسط مصطبة الغَرانيت منقسِماً إلى خناجر كثيرة كان أيُّ جسدٍ عادِيِّ التكوين سيُحِسّ أنها تبعث فيه إحساساً بالعذاب.

 

  « كلّ هذا مُجَرَّدُ حُلم، قال الشيخ لنفسِه. » وحاول أن يصيح، لكنْ ما من صوت خرج من فمه. وإذ كان بمستطاعه أن ينظر إلى أسفل، فقد رأى هيئة شنيعة تتلوّى قرب قدميه. علجوم ما، لَزج، تنتشر الدمامل على جلده الذي يَعجّ بقَمْل أحمر وأخضر. وأدرك فوراً أن العلجوم كان الكلمةَ التي أراد أن يقولها بصوتِ جَهوريّ ليُبعِد ذُرّية السّحابة التي أصبحت الآن على بُعد خُطىً منه. وقد ركّز بسرعة وأعطى أمراً للعلجوم بأن يرجع إلى دمه. لكن الدّويبة لم تتحرّك. لحظتها انبثقت أمامه صورة عابرة : لقد رأى العلجومَ يتوجه نحو الحشرات، بأناة شديدة، نافثاً ومُسيلاً من فمه بَلْغَماً لاهباً. ولَكَم استغرب حين أبصر، إذ نظر إلى أسفل، العلجوم وهو يتمايل على قوائمه متجهاً صوبَ الكائنات الصَّغيرة. «يقيناً! إنّه فكري الذي يُوَجّهه، قال في نفسهكان العلجوم يَريل ويبصق مرافقاً ذلك بصفير محتدم. كانت الكائنات القميئة تفرّ أمامه في غير انتظام، والأكثر جرأة من بينها كانت تقفز إلى ظهره بهدف النفاذ إلى جسمه من أجل تخريبه، لكنّها سرعان ما كانت تسقط أرضاً وقد احترقتْ وصارتْ رماداً. حينها، بدأ الشيخ يتحرّك. شَعَر بمفاصله وعضلاته وهي تطقطق. أحسّ بالألم، ورَغِب مرّةً أُخرى في أن يَصرخ، في أن ينهض، لكنْ هَيهات. سقطتْ من فمه المُزْبِد علاجيمُ أُخرى بشعة. رآها وهي تمضي، مثلما العلجوم الأوّل، لِتَدْهَم الدُّويبات الصغيرة. كانت هذه الأخيرة قد رصّت صفوفها، بل وشكّلت دوائر حول العلجوم الأول، أو حول فكرتي الأولى، قال في نفسِه. كانت الآن تُلَوّح بأسلحة، فِعلاً، ببنادق ومشاعل كبريتية كنّ يجعلنها تدلق لهيبها على العلاجيم التي كانت مرتزقتَه هو. كان الّنزال على أَشَدّه، رهيباً أكثر من منحدرات جبال بلده، الوعرة، شبه الشّاقولية، ذات الأحجار المُسَنّنة القاطعة: «آه ! بلدي! لو أمكنني أن أجد نفسي فيه في غَمضة عين». كانت كثير من تلك الكائنات الصّغيرة تُشَكِّل الآن سحابة رماديّة في وسط ساحة المعركة. وكانت العلاجيم تُقاتل بضراوة. بعضها جُرِح وسال منه الدّم وفاحت نتانته وانتشرتْ في الجوّ، لكنَّه هو كان يجد لتلك الرائحة أريجَ عطور جزيرة العرب. والأكثر بسالة مِنْ بين العلاجيم كنّ يَسحقن ويُحرقن ما يجدنه في طريقهنّ. كانت السّحابة تنتفخ مثلما قِربة. ثمّ ارتفعتْ، وعلتْ واختفتْ. على البلاط، لم يكن هنالك شيء، لا دم، ولا علاجيم. نهض الشيخ، خَضّ جسده قليلاً. رأى على الأرض حُطامَ المِرآة، فجمعه بأناة وجعله وسط منديل قديم لفّه فيه. وفوراً أدرك ماذا سيفعل.

 

****

 

 كان الشيخ المُسِنّ يمشي صوب الجبل، وعلى ظهره صُرّة. وكلما بدا له أنه يدنو من مقصده، كان الجبل يبتعد. «كان عليّ أن أجلب معي الأتان. على أيّ، أنا متعوّدلكنّ الجبل كان يَتفلَّت منه باستمرار، فآناً يكون في مكان وآونة يصبح في مكان أبعد. بل إنَّه، في بعض الأحيان، كان يختفي بكل بساطة. لقد مرّ نصف يوم منذ أن غادر القرية. ولم يكن يتقدّم البتّة. حتّى لكأنّه يزحف. لا، لم يكن يزحف، كان يمشي فعلاً على قدميه؛ والأحجار التي ترطمها قدماه كانت تتدحرج في كلّ الجهات، مستثيرةً من حولها غباراً ثخيناً. إذا كان الجبل ينطمس من حين لآخر، فذلك لأنّ بصره لم يعد ثاقباً، أو إنّه، على أيّ حال، قد فقد من الحِدّة التي كانت له في ما مضى. «في ما مضى! في ما مضى، كنتُ شابّاً مِقداماً، سريعَ الحركة، صاعقاً، ها ها ها ! قتلتُ ضِباعاً بَشَرِيّة وغيرَها! بل إني قاتلت ذاتَ حرب. أيُّ حرب كانت، يا للشيطان! أيُّ حرب؟ لم أعد أتذكّر. ليس ذلك مهمّاً. دعنا من كُـلّ هذا! »

 

 لم يكن يتوقف قط ليستجمع أنفاسه، كان يستمرّ في المشي، لا ينهج، ويتوخى فحسب الوصول إلى التلال المحاذية للجبل. هذا الجبل، كان يعرفه جيّداً. كانت جدته تصطحبه إليه لقطف الزعتر وأعشاب أخرى لم يكن يعرف أسماءها. بل إنه هام في أرجائه، ذات ليلة، ليطارد بنات آوى وأرانب. كان لديه وقتها بندقيّة صغيرة جميلة حصل عليها كالعادةبالسّرقة. لكنْ لِمَ كان الجبل يبتعد الآن؟ هل كان بعدُ هو نفسه؟ وهو، أكان ما يزال من هذا العالَم؟ ألم يكن قد مات، ويسترجع الآن أشياء طُمِرتْ منذ وقت طويل، مهروسةً من قِبَل ذاكرته؟ كان يطرح على نفسه هذه الأسئلة وأخرى كثيرة، لكنّه لم يكن يُنكر، وإنْ على شيء من المَضض، بأنه كان ما يزال فوق الأرض التي ذرعها أبواه وأصدقاؤه القلائل وكثيرون غيرهم، والتي عاشوا فيها الحُبّ، وقَتلوا فوقها وصَرخوا، على هاته الكرة التي كان يعرفها قليلاً ومن أجلها كان قد قاتل في ليبيا وأوروبا. لم تكن الأرض هنا غَضراء، بل هي جافّةٌ يَبَسٌ. شُجيرات في كلّ مكان تقريباً، نباتات شائكة عملاقة، والكثير من الزّيزان، بل جحافلُ منها. لِحُسن الحظّ أنه كان يقذفها من حين لآخر بحفنة من الأحجار الصغيرةوقتها، فحسب، كانت تَصمت. ربّما كان الخوف يستبدّ بها، مثله هو، أليس كذلك، مثلك أنت، أيها الوغد! في السّماء، ما من غيمة، ما من هبّة ريح أيضاً. نُسور، نعم، هنا وهناك كانت نُسور تدور حول رأسه في دوائرَ مشتركة المركز. أكانت تريد أن تهوي على عمامته لتُقَطّعها مِزَقاً وتثقب جمجمته أَم ماذا؟ «كلّا، كلّا، لا بدّ أنها تبحث عن ثعابين، فكّر هو. » ثعابين، هذا ما تأكله النسوروإلّا فبعض اللبونات الصّغيرة. ما من سنجاب في ذاك المكان، هنالك الزّيزان فحسب، أو بالأحرى أصواتُها، وليستْ حتّى مُنَغّمة، يا للصَّخَب. ألا تكون هذه أصداء أصواتِ الجحيم؟ ألم يكن قد أخطأ الطّريق؟ « لا، لا، لنستمرّ في السّير، فالقرية بعيدة الآن، ثمّبالنظر إلى ما أُساويه هنالكللاحترام القليل الذي يُبدونه ليأُوفْ! إذا جاءك الخير من الشيطان، فاقبَله يا هذا! ليس هنالك ما تخافه. على أي حال، فالآخرون يعتبرونك تِيساً مُسنّاً خَرِفاً. إذن، اغْنَم ما في متناولك في الحاضر. تزوَّدْ، يا رجل، تزود بوفرةفجأةً، ظهر له الجبل. رأى في البدء صخرة عظيمة، ثم رفع عينيه فبدا له ما يشبه القمّة، وبالطبع فهو لم يستطع تمييزَها جيِّداً. وإذْ كانت هنالك أمكنة بِها ظِلّ، فقد أباح لنفسه التّوقف لبضع لحظات. فجلس وأخرج من صُرّته خبزةً كانتْ قد يبست وانكمشتً، وقربةً صغيرة مليئة بحليب أتان، فشرب وأكل. «كان عليّ أن أجلب معي الأتان، كرّر لنفسِه، فما معي من حليب يُوشِك أن ينفَد. لكن ما هَمّ، ما دامت الرّحلة تقترب من نهايتها» وقف وتمطّى ومضى في طريقه من جَديد. كانت الطريق الآن صاعدةً. لقد صارت متعرّجة ووعرة، تتخللها هنا وهناك صخور ناتئة رُؤوسُها دقيقة كالأسِنّة. لم يكن الرجل المُسِنّ يأبه بذلك، فقد كان يعرف المكان جيّداً. لقد مرّ من هنا مرّات ومرّات، لكنه لم يسبق أن رأى في هذه الأمكنة أحداً. فالناس يُفَضّلون، للذهاب إلى السّوق، أن يسلكوا طُرقاً أوسع لا خوف فيها على الحمير والبغال. لكنّ حمارته هو، العجفاء العجوز، كانت تَبُزّ ما عداها. يا حِمارتي العزيزة، قيمتك أكبر من أطنان اللحوم التي يُمكنهم أن يُقَدّموها لِحشد كبير من الجَوعى! ها ها ها! كان المضْيق الجبلي قد بدأ ينطمس. شيئاً فشيئاً، كان يُصبح مهوىً شديد الانحدار، ثم هاويةً. ومع ذلك كان الرجل المُسِن يُتابع سيره. فقد مرّ يومان وذلك الأمر يعتمل في ذهنه. كان يجب أن يُقابل ذلك الفقيه السّاحر، ذلك الإمّعة الشائخ الذي لم يكن يعيش إلّا في كتبه. «نعم، سأتوصّل إلى ذلك، سأصل إلى السّوق، بالتّأكيد. قسماً بالجِنّ أجمعين، سأ…» تحرّكت الأرض، واختفى الجبل من جديد. أمامه، كانت هنالك علاجيم، علاجيم حمراء لاهثة. لقد تكلّلتْ رحلتُه بالفشل. «سأُعيد الكرّة، قال في نفسه».

 

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات