الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

صحافة جيليت Gillette

مقال للكاتب والصحافي الإسباني خابير فالنسويلا ( ترجمة: سعيد الشعيري)

 

لست ذا نزعة نقابوية في منظوري للصحافة. أعتقد أن هناك صحافيين ممتازين، جيدين، أكفاء، متوسطين، سيئين وكارثيين.. وأعتقد أيضا أن هناك منهم الشرفاء والغشاشين.

لا يفوتني بطبيعة الحال أن وسائل الإعلام الخاصة لها أصحابها الذين يمررون عبرها أيديولوجياتهم ومصالحهم.

ويبدو لي أن كليهما وسائل إعلام وصحافة يجب نقدها كأي فاعل مؤثر على الساحة العمومية.

أمارس الصحافة أكثر من أربعين سنة، وهذا لا يقودني إلى المبالغة والتهويل حين يتم إدانة سلوك مشين صادر من زميل أو وسط إعلامي..

إن حرية التعبير ليست ملكية لهيئة مهنية بعينها.. إنها لجميع المواطنين. وحتى حرية الصحافة ليست احتكارا للصحافيين.. نحن فقط نجعل منها نمطا ناجعا وشريفا لكسب القوت.

ومع ذلك؛ تجدني مناضلا حين يتم اعتقال، احتجاز، قتل أو طرد صحافي يحاول إتمام مهمته الاجتماعية الرئيسية: كشف النقاب عن معلومات مهمة متعلقة بصاحب نفوذ وسلطة يريد إخفاءها تحت البساط، أو حين تفرض رقابة على هذا النوع من المعلومات من طرف شركة، بنك، قاض، حكومة أو حتى هيئة إعلامية يشتغل لحسابها الزميل. أعتبره اعتداء على مهنتي وعلى عموم المواطنين لتركهم في مغبة الجهل حتى لا يكوّنوا آراء عنه علم ومعرفة.

كانت هناك في إسبانيا صحافة جيدة في المنتصف الثاني من السبعينيات وخلال الثمانينيات؛ لكن في العقد الأخير من القرن العشرين بدأت الأمور تتدهور هنا وفي جميع الجهات.. وسائل الإعلام المستقلة الصغيرة الحجم تركت المجال للمجموعات الاقتصادية الكبرى، التي تبحث عن تضخيم الأرباح.

إن فرض النزعة التجارية أعطت الأولوية للأخبار المركزة على الإثارة والأمور التي لا تزعج الأغلبية. يمكن تصور هذا المشهد، الذي أتانا من الولايات المتحدة الأمريكية مثل أشياء أخرى جيدة أو سيئة تأتينا من هناك..

في هذا المنحى، تَحدّثَ بطريقة مشوقة الكاتب الصحفي الكبير مارتان كاباروس.. وفي مقال منشور في إسبانيا من طرف CTXT، يشرح فيه لماذا تخلى عن التعاون مع جريدة “نيويورك تايمز”. كتب الزميل الأرجنتيني:

كل مرة يحزنني أكثر التأثير الذي وصل إليه في بلداننا هذا النوع من الصحافة: أنيقة، معقمة واثقة وراضية عن نفسها وأيضا حليقة جدا لدرجة يمكن تسميتها بصحافة جيليت Gillette.

وسائل الإعلام المستقلة الصغيرة الحجم تركت المجال للمجموعات الاقتصادية الكبرى التي تبحث عن تضخيم الأرباح وفرض النزعة التجارية أعطت الأولوية للأخبار المركزة على الإثارة. هذه هي الصحافة التي تصل إلى مزاعم التفوق الأخلاقي بعد طرح سؤال لشخصين أو ثلاثة.. ويتم تحريكهم مع استعمال كلمة مصدر. بصفة عامة، يكتبون كما أنهم يشعرون بالملل.

– معذرة سيدتي روزمبرغ. ما رأيكم في السيد هتلر؟

– عفوا السيد هتلر. وما رأيكم في السيدة ROSEMBERG؟

طبعا! لقد تم غرس فكرة للأجيال الجديدة من الصحافيين مفادها إذا قال لك أحد إنها تمطر والآخر قال لا تمطر، فمهمتك تكمن في أن تكون ناطقا للروايتين، ولا تفتح النافذة وتخرج يدك لتتأكد أنها تمطر..

هذا ما تمارسه حاليا التلفزة الإسبانية TVE، كما أبرزها خابيير أولمو، وسماها خطا متساوي البعد وجبنا وتكاسلا يفضل دائما الأفاقين على الصادقين، الجلادين على الضحايا، وهتلر على السيدة روزمبرغ.

بالنسبة للصحافيين، كالمعلم ألبير كامو، نرفض ذاك الخط ونحاول الالتزام مع حقيقة الضحايا محكومين في كل مكان كنشطاء يساريين مشبوهين وأفراد حاملي إيديولوجية ما. كما كتب مارتن كاباروس أن وسائل الإعلام المهيمنة وصحافتها “تفترض أن ما تنشره ليس بإيديولوجية: الدفاع عن اقتصاد السوق، الملكية الفردية وتفويض السلطة ليس بذلك. إنها استماتة في الدفاع عن الحقيقة.. عن الحرية والديمقراطية. كل هذا لا يمكن التشكيك فيه”.

صحافة GILLETTE جيليت، يشير أيضا مارتن كاباروس، تسمح فقط بجرأة واحدة. ضرب السياسيين خصوصا الفاسدين منهم. شيء من هذا القبيل لا يتطلب شجاعة لضرب المالكين الحقيقيين للكون. خلاف ما يعتقده العديد من الناس أن السياسيين هم أرباب الجوقة الإعلامية، لا في الولايات المتحدة ولا في إسبانيا، ذكّرنا بها لويس غارسيا مونتيرو الأحد الماضي.

صعب على وسائل الإعلام التقليدية الحفاظ على الاستقلالية لأنها تنتمي لمجموعات كبرى للاستثمار أو لأبناك (…)، لنكن أكثر وضوحا، إن الأمر لا يتعلق بمحاولة السياسيين التأثير في الصحافة، ليس السياسيين من يتحكمون في الصحافة. إن القسط الأوفر منها خاضع للثروات الكبرى التي تستعملها لنشر القرارات السياسية لصالحها.

الصحافة ليست شبيهة بوسائل الإعلام الكبرى وشركاتها المالكة. الصحافة تستمر حية جدا في القرن الواحد والعشرين. يؤكده أيضا مارتن كاباروس في مقاله عن وسائل الإعلام الكبرى تخلط بين أزمتها مع الصحافة: “لا شيء أكثر تضليلا في عدة أمكنة وبعدة أشكال من ممارسة الصحافة بشكل جيد وغالبا لا ينشر في كبريات الصحف. لهذا ترك الزميل الأرجنتيني نيويورك تايمز.. واختار وسائل إعلام صغيرة لضمان استقلاليته وفيها يمكن أن يفكر وينشر ما يريد”.

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات