الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

حول اليسار

و”المستقبل المشترك”

 

قراءة وترجمة : عبد الكريم وشاشا

 

 

       1- حول اليسار

 

   في الفصل الأول من  كتابه “عصر الشعب”  يورد  الزعيم اليساري الفرنسي الشهير الطنجاوي المولد جان لوك   ميلنشون (JEAN-LUC MÉLENCHON) مؤسس حزب اليسار ثم حركة “فرنسا الأبية”؛ معطى سياسيا أساسيا هو أن “اليسار يمكنه أن يموت” : لأنه لم تعد هناك أية قوة سياسية عالمية في مواجهة الحزب الخفي للمالية العالمية، بعد السقوط المدوّي لجدار برلين ولشيوعية الدولة، كما أن انحلال الديمقراطية الاجتماعية العالمية داخل الليبرالية كان جذريا.. فسرعان ما انتابها  الحماس وتحولت إلى سياسات ليبرالية للحزب الديمقراطي الأمريكي تحت قيادة بيل كلينتون..

بينما اليسار لم يتبق منه إلا الشعار (le sigle) والعنوان..

هكذا بدأ عصر خاص: ليس فقط في إساءة استخدام اللغة مع الكثير من السياسيين، لكنه أيضا في سرقة الكلمات والمفاهيم ومصادرتها ووضعها على أشياء لا علاقة لها بها؛ فبدون هذه الكلمات للحديث عن الحقائق التي تهمنا، كيف سنفكر بشكل صحيح ؟؟

بمعنى إنتاج أي شيء، وبأي طريقة كيما كانت.

فما هي إذن سياسة اليسار، وما هي سياسة اليمين ؟

الرائج هو أن : اليمين  واليسار متشابهان.

في ظل هذه الظروف يقتصر الفكر السياسي على نخبة صغيرة، أولئك الذين يتمكّنون من فكّ وفصل الكلمات التي لا تتطابق مع الأشياء التي تشير لها..

من الناحية الفكرية فاليسار في غيبوبة استمرت طويلا حتى عفا عليه الزمن.

فكل وقائع العالم المستجدة ليس لها مكان في مفاهيمه ولا في مشاريعه،

على افتراض أن لديه مفاهيم ومشاريع..

لقد مات بالفعل في آلاف القلوب..

المرض متقدم جدا،

ولن يتم إصلاح الأمر ومعالجته بتلك التحليلات العلمية للتمييز بين اليسار الحقيقي واليسار الذي ليس كذلك.

لقد سأل جون لوك ميلنشون صديق بوليفي في بداية ولاية الرئيس (Evo Morales): لماذا لا تطلق أغلبيتكم التي أحرزتم عليها، على نفسها اسم “اليسار” ؟

أجابه: ( أنا أعرف ماذا يعني اليسار، لأنني كنت مناضلا وتعرضت للتعذيب؛ أما في الوقت الحاضر فإذا ذكرت اليسار، فإنهم سيديرون ظهورهم؛ لأنه بالنسبة للفقراء والهنود اليسار واليمين متماثلان، هم الفاسدون نفسهم ، والقتلة نفسهم – إذن السؤال: كيف يمكنك أن تعرّف نفسك. الجواب هو : نحن من الشعب )

الثورة العظمى لسنة 1789 تقول نفس الشيء على لسان ماكسيمليان روبسبير (Maximilien Robespierre): ” أنا من الشعب. لا أريد أن أكون إلا هذا. وأنا أحتقر من يريد شيئا أكثر من هذا “.

نحن ندرك جيدا كم يساوي مثل هذا التوكيد من الآن فصاعدا: يتم تصنيفه ضمن “الشعبوية”

فالنظام لا يخاف من اليسار، إنه خائف من أشخاص والهدف من هذا الكتاب أن نستخلص من هذا كله درسا:

بأن اليسار أكثر من شعار وهو في حاجة إلى تركيب سياسي جديد

 

2-المستقبل المشترك“: تناغم الناس فيما بينهم ومع الطبيعة، بوصفه رؤية للعالم

 

هي أطروحة برنامجية جديرة بالقراءة والتمحيص واستخلاص العام والمشترك؛ أفكار ولو أنها بعيدة في المكان ومختلفة في السياق، لكنها قريبة منا إنسانيا وتندرج داخل القيم اليسارية الكبرى التي تجمع بين الشعوب.

إنه برنامج يطرح مجموعة من التدابير الملموسة، تحمل في طياتها رؤية للعالم من أجل المستقبل المنشود؛ هي حسب صاحبها، حاجة أساسية في وقتنا الراهن، والعالم وهو يدخل عصرا يعمه الغموض واللايقين، ويشهد تغييرات بيئية هائلة وتدميرا اجتماعيا وتحولات لا رجعة فيها؛

وبتركيز شديد يمكن تلخيص هذا المشروع في:

بناء مجتمع المساعدة الذاتية والدعم المتبادل بغرض الانسجام والتناغم فيما بين البشر، وبينهم وبين الطبيعة: هذا ما سيكونه عليه الهدف في كل الأحوال والظروف، حتى تلك الغير المتوقعة.

فالرأسمالية المالية لعصرنا هذا، تثير عنفا اجتماعيا وتحطيما هائجا وبليغا للطبيعة لم تشهد له مثيلا في تاريخ الحضارة الإنسانية، فحتى الأوبئة يسمح لها أن تلتهمنا حتى التخمة، فيكفي أن 26 شخصا فقط يستحوذون على أكثر من نصف ما يمتلكه سكان العالم أجمع؛ أما خلال فترة وباء كوفيد-19 التي لا زالت مستمرة، فقد ازداد الأثرياء ثراء فاحشا بمقدار الثلث.. فهذا النظام غير قادر على تصحيح نفسه، فهو يتغذى من كوارثه ومآسيه الخاصة. لذلك فإن أسباب رفضه ومواجهته جدية ومستعجلة. وهنا يتجلى هدف هذا البرنامج الذي لا يمكن إخفاؤه أو طمسه: “المستقبل المشترك” هو العصيان ضد النظام الحالي للعالم.

فهذا النظام غير مهتم بأي شيء، فهاجسه الوحيد هو الحفاظ على مصالح وامتيازات الأثرياء والتركيز الفائق على الثروة التي ينتجها الآخرون بعملهم وكدهم وشقائهم. لكن يوجد شرط واحد لهذا التراكم الخارق: يجب أن ننتج بدون توقف، أن نبيع ونشتري كل شيء، وبكل الطرق، وبدون حدود، ودائما بسرعة، وبثمن بخس نحوّل كل شيء إلى سلعة قابلة للبيع وخلال ذلك نخلق احتياجات مصطنعة. عمليات تدمير الجمال وحساسيات الأحياء لا تتوقف، الكوكب والبشر والحيوانات تستنفد نفسها في المعاناة والألم. ينهار المجتمع والدولة يقوضهما التفاوت واللا مساواة والظلم والتخلي عن الساكنة. في كل مناطق العالم تنفجر ثورات وانتفاضات واسعة للمواطنين ضد ظروف الحياة اليومية المتردية.

أليس الحق لكل فرد في حياة كريمة والعيش في بيئة سليمة وصحية ؟

يمكننا أن نعمل ونرد على هذا بنجاح. إذن نعم،  لنقيس مسؤوليتنا الشخصية.

فهذا البرنامج يمكن أن يأتلف حوله اتحاد شعبي واسع وقوي من أجل الحلول وسبل المعالجة بدلا من الكراهية والإقصاء.. نرغب في إنجاح تعبئة إيجابية، والانخراط في مشاريع واضحة وجريئة. نحن في حاجة إلى هذا الانخراط الواسع, إنه درس من التاريخ العميق:

فالمجتمعات المتضامنة والمتحدة هي الأكثر قدرة على مواجهة الاضطرابات والتحولات العاصفة، على عكس من ذلك، فإن تقييد الحريات بالطرق البالية والعتيقة والوحشية، تقسم مجتمعاتنا… فالشعوب الحرة أكثر في قراراتها هي الأكثر وحدة، لمواجهة أهم تحدي لم تعشه البشرية من قبل: خطر انهيار نظام إيكولوجي متوافق مع حياة الإنسان. وهذا ما يقدمه هذا البرنامج ..

هنا يبسط ميلنشون أوجه التوافق الذي ينبغي أن يكون بين الإنسان والطبيعة، وما يسميها ب “القاعدة الخضراء” التي يجب تطبيقها باستعجال أمام التغيرات المناخية التي تقود الإنسانية إلى الهاوية؛ وتحت مظلتها علينا تغيير كل شيء: وسائل الإنتاج، والاستهلاك والتبادل، ويعني ذلك، أن لا نأخذ من الطبيعة أكثر مما لا يطاق، أن نستهلك ما يمكن أن تعيد تجديده هي في زمن  معقول يمكن أن تتحمله.. يجب تغيير طريقة نظرنا إلى بيئتنا، الماء والهواء والتنوع البيولوجي والغابات فهي منافع مشتركة. فلنوقف نظرتنا فيها كمواد خام خاملة.

الليبرالية السلطوية تنتشر داخل مفاصل المجتمع، ثقافة العنف والإذعان والخنوع و.. الرداءة. لكن حرية اختيار نوع الحياة متجذرة داخل حنايا كل إنسان، ويجب احترامها وتشجيعها.

في مشروعنا المساواة للجميع، فإن الوسيلة الأولية هي الحرية لكل شخص في أن يكون سيد نفسه وحياته. متحررا من كل تمييز وتفرقة اجتماعية وثقافية ترهن الأفراد وتعيقهم وعبر ذلك تنتشر الأساليب الاستبدادية في كل مكان.

وهكذا شيئا فشيئا يفرض مجتمع التحكم الشامل. وهذا ليس كل شيء، السيطرة على العقل وأيضا على جدول أعمالنا.

إن هذا النظام يثير في كل مكان نزاعات قاتلة تعمل على تمزيق الشعوب بعمق. فتحت ذريعة “صدام الحضارات” يحافظ ويرعى هذا النظام تحت ظلاله وتحت أجنحته حروبا دينية وقلق هويات عصبية مهووسة وفي كثير من الأحيان عنصرية ضحلة ومهينة.

بالنسبة لنا، إنها نفس المعركة التي يخوضها من يريد أن يكون سيد نفسه وأن يتحكم في تقرير مصيره وحتى في حقه أن يموت بكرامة. حقوق متساوية، حرية الانخراط في الاختيارات الكبرى والأساسية لوجوده وكينونته، والنضال الدؤوب الذي لا هوادة فيه ضد كل تمييز عنصري أو جنسي أو مغايرة في الميولات الجنسية. ففي عالم اليوم، لتحرير حياتنا الشخصية من كل سيطرة خانقة، يجب أن نكون سادة لأنفسنا وحدنا. لهذا من الضروري الإلمام بكل الروابط التي تربطنا بالمجتمع.

إن الأمر يتعلق بتطوير والدربة على التحرر الذاتي من خلال التربية والتعليم، ونشر الوعي والخبرة والمعرفة العلمية، والضرورة الملحّة في ممارسة الفنون والرياضة. إن هذا هو “أنسنة المجتمع” وذلك عن طريق تحسين الأفراد الذين يتكون منهم وجعلهم أفضل.

لنعش مواطنون أحرارا

  • كنس الأوليغارشية، وإلغاء امتيازات الطبقة المغلقة (la caste)
  • التواطؤ الحاصل بين المصالح الخاصة، المالية أو الصناعية وبين الأوليغارشية التي استولت على مؤسساتنا أصبح فاضحا وصارخا؛ طبقة مغلقة مفتوحة فقط في وجه الأثرياء تحظى بالامتيازات تنخر الدولة كالغرغرينا بالفساد.
  • نريد التخلص من هذا النظام الجائر. لنذكّر بمبدأ المساواة الأساسي بين الجميع. والمطالبة بتنظيم فصل بين الدولة والنفوذ المالي.
  • لا ينبغي إبعاد المواطن عن الحياة العامة للنضال من أجل الديمقراطية. في ظل امتناع قوي وعزوف عن المعارك الانتخابية، علينا العمل على التوعية ووضع المواطنين في صلب وصميم برنامجنا ومشروعنا السياسي، وتنظيم الاستفتاءات الشعبية عبر عرائض لجمع التوقيعات والتي يمكنها أن تلغي وتعفي المسؤولين المنتخبين وأن تقترح وتعدل في القوانين..

 

  • العلمانية هي المبدأ الضامن لحرية الضمير، وهي التي تجعل حياتنا المشتركة ممكنة، وهي لا تنفصل عن السيادة الشعبية. يجب الالتزام بها بفصل الدين عن الدولة ومنع تدخل الأديان في الشؤون العامة؛ ولا يمكن الخلط بينها وبين إلحاد الدولة ولا التظاهر بتنظيم الدين: ضمان حرية الضمير والفكر والتطبيق الصارم للعلمانية

 

  • ثورة المواطن في الإعلام
  • يجب أن يكون الخبر حرا وتعدديا، إنه مطلب ديمقراطي لمحاربة سطوة المال واحتكاره على عالم الأخبار والمعلومات.
  • الثورة المواطنة تقتضي أن تكون أخبارنا وطرقها ووسائلها لها مصداقية بعيدا عن التلاعب والتزييف فالتوافقات السياسية والخضوع للوبيات المالية يقوض التعددية وحرية التعبير
  • العدالة باسم الشعب: إرساء سياسة عدالة فعالة، سياسة عقلانية
  • الإدمان والمخدرات: نحن بحاجة إلى تغيير استراتيجيتنا لحماية أطفالنا وشبابنا   
  • في هذا المنعطف الخطير الذي تمر منه الإنسانية، تغيير المناخ واجتياح الأوبئة الكبرى تصبح وحدة المجتمع أمرا بالغ الأهمية فلهذا من الضروري النضال الوحدوي لإلغاء الامتيازات والقضاء على الفوارق الطبقية والتهميش والإقصاء.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات