الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

قلعة السراغنة و استمرار إعدام تراثها الثقافي و البيئي

 

 

البدالي صافي الدين:المغرب

 

المشهد الأول : إعدام سور مدينة القلعة التاريخي:

 

 

عدد من شباب مدينة قلعة السراغنة يبحثون عن معالم تاريخية تثبت هوية مدينتهم، يبحثون في أرشيف صور المدينة قديما و لم يجدوا ما في تلك الصور من آثار لمعالمها التاريخية وما كان لها من قيمة تراثية، و لم يجدوا ما كان لهذه المدينة من جمال الطبيعة التي كانت تمنحها لها أشجار، أغلبها كانت نادرة، تنفرد بها هذه المدينة، و من أنواع المغروسات التي كانت تعطي للمدينة جاذبيتها و لأهلها راحة النفس و راحة البال، و من سوالفي و عيون.

 

و يجتهد بعض النشطاء الاجتماعيين للمدينة من أجل التواصل مع تاريخ هذه المدينة لإعادة الاعتبار لما فقدته من معالم تاريخية مع مرور الزمان، وهو أمر يدل على غيرتهم عليها و يكشف عما يحز في نفوسهم من حكرة لها. كل على حق، إلا الذين ظلوا ينتظرون أن يسقط كل ما تبقى من مفاتنها ومن موروثها الثقافي و البيئي، إما حسدا أو انتقاما من أهلها لمواقفهم النبيلة في القضايا الوطنية و العربية و الاسلامية، وفي مقدمتها محاربة الاستعمار الفرنسي، و وجودهم في مقدمة المعارضة، معارضة مظاهر الاستبداد و الاستغلال و تشبثهم بالعلم و بعلوم الدين و القرآن.

 

هي تساؤلات يطرحها كل متتبع للشأن التاريخي للمدن المغربية و لمدينة قلعة السراغنة. قد يختلف المتتبعون في إسم المدينة، و لكن لا يختلفون من ناحية الأمانة العلمية التي تستوجبها قواعد التاريخ و علوم الانتربولوجيا. فهي قلعة من القلاع التي أسسها السلطان مولاي اسماعيل لتكون محطة لحماية القوافل بين فاس و مراكش، و منهم من يرجع بنائها إلى ملوك المرابطين. الباحثون في التاريخ من أبناء القلعة و من فرنسيين أجمعوا على أنها لم تكن مدينة صدفة، بل مدينة من رحم التاريخ، و يشهد على ذلك السور الذي كان يحيط بها بأبراج عالية مخصصة للحرس و لتحصنها من أي اعتداء، وهو ما يثبت أهميتها الأمنية و الاستراتيجية لدى السلاطين الأولين منذ القرن 11 ميلادي.

 

إنه السور الذي تم إعدامه وما يحمله من آثار تاريخية و ما كان يمتاز به من هندسة معمارية تدل على مرحلة التأسيس و تشهد على الزمان الماضي البعيد. جاء إعدامه على يد سلطات محلية و إقليمية و بمباركة أعيان المدينة من أجل اضافة مساحته إلى تجزئة القلعة الراشية لفائدة النافدين وبعض الموظفين وأعوان السلطة.

 

فلا أحد بكى على إعدامه ولا أحد اعترض على جريمة اغتياله، اغتيال روح تاريخية لهذه المدينة دون أن تقام لهذا السور محاكمة، ودون أن تقام له جنازة. لقد تم دفنه تحت ترابه و لم يبقى منه إلا برج مدرسة ابن اسليمان و التي كانت معروفة بالمدرسة العبرية، وربما كانت هذه المدرسة سببا في بقائه. لقد كنا و نحن صغار شهودا على عملية إعدامه، حيث استعمل الأعداء كل أدوات الدمار و منها الديناميت، كنا نلاحظه يهتز، لكنه كان لا يرضى السقوط و كأنه فارس مغوار يقاتل من أجل شرف مدينته و من أجل كرامة أهلها .ظل يتحمل قوة الديناميت و ضربات المعاول والفؤوس لمدة شهور ليسقط شهيدا بعد أن أوصانا أن نذكره وأن نجعل له قبرا نكتب عليه اسمه ” سور القلعة الراشية ” و كأنه يقول “إنني أنا تاريخ مدينتكم ”

 

المشهد الثاني : كنوز القلعة المسروقة :

 

لقد كانت قلعة السراغنة معقل قياد السلاطنة العلويين و الذين كانوا غالبا ما يتخذونها مقاما مؤقتا من أجل الاستراحة من متاعب السفر ما بين مراكش و فاس و من بينهم السلطان مولاي سليمان. كانت لها مآثار أخرى غير سور القلعة الراشية الذي تم إعدامه بداية الستينات من القرن الماضي و من بينها دار الزليج التي كانت بمثابة إقامة أحد قياد السلطان مولاي سليمان و أيضاً بمثابة قصر السلطان مولاي اسليمان حيث كان يقيم فيها في إطار الحركات التي كان يقوم بين فاس ومراكش. و هي دار كانت تتميز بأنواع الفسيفساء و الزليج التي تم جلبها من مدينة فاس. و قد ورد وصفها في مؤلف “قلعة السراغنة.. جوانب مدينة في تحول” للدكتور عبد الكريم حفار. فهي الدار التي تم إعدامها في بداية السبعينات حينما فوتتها الأملاك المخزنية لبعض أعيان المدينة و الذين سيبيعونها لوزارة الصحة من أجل توسيع مستشفى السلامة. هي الدار التي كانت تتميز بهندسة معمارية متميزة على غرار دور المخزن بمراكش و فاس. و لم يكن يعلم الأعيان الذين تآمروا عليها أنها كانت تحت أرضها كنوز مدفونة حيث تم اكتشافها من طرف العمال لما بدأت أشغال الهدم والحفر من أجل إزالة آثار هذه المعلمة التاريخية في نهاية السبعينات. و هي كنوز من العملة القديمة تعود للقرن السابع عشر والثامن عشر و من قطع ذهبية، و يصل وزن هذه الكنوز إلى خمسة قناطر وما يزيد، استولت عليها الأملاك المخزنية دون أن تستفيد منها المدينة من أي شي .

 

بعدها تم اكتشاف كنوز اخرى ب” شارع ابن خلدون” ،” الباب المحروگ” من طرف عمال مقاولة بن شليخة أثناء حفر الواد الحار في الثمانينات و هي أيضاً من العملات القديمة و قطع من الذهب استولت عليها الأملاك المخزنية، هي مآثار تؤكد بأن مدينة قلعة السراغنة تعود نشأتها إلى قرون مضت و ليست مدينة بدون تاريخ كما يريد خصومها حتى تظل مجرد تجمع سكاني مختلط من قبائل متعددة الأصول.

 

و من المعالم التاريخية التي تم إعدامها نذكر منها منزه القلعة الرَّاشْيَة “الذي بُني في النصف الأول من القرن 19 من طرف القايد أحمد الذي كان ثريا، وكان مجهزا بناعورة للماء يأتي ماؤها من الساقية لملء الصهاريج وسقي البساتين” حسب الدكتور حفار . و في نفس السباق تم إعدام باب الناعورة التي كانت تشكل معلمة تاريخية و موضع حكايات عن طريقة جلب الماء من أجل تزويد الساكنة بالماء. أما ما تم و يتم إعدامه من أشجار الزيتون وأشجار الصفصاف و الكاليتوس و من أشجار نادرة كشجرات العذراء الباكية ( saules pleureurs ) و فو بويفرييه ( faux poivrier ) و أشجار الخروب بالإضافة وأشجار التوت إلى جانب السواقي التي كانت تخترق أحياء المدينة لتحافظ على الأشجار والمغروسات ، والتي لم يبقى منها أثر.

 

إن إعدام مآثر مدينة قلعة السراغنة و سرقة كنوزها لن ينال من تاريخها السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الاستراتيجي منذ القرن الحادي عشر ميلادي.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات