الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

ملف الصحراء المغربية بين المقاومة الشعبية التدبير المخزني

 

 

البدالي صافي الدين/المغرب

 

في أكتوبر 1965 تم اغتيال الشهيد المهدي بن بركة و في دجنبر 1975 تم اغتيال الشهيد عمر بنجلون. وهما رمزان وطنيان ظلا يدافعان على قضية الصحراء المستعمرة من طرف الإسبان الى أن تم اغتيالهما. و هما الرمزان الوطنيان اللذان كانا يدعوان إلى استكمال الوحدة الترابية بتحرير الصحراء المغربية و ومدينتي سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما.

 

الشهيد المهدي بن بركة اقترح على اللجنة التحضيرية لمؤتمر القارات الثلاثة إحضار وفد من الصحراويين ليسمعوا صوتهم، و ذلك بعد أن تم الاتفاق مع مكتب التضامن الإفريقي الأسيوي بالقاهرة، و كان الشهيد يهدف من وراء ذلك كسب تعاطف الأطراف المشاركة في مؤتمر هافانا بكوبا الذي كان من المقرر أن ينعقد في الفترة بين 3 و15 كانون الثاني/يناير عام 1966 في العاصمة الكوبية هافانا، قمة كانت الأولى من نوعها جمعت حركات التحرر الوطني فيما كان يعرف بـ”العالم الثالث” ويشتمل على قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، و كان الشهيد المهدي رئيسا للجنته التحضيرية. لكن باغتيال المهدي تم اغتيال الوحدة الترابية و هو فعل مخزني و جريمة يشهد عليهما التاريخ.

 

الشهيد عمر بن جلون بدوره ربط  عملية التحرير بالديمقراطية و سارع إلى فتح حوار مع أعضاء من جبهة البوليساريو بفرنسا في إطار ديبلوماسية الحوار و الهجوم من أجل مغربية  الصحراء. هذه القضية التي سيعرف ملفها منذ 1975 عدة تطورات سياسية وحقوقية ودبلوماسية من جهة، و تحدي الانفصاليين بالداخل للمؤسسات الدستورية المغربية و للقوانين التنظيمية، منها قانون الحريات العامة و تأسيس الجمعيات، وقانون الأحزاب من جهة ثانية.

 

أمام سكوت النظام المخزني اتجاه هذا التحدي الذي تجلى مثلا  في تأسيس جمعية تقودها أمينة حيدر تحت اسم << جمعية مناهضة الاستعمار المغربي >> نجد بالمقابل عمليات  قمع الجمعيات الوطنية و الحريات العامة و الصحافة الجادة في باقي البلاد في سياق معادلة غير متكافئة من جهة ثالثة.

 

ان السياق العالمي الآن يعرف تجاذبات استراتيجية بين القوى العظمى، أمريكا و الصين و روسيا، لرسم خريطة عالم جديد في إطار تقاسم المصالح و السيطرة المطلقة على الثروات المعدنية و البترول و الغاز الطبيعي بل حتى المياه و السواحل و من أجل استعباد الشعوب و اغتيال الدولة الفلسطينية من طرف أمريكا وأتباعها من دول خليجية و غيرها من دول عربية. في هذا السياق يعرف ملف الصحراء تطورات على المستوى السياسي، إذ هناك مبادرات لحل المشكل منها مقترح الحكم الذاتي الموسع الذي تقدم به المغرب بعد فشل عملية الاستفتاء الذي اقترحه المغرب سنة 1981 في مؤتمر نيروبي.

 

تجدر الاشارة أن هناك مواقف متضاربة حول هذا المقترح حيث تم رفضه من جانب جبهة البوليساريو و الجزائر و من في صفهما و الذين يقترحون تقرير المصير للشعب الصحراوي، و هناك مواقف أخرى ضد كل المبادرات و تدعو إلى استقلال الصحراء من الاستعمار المغربي، وهو ما تروج له بعض الأطراف في كواليس اللجنة الرابعة للأمم المتحدة.

 

على المستوى الحقوقي هناك من يطرح حق الشعب المغربي في استكمال وحدته الترابية طبقا للعهد الدولي المتعلق بحق الشعوب في استقلالها. و هناك من يطرح تقرير المصير للشعب الصحراوي، و أما على المستوى الدبلوماسي نجد دولا تؤيد المقترح المغربي وأخرى محايدة وأخرى تساند الطرح الجزائري. وتبقى المفاوضات المباشرة غير ذي جدوى في ظل هذه التناقضات.

 

هذه التعقيدات التي صاحبت ملف الصحراء منذ بداية السبعينات أي منذ 1975 و ما تلى ذلك من حرب قاسية بين المغرب و جبهة البوليساريو المدعمة من طرف الجزائر و بعض الدول المحسوبة على المعسكر الاشتراكي إلى أن تم وقف إطلاق النار سنة 1991 لإجراء الاستفتاء الذي تقرر في مؤتمر نيروبي. أمام هذه التفاعلات و في ظل انفراد النظام بملف الصحراء ليصبح من الطابوهات، يجد المواطن المغربي نفسه أمام إشكالية كبرى <<هل الصحراء مغربية أم هي غير ذلك>>؟ أمام هذه التعقيدات التي عرفها ملف الصحراء سنحاول فك رموزها من خلال المحاور التالية :

 

1 التفاعلات التاريخية لاحتلال الصحراء الصحراء

-2 المقاومة الشعبية من أجل تحرير الصحراء المغربية

3 – ملف الصحراء المغربية و التدبير المخزني .

4 – الملابسات السياسية في عملية استرجاع الصحراء المغربية و النتائج ،

5 – راعنية ملف الصحراء و الموقف الشعبي .

 

إن تناول هذا الموضوع من حيث هذه الجوانب فرضتهعدة اعتبارات و منها :

عدم السقوط في شراك النزعة الذاتية و إغفال التحولات التاريخية للقضية سيقودنا حتما إلى سوء تقدير الموضوع إلى استنتاجات خاطئة.

 

1 – التفاعلات التاريخية التي عرفتها المناطق الصحراوي :

 

ظل المغرب و منذ ما قبل التاريخ من حيث موقعه الجغرافي المتميز للمرور من شمال البحر الأبيض المتوسط إلى إفريقيا و شمالها يشكل هدفا استراتيجيا ، اقتصاديا و سياسيا لدول شمال و شرق ضفاف البحر الأبيض المتوسط ، وأيضا بوابة لجنوب غرب إفريقيا عبر البر و البحر. وبفعل التحولات التي عرفتها أوروبا اقتصاديا و عسكريا بعد الثورة الصناعية سيعرف المغرب وضعية جد صعبة منذ القرن التاسع عشر لما أصبحت دول أوروبية تسعى إلى السيطرة على منافذه البحرية شمالا وجنوبا و على السواحل الشمالية و الجنوبية مستغلة بذلك الوضع الداخلي المتأزم على جميع المستويات اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا و خاصة في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان ( 1859 م )حيث أصبح المغرب أنداك يعيش صعوبات مالية بفعل تدهور مداخيل التجارة الخارجية بسبب انعكاسات المعاهدة المغربية البريطانية سنة 1856 و تراجع الدول الإسكندنافية عن الأتاوة للإمبراطورية ( فاس ـ ومراكش ) و فرض اسبانيا غرامة مالية على المغرب بلغت 100 مليون بسيطة إثر انهزامه في حرب تطوان (تطاوين ) التي امتدت من 1859 إلى 1860 بتوقيع معاهدة “ واد راس” بتطوان سنة 1960 ، و اضطر المخزن إلى إفراغ بيت المال من كل القطع الذهبية، كما أخذ قرضا من بريطانيا لتسديد جزء من هذه الغرامة مما دفعه إلى اتخاذ إجراءات جبائية خطيرة أذكت نار التمرد و العصيان على السلطة المركزية ، فكانت نتائجها رهيبة تجلت في القتلى و الاعتقالات.

 

في هذه المرحلة ازدادت أطماع الدول الأوروبية من أجل احتلال المغرب . وسيرث الحسن الأول هذا الوضع بكل تجلياته حيث سيستمر في زهج سياسة القمع و القتل للتحكم في الوضع عبر رحلاته في أنحاء البلاد ، و هو ما يسمى ب ” الحركة ” و التي لم تخلو من مواجهات دامية.

 

-2 – وضعية الصحراء قبل الاستعمار الاسباني :

 

منذ القرن العاشر ميلادي والصحراء الغربية كانت تسمى بالصحراء الأطلنطية ، كامتداد للدولة المغربية كما عرفتها الكتابات التاريخية خاصة منها الكتابات الأيبيرية و المشرقية . وتمتد الصحراء الأطلنطية من طرفاية إلى نهر السنغال جنوبا ومن المحيط الأطلسي إلى تندوف شرقا .وعرفت المنطقة تفاعلات سياسية واقتصادية وثقافية كانت من اهتمامات الأدباء والمؤرخين من أمثال أبو حوقل ابن الحكيم، السعودي، العمري أو القلقشندي، البكري الإدريسي إلخ…. والذين كتبوا عن المنطقة في علاقتها بالمغرب حيث ارتبطت قبائلها بالدولة المغربية اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا ودبلوماسيا. حماية القوافل التجارية المتجهة نحو السنغال و المالي والسودان ومن هذه الأقطار في اتجاه الشمال كانت توكل إلى شيوخ القبائل بأمر من السلطان، و تعيين القضاة في المنطقة الصحراوية (الصحراء الأطلنطية ) يتم من طرف السلاطنة المغاربة و كذلك تزكية شيوخ القبائل و عقد اتفاقيات تجارية واتفاقيات حول الصيد البحري في السواحل الصحراوية مع ملوك أوروبية كبريطانيا مثلا، اتفاقية موقعة مع لويس 13 سنتي 1635 و 1636 و مع لويس الرابع عشر سنة 1682 م و لويس 15 سنة 1767 م و اتفاقية مع دون كارلوس الثالث سنة 1767 م “Don Carlos 3 ” و مع دون كارلوس الرابع سنة 1799 و كلها اتفاقيات حول التبادل التجاري و الصيد البحري بالمناطق الصحراوية. لذلك ظلت الصحراء الغربية مرتبطة ترابيا وجغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا بالسلطة المركزية المغربية.. و إن مما يميز الصحراء الأطلنطية عن الصحراء الكبرى التي تمتد إلى البحر الأحمر، كونها جزء من التراب المغربي ولم يقم فيها أي كيان سياسي رغم الصراعات بين القبائل . و لم تكن هذه المناطق أرضا خلاء كما ادعى الكيان الفرنكاوي من أجل الاستيطان أو أية جهة أخرى التي كانت تسعى هي الأخرى إلى الاستيطان ، و هو ما دأبت إليه فرنسا على أرض لها أهلها منذ التاريخ. أما الصحراء التي تشكل الحدود الجزائرية المالية والموريتانية ستظل خارج أي سلطة
ـ

 

3 -استعمار الصحراء و الكفاح الشعبي من أجل تحريرها

 

أ ـ على مستوى المقاومة :

 

عرف المغرب في نهاية القرن 19 أوضاعا اقتصادية واجتماعية أدت إلى تمرد عدد من القبائل وتنامي الأطماع الاستعمارية في المغرب. وستكون بداية القرن20 بداية التخطيط لاستعمار المغرب، في 3 أكتوبر 1904م ستتفق كل من فرنسا وإسبانيا على تقسيم نفوذهما الاستراتيجي للمغرب .ومن بين بنود هذا الاتفاق : “ أن تحتل اسبانيا الصحراء المغربية لتحمي الاستعمار الفرنسي في موريتانيا وتحول دون تماسك أية مقاومة مغربية من الشمال إلى الجنوب . الجنوب.وبالمقابل ستحمي فرنسا الاستعمار الاسباني في الشمال”.

 

و تمشيا مع هذا الاتفاق فإن اسبانيا استعمرت الصحراء المغربية وليس “جمهورية صحراوية” أو إمارة قائمة ذلك الحين. هكذا للشعب المغربي الحق في استرجاع صحرائه ، حقا مشروعا. و دفاعا على هذا الحق تجند الشعب المغربي لمواجهة المخطط الاستعماري البعيد الأمد. وتم إفشال هذا المخطط لما انطلقت المقاومة المغربية وهي تدرك الأبعاد الإستراتيجية الاستعمارين معا. فكان عملها مبنيا على أسس وحدة البلاد وتحرير البلاد من طنجة إلى نهر السنغال إلى الجزائر. ولذلك كانت مقاومة وطنية بامتياز .وهي إذن حركة “التحرير الشعبية “و تم اعتبارها جزءا من حركة التحرير العالمية . و كانت مقاومة ذات أخلاق سياسية في التعامل مع الجيران وعلى رأسهم الجزائر، حيث اتفقت مع المقاومة الجزائرية على إرجاع المناطق الصحراوية الجنوبية الشرقية المغربية التي ضمها الجيش الفرنسي للجزائر إلى المغرب بعد استقلال الجزائر .لم تقبل المقاومة بالاستقلال الشكلي للمغرب والمجزأ، ولذلك ستستمر في كفاحها من أجل استكمال وحدة التراب الوطني من طنجة شمالا إلى موريتانية جنوبا إلى تندوف شرقا ، و تحرك جيش التحرير الوطني نحو الجنوب سنة 1956 م لتحرير الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني بالأقاليم الصحراوية محققا ملاحم بطولية وانتصارات باهرة لم تجد القوات العسكرية الإسبانية أمامها إلا أن تتحالف مع القوات الفرنسية في ما سمي بعملية “ايكوفيون” أو معركة المكنسة (opération Ecouvillon) و بمساعدة المخزن ليصدوا زحف جيش التحرير باستعمال كل الأسلحة حتى الممنوعة منها. و سيتولى النظام المخزني عملية ضرب جيش التحرير في الشمال المغربي . و هكذا اختار النظام المغربي الاصطفاف إلى جانب الدول الاستعمارية الإمبريالية لمواجهة حركة التحرير الشعبية بالداخل و بالخارج وذلك حتى تستقر فرنسا في موريتانيا واسبانيا في الصحراء وفي سبتة و مليلية .فتمت بذلك عملية إجهاض استكمال استرجاع الصحراء المغربية وهو ما يشكل تناقضا أساسيا مع حركة التحرير الشعبية التي اختارت الاصطفاف إلى جانب حركة التحرير العالمية وحلفائها من دول المعسكر الاشتراكي . و هنا تتأكد المفارقة بين الكفاح الشعبي من أجل تحرير الصحراء جنوبا و سبتة ومليلية و الجزر التابعة لهما شمالا أرضا و إنسانيا و ثقافيا و اجتماعيا وبين الممارسة المخزنية على أرض الواقع التي تربط الأرض بالبيعة و بالولاء و الطاعة ، و ظل همه في هذا الاتجاه هو قمع حركة التحرير الشعبية وحل جيش التحرير و يستبد بالحكم بشكل مطلق.

 

ورغم ذلك ظلت حركة التحرير الشعبية بكل مكوناتها السياسية و المذهبية تكافح من أجل تحرير الصحراء ، لأنها حق الشعب المغربي على جميع المستويات ، و استمرت في إعادة تأهيل المقاومة داخل الصحراء من خلال احتضان أبناء المقاتلين الصحراويين حيث تم استقدامهم إلى دار التوزاني بالدار البيضاء لرعايتهم و تعليمهم و تكوينهم وتأهيلهم للمقاومة ضد الاحتلال ، و كان من بين هؤلاء الشاب ابراهيم محمد البصيري و محمد ماء العينين . و بعد حصول الشاب ابراهيم على الشهادة الثانوية بالدار البيضاء و على الإجازة بدمشق التحق بمدينة السمارة ليؤسس “حركة تحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب ” ثم أسس “الحزب المسلم ” هذه التنظيمات ستواجه في بداية تحركاتها بمذبحة بدوار ” الزملة ” المعروف حاليا بدوار” الرملة ” في مدينة العيون نفذها الجيش الإسباني .و عرف عن هذا الدوار أنه كانت تسكنه الطبقة الفقيرة و المهمشة من طرف المستعمر .وكان موقف النظام المغربي من هذه المذبحة التي استنكرتها القوى الوطنية بالداخل و بالخارج هو رسالة تشكي إلى وزارة الخارجية الاسبانية.

 

ب- على المستوى السياسي:

 

بعد اغتيال الشهيد المهدي قبل أن يحقق هدفه الرامي إلى كسب إجماع أممي من اجل تصفية الاستعمار الإسباني في مؤتمر القارات الثلاث ، سيطرح الراحل عبد الرحيم بوعبيد سنة 1967 موضوع الصحراء المغربية في ندوة الاشتراكيين العرب المنظمة بالجزائر و هو ما أغضب النظام الجزائري كما أنه على المستوى الطلابي قد انضم الطلبة الصحراويون إلى نضالات الطلبة وطنيا للمطالبة بتحرير الصحراء المغربية . أما النظام فإنه لم يبال بهذا الملف، وما يؤكد ذلك هو عدم طرح هذه القضية في المحافل الدولية أي المؤتمر العربي المنعقد سنة 1964 و دول عدم الانحياز سنة 1962.

 

ج ـ قضية الصحراء و الوضع المغاربي و الدولي

 

عرفت المنطقة المغاربية و جنوب الصحراء عدة تفاعلات لم يستفد منها النظام المغربي من أجل كسب تأييد مطلق لحق المغرب في استرجاع الأقاليم الصحراوية و من هذه التفاعلات الانقلاب العسكري الذي قاده الهواري بومدين في 1965 م أي بعد حرب الرمال بسنتين حيث لا زالت تداعيات هذه الحرب مستمرة، خالقة عداوة بين النظامين في غياب أسس ديمقراطية في البلدين، ثم تم اغتيال باتريس لومومبا في الكونغو و الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد معمر القذافي و ظهور التيارات اليسراوية و الشعارات القومية العربية و نشاط حركة التحرير بأمريكا اللاتينية و إفريقيا و أسيا. ففي هذه الظرفية التاريخية 1965 ـ 1970 كان يشار إلى النظام المغربي بأنه متورط في عدة قضايا ، منها اختطاف الشهيد المهدي بنبركة و تفكيك جيش التحرير و الانخراط في أنشطة المخابرات الأمريكية و الإسرائيلية و الفرنسية مما جعله في عزلة سياسية ودبلوماسية خاصة بالنسبة للدول الاشتراكية، مما جعل الجزائر تنفرد باصطفافها إلى جانب الدول الاشتراكية و جعل النظام المغربي يتخلى عن مطلب تصفية الاستعمار من الصحراء المغربية و سبتة و مليلية و الجزر التابعة لهما ، بل تفرغ لضرب المعارضة و التضييق على الحريات العامة و مطاردة المعارضين بالداخل و بالخارج و الاختطافات و هي ممارسات ضاعفت من عزلته خاصة من طرف بعض الدول العربية ودول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية و دول إفريقية . و في خضم هذه الأحداث يتم التنسيق السري بين النظام الجزائري و النظام الفرنكاوي من أجل خلق كيان في الصحراء ضدا على الشعب المغربي و على المواثيق الدولية مقابل تصفية المعارضين للنظام الجزائري بإسبانيا ، وهو ما أثبتته كتابات وتصريحات أحد أعضاء المجلس الوطني لجبهة التحرير الجزائرية ( محمد اليحياوي وغيره )

 

ـ 4 – الملابسات السياسية في قضية الصحراء

 

عرف النظام المغربي هزات عنيفة متتالية، تجلت في الانقلابيين الفاشلين ( 1971 ـ 1972 ) و أحداث مولاي بوعزة ( 1973 ) و تميزت هذه الفترة بالاعتقالات والمحاكمات والإعدامات في صفوف الجيش و مناضلي الاتحاد الوطني ، مما شجع الأطراف المناوئة للنظام على المطالبة بالاستقلال للشعب الصحراوي و يتم التصدي من طرف الاحتلال الإسباني إلى حركة تحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب التي تأسست على يدي محمد البصيري سنة 1970 و التي انضم إليها ما كان يسمونهم الإسبان بجيش البدو و صحراويون حرفيون ، و هكذا و في ظل هذه الأوضاع عمل الاستعمار الإسباني على تأسيس حركة مضادة من شيوخ القبائل الموالين لها ، و بالمقابل ظل الشعب المغربي والمعارضة معا متمسكين بالصحراء المغربية كجزء من الوطن لا يقبل أية مساومة. لكن ما كان يهم النظام هو تصفية المعارضة و المزيد من التضييق على الحريات مما شجع اسبانيا و الجزائر على خلق كيان الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو التي ستحتضنها الجزائر في غياب ديبلوماسية موازية لمواجهة المخطط الاسباني الجزائري . و أمام الضغط الشعبي و تسارع الأحداث في الصحراء قرر النظام تنظيم المسيرة سنة 1975 . لكنه بعدها أقدم على اغتيال الشهيد عمر بنجلون على يدي الشبيبة الاسلامية التي تولدت عنها حكومة العثماني، كان عمر قد بادر إلى لقاء بعض الأعضاء من جبهة البوليساريو في فرنسا لثنيهم عن التمادي في تأسيس كيان على أرض الأقاليم الصحراوية و ذلك في إطار الدينامية السياسية التي بدأها الشهيد المهدي في موضوع الصحراء المغربية . و بدل خلق دينامية تواصلية مع الشعب الصحراوي عمد النظام على إرشاء شيوخ القبائل ليقدموا له البيعة باسم الشعب الصحراوي و هو منزلق لا زالت تداعياته حتى الآن .

 

ـ 5 – التدبير المخزني للملف:

 

تحت ضغط المطالب الشعبية من خلال المظاهرات والاحتجاجات وتحركات المعارضة في الداخل وفي الخارج طالب النظام المخزني بالصحراء وكان يريد من خلال المطالبة بالصحراء امتصاص غضب الشارع والحصول على إجماع وطني دون ديمقراطية حقة يكون فيها الشعب مصدر القرارات .وفي نفس الوقت خطط النظام الفرنكاوي والنظام البومدياني لخلق كيان في الصحراء يضمن المصالح الاسبانية والجزائرية، تتولى الجزائر تدبير نشأته، مقابل تصفية المعارضة الجزائرية التي اتخذت من اسبانيا لجوئها .لم يدرك النظام المغربي بأن استمراره في الاستبداد وفي قمع المعارضة ودخوله في حرب مباشرة مع المعسكر الشرقي سيجد نفسه في مأزق سياسي و دبلوماسي من جهة وأمام وضع داخلي متأزم كان من سماته الأحداث الدامية سنة 1981 م و تقديم مقترح الاستفتاء في مؤتمر نيروبي.

 

و لم يعمل النظام على التقاط التناقضات التي كان يعرفها النظام الجزائري و الأصوات التي كانت مع مطالب الشعب المغربي لتحرير الصحراء و منها “الجبهة المغاربية و مناهضة الاحتلال الفرنكاوي ” و التي كانت بمبادرة من جزائريين وتونسيين و موريتانيين و مغاربة . و قد ورد تأسيس هذه الجبهة في قصاصات الأخبار الأوروبية و السويسرية ، كما أن النظام المغربي لم يستثمر ايجابيا “الحركة الجزائرية للقوات الشعبية والجيش من أجل الديمقراطية والاتحاد المغاربي ” ” التي تأسست سنة 1976 وقد تلا تأسيس هذه الحركة اعتقالات في صفوفها لما ناهضت الحرب ضد المغرب . لقد كان القبول بالاستفتاء خارج أية استشارة شعبية ، نتيجة الدبلوماسية الفاشلة، وسوء تدبير الملف مغامرة ستزيد الملف تعقيدا ، وهو ما تم رفضه في حينه من طرف الاتحاد الاشتراكي آنذاك. وهو الموقف الذي ظل يتشبث به حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي كاستمرار الحركة الاتحادية الأصيلة على اعتبار أنه لا يجب استفتاء شعب على أراضيه ، مؤكدا بأن أي استفتاء بجب أن يشارك فيه الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة.

 

 

6 – الحكم الذاتي والجهوية الموسعة

 

 

لقد اعتمد النظام المقاربة الأمنية وغياب حقوق الإنسان لتدبير شؤون الأقاليم الصحراوية ، الشيء الذي لم ينتج ذاك الاندماج الحقيقي. و من أجل دعم موقفه لجأ إلى الأعيان الذين كانت لهم مصالح مع إسبانيا والذين أغرقهم بالامتيازات و المناصب حتى أصبحوا يشكلون قوة ضاغطة من أجل مصالحها ضدا على مصالح الوطن ومصالح الطبقات الشعبية في الصحراء.

 

إن انفراد النظام بتدبير بالملف دون إشراك الأحزاب السياسية التقدمية وكل القوى الحية في البلاد،فتح الباب أمام أطماع خصوم الوحدة الترابية. وما مقترح الحكم الذاتي من جانب واحد ليؤكد مرة أخرى الاستمرار في المنزلقات التي ستكون لها عواقب وخيمة على وحدة الشعب المغربي وعلى حقه في استكمال وحدته الترابية. ولذلك فإن أي حل سياسي المرتكز على الحكم الذاتي بالصحراء المغربية يجب أن تتوفر لهالشروط التالية :

 

1 – ضرورة اعتماد ديمقراطية حقة تمكن الشعب المغربي من تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

 

ـ 2 – مسائلة ناهبي المال العام في المنطقة و المسئولين على تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية بالمناطق الصحراوية المسترجعة و
و غيرها .

 

ـ 3 – اعتماد المقاربة التشاركية في تدبير الملف و ليس سياسة الإقصاء و التحفظ من الشعب أن يتعرف على كل الملابسات التي تتعلق بالملف .

 

– 4 – يجب أن يكون الحكم الداتي ترابيا و ليس اثنيا أو قبليا أو عرقيا في إطار الجهوية الموسعة ، مما يضمن للمغاربة جميعا حق التنقل والاستقرار دون حدود أو حواجز أمنية أو جمركية.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!