المصطفى الرميد الطائر الذي يغرد داخل قفص صاحبه الجزء (4)
“الرميد وحقوق الإنسان”
عبد المولى المروري – كندا
حقوق الإنسان والمقاربة الأمنية في معالجة الاحتجاجات والمشاكل الاجتماعية (أحداث الريف نموذجا):
أولا – تهمة الانفصال: تحدث عنها في الجزء (3)
ثانيا – تهمة التخريب:
إن تهمة الانفصال التي تلصقها الدولة على بعض الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي، خاصة في منطقتي الريف والجنوب المغربي (سيدي إيفني والعيون)، تجعل الفاعل السياسي، الحزبي على وجه الخصوص، سواء كان داخل الحكومة أو خارجها مضطرا إلى تبني هذا الاتهام والتفاعل معه وفق رؤية السلطة، حتى مع غياب أي دليل عليه. وغالبا ما تمهد هذه التهمة الطريق لتهم أخرى؛ أهمها تهمة التخريب، وذلك لسهولة الربط بينهما، واستعداد العقل البسيط لتقبل ذلك.. وفي الوقت نفسه تجعل مهمة الفاعل الحقوقي صعبة ومطوقة بالحرج الوطني أمام تهم ثقيلة من هذا القبيل..
وهنا يجب أن نمتلك الشجاعة والجرأة في طرح الأسئلة التالية؛
لماذا وكيف تتطور الأحداث من مطالب اجتماعية بسيطة وعادية إلى أعمال عنف وتخريب؟
ومن المسؤول عن هذا التحول في مسار المطالب العادلة للساكنة المهمشة؟
وهل – فعلا – إن المحتجين هم من يبادرون دائما بأعمال العنف والتخريب، أم إن هناك جهات أخرى غامضة مسخرة من أجل تأزيم الوضع وإشعال الفتنة عن طريق التخريب والعنف بهدف خلط الأوراق وإرباك المشهد السياسي والحقوقي؟
خلال احتجاجات سيدي إيفني في السنوات 2005 و2007 و2008 التي كنت حاضرا فيها، متتبعا لكل تفاصيلها كانت كل الاحتجاجات في بدايتها سلمية وحضارية، بكل ما تحمل هاتان الكلمتان من معنى، ولم تسجل ولا حالة واحدة من أعمال الشغب أو العنف أو التخريب.. فلقد كان الناس يتجمهرون كل يوم في شارع يسمى «بولعلام» ورفع شعارات عبارة عن مطالب اجتماعية محضة (إحداث العمالة، الشغل، إصلاح ميناء سيدي إيفني، وبدء العمل في مشروع طريق إيفني طانطان، ورفع العزلة والتهميش عن المدينة…)، ولا يمكن أن ينكر أحد أن ما يقوم به المحتجون يعتبر ممارسة حقوقية سليمة ومشروعة تكفلها كل الشرائع الكونية..
وللأسف الشديد، في كل هذه الاحتجاجات تختار الدولة الاختيار الأصعب الذي يعقد ويؤجج الوضع، ويُخرج المطالب الاجتماعية عن مسارها السلمي الحضاري إلى مسار صعب ومعوج، يتسم بقمع الاحتجاج ومطاردة المحتجين، وضربهم بالعصي وقذفهم بالقنابل المسيلة للدموع.. واقتحام البيوت والمنازل الآمنة.. الأمر الذي يتسبب بشكل طبيعي في ردة فعل (غير مقبولة طبعا) برمي رجال الأمن وقوات التدخل السريع بالحجارة، والدخول في عملية كرٍ وفرٍ بين الساكنة ورجال الأمن، والسقوط في صراع مجاني غير مبرر قانونيا وسياسيا واجتماعيا وحقوقيا.. وكانت مواجهة 2008 هي أصعب مواجهة انتهت باعتقال ومحاكمة أعضاء السكرتارية، مع الكثير من الآلام والدموع والخسائر، انتهت بعد سنوات قليلة بتلبية جزء مهم من مطالب الساكنة، فلماذا كل ذلك الاحتقان والصراع إذن؟
أحداث اكديم إيزيك لم تخرج هي الأخرى في بدايتها عن هذا المسار، حيث بدأت الاحتجاجاتُ الاجتماعيةُ سلميةً حضاريةً، وانتهت دموية بشعة، وضَيَّع الجميع في لحظة توتر سخيفة فرصة حل هذه الأزمة دون الاضطرار إلى التدخل الفجائي العنيف، وإراقة الدماء الغالية، وإزهاق الأرواح البريئة، ومحاكمات قيل عنها الكثير.. لحظة غاب فيها العقل والتعقل، وغُيِّب فيها العقلاء والحكماء، وأُحضِر فيها الزنادقة والسفهاء.. (تنويرا للرأي العام سأخصص لهذا الحدث حلقات خاصة بحكم إلمامي بأدق تفاصيله).
والآن سأحاول تحليل جزء من كلام الأستاذ المصطفى الرميد عن أحداث الريف في بعده الحقوقي والسياسي، مع إبداء رأيي المتواضع فيما خلص إليه من استنتاجات وأحكام في إطار النسق الذي وضع نفسه فيه..
- الفتنة، ما هي أسبابها؟ ومن تسبب فيها؟
هل يستطيع أن يُنكر مُنصفٌ موضوعي أن منطقة الريف عاشت أكبر عملية تهميش ممنهج منذ الاستقلال؟
هل يستطيع أن يَجْحد مُنصفٌ نزيه أن الدولة حكمت على منطقة الريف بالعزلة مع رفض إدماجها ضمن المكون المغربي ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا؟
ألم تعرف المنطقة أكبر عملية إقصاء متعمدة من جل المشاريع التنموية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال مقارنة مع الصحراء المغربية؟
ألا يسجل التاريخ ما تعرضت له ساكنة الريف من عقاب جماعي ممنهج في عهد الحسن الثاني؟
كيف تعاملت الدولة اقتصاديا وقانونيا واجتماعية مع تجارة وتهريب القنب الهندي طيلة السنوات الماضية؟
بعد زلزال فبراير 2004 استيقظت الدولة على وجود منطقة مهمشة اسمها الريف! فكيف تعاملت الدولة مع هذه الكارثة؟ كيف كانت التعويضات؟ وكيف تعاملت مع إعادة الإسكان والإعمار؟
كيف تعاملت الدولة مع عملية الهجرة الجماعية، أو الهجرة القسرية الاختيارية للعديد من الأحياء والدواوير المنكوبة التي فقدت مبررات البقاء في منازلها عقب الزلزال؟ هل تم فك العزلة عن هذه المناطق؟
هل تحقق – قبل الاحتجاجات – بناء مستشفى السرطان بالمنطقة التي عانى سكانها من آثار حرب الإبادة بسبب القنابل الكيماوية الإسبانية، علما أن هذه المنطقة تعرف أعلى نسبة إصابة بالسرطان بالمغرب؟
بعد الإجابة الموضوعية والنزيهة والشجاعة عن هذه الأسئلة، لابد من طرح أسئلة أخرى:
هل من المتوقع أن يظل ثلاث أجيال ما بعد الاستقلال تحت وطأة التهميش وواقع الإقصاء وألم «الحگْرة» دون إثارة الموضوع حقوقيا واجتماعيا وإعلاميا؟
هل من المقبول أن تظل ساكنة هذه المنطقة طيلة سنوات عجاف تخاطر بأبناءها في عمليات تهجير اضطرارية عبر قوارب الموت تحت وطأة أمن اقتصادي مسدود، واستقرار اجتماعي مفقود، وسعيا وراء خلاص موجود، هناك على الضفة الأخرى من البحر؟
هل وفرت الدولة فرص شغل بديلة عن تجارة القنب الهندي التي بسببها يذهب العشرات من أبناء المنطقة إلى السجن سنويا؟
ما هو المطلوب من ساكنة وأبناء المنطقة كي يُلفِتوا أنظار الدولة إلى كل هذه الأزمات والمشاكل التي يعيشونها بسبب تهميش الدولة لهم وإقصاء المنطقة من جل الأوراش والبرامج التنوية التي عرفها ويعرفها المغرب؟
أمام كل هذا، فهل يمكن لكل من استنكر على أبناء منطقة الريف المطالبة بحقوقهم أن يجيب عن السؤالين؛ ما هي أسباب الفتنة؟ ومن تسبب فيها؟
- الحقيقة الغائبة أو المغيبة:
هناك إجماع (إلا من أبى وجحد ذلك) أن حراك الريف بدأ سلميا وحضاريا من طرف ساكنة الريف وقادة الحراك بمناسبة انطلاق فعاليات الذكرى الأولى لمقتل محسن فكري، وتلك كانت مناسبة للساكنة من أجل التذكير بملفاتهم المطلبية ذات الطابع الاجتماعي، وكان من الممكن أم ينتهي الحراك سلميا وحضاريا كما بدأ.. لولا الطريقة العنيفة التي قررت بها السلطة قمع تلك الاحتجاجات ووضع حد لها بالطريقة التي تفضلها الدولة.. فمن الموضوعية والنزاهة السياسية والفكرية أن يتحدث السياسي المناضل عن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة قبل حديثه عن نتائجها، وعن منطلقاتها قبل حديثه عن نهايتها.. وعن عمقها وجوهرها قبل الحديث عن شكلها، بعيدا عن المزايدات أو التبريرات أو المغالطات.. فالتاريخ يسجل كل ذلك، وطوبى لمن تحلى بالشجاعة والموضوعية والنزاهة إحقاقا للحق وانتصارًا للحقيقة..
فالحقيقة التي أخرجت ساكنة الريف بدأت من يوم مقتل الشاب محسن فكري، والطريقة التي قتل بها، والسبب الذي قتل من أجله.. هنا بدأت الحكاية.. فلقد كنت محامي عائلة الشهيد محسن فكري بصفتهم مطالبين بالحق المدني خلال مرحلة الاستئناف، وإني على اطلاع دقيق بتفاصيل الملف، لذلك لن يزايد علي أحد فيما أعرفه من معلومات ومعطيات..
إن المتورطين الأساسيين والأولين فيما وقع هي المؤسسات التابعة للدولة، وفي مقدمتها وزارة الفلاحة التي كان على رأسها حينئذ الوزير عزيز أخنوش باعتبار أن قطاع الصيد البحري تابع لوزارته، ثم إدارة ميناء الحسيمة التي سمحت بدخول وبيع سمك بوسيف خارج الفترة المسموح بها وبطريقة غير قانونية، وقد تم ذلك تحت أنظارها ومراقبتها، وأخيرا السلطة المحلية التي أذنت لشاحنة الأزبال أن تعمل خارج القانون وإعطاء الأمر بقتل محسن فكري بتلك الطريقة البشعة (طحن مو)!! هذه هي الجهات الثلاث المسؤولة ابتداء وبطريقة مباشرة عن كل ما حدث..
أما المسؤولية غير المباشرة عن هذه الأحداث، فتتحملها الوزارات والمؤسسات التي تسببت في تأخير وتعطيل المشاريع والأوراش التنموية والاقتصادية والاجتماعية المخصصة لمنطقة الريف، وكدليل على ذلك قرارات الإعفاء التي اتخذها الملك في حق العديد من الوزراء والمسؤولين المتورطين في ذلك.. سواء حقيقة كانوا أو مجرد أكباش فداء..
- تأملات في بعض ما قاله الأستاذ المصطفى الرميد:
ولكن عندما يقول الأستاذ المصطفى الرميد «أن هناك أوراشا وقعت فيها مشاكل وهذا عادي في دولة متخلفة»، فهل ما تفضل به الرميد يعتبر تفسيرا للأحداث أم تبرير لها؟ هل يمكن اعتبار وقوع مشاكل في إنجاز المشاريع تفسيرا أم سببا للاحتجاج؟ وهل يصح اعتبار هذه المشاكل أمرا طبيعيًا في دولة متخلفة؟ هل تخلف الدولة سبب معقول ومقبول لنفسر به تعثر وتعطل أوراش تنموية تهم منطقة حرجة من المغرب عانت الإقصاء والتهميش لعقود من الزمن؟ على من سيحسب ذلك الزمن الضائع والمهدور من عمر شباب وأطفال منطقة الريف؟
ولكن ما هي هذه المشاكل التي كانت سببا في تعثر هذه الأوراش؟ وما هي أسباب هذه المشاكل؟ هل هي أسباب مرتبطة بفساد المسؤولين المحليين والمنتخبين؟ أم إن الأسباب تتجاوز المسؤولين المحليين والمنتخبين، وأبطالها شخصيات نافذة داخل الدولة لا يمكن «المس!» بهم، أو الاقتراب منهم، أو توجيه تهمة الإهمال أو التدخل ضدهم؟ نعم لقد قام الملك بإعفاء بعض الوزراء والمسؤولين، ولكن هل كان هناك تحقيق عميق ودقيق في الموضوع؟ وهل نُشر هذا التحقيق ليطلع عليه الرأي العام المغربي عامة والريفي على وجه الخصوص قبل اتخاذ القرارات وترتيب الجزاءات؟ ولماذا لم يفتح حوار جاد ومسؤول مع الساكنة عقب تلك الاعفاءات، والنظر السريع والجاد في مطالبهم المشروعة والعادلة؟ ولماذا ذهبت الأزمة في اتجاه التصعيد وأخذت مسار التوتر بدل التهدئة والتعقل؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
إن تحميل المسؤولية لساكنة المنطقة وشبابها أمر سهل ويسير، ولكنه مخالف للحقيقة والواقع، وما يكذب ذلك قرارات الإعفاء التي اتخذها الملك.. مما يعني أن الأزمة حقيقية وأعمق بكثير مما نتصور.. أكدتها وترجمتها قرارات الإعفاء تلك.. ولكن إرادة الحل ظلت عاجزة ودون المستوى المطلوب، وأخلفت موعدها مع التاريخ.. الأمر الذي فتح أبواب المنطقة على المجهول..
أما التخريب وحرق مقر مخصص لإيواء عناصر الشرطة بمنطقة قريبة من إيمزورن خلال شهر مارس 2017، فإنه يعيد إلى الذاكرة واقعة حرق مقر الشرطة خلال شهر فبراير من سنة 2011 خلال حراك عشرين فبراير والذي ذهب ضحيته خمسة من شباب ساكنة الريف، دون أن يكشف التحقيق عن المسؤول الحقيقي عن هذه الجريمة البشعة لتضيع معه الحقيقة وأرواح الضحايا.. فهل ظهرت الحقيقة كما هي مع جريمة حرق مقر الشرطة الذي كاد أن يودي بحياة العديد من عناصر الشرطة الذين حوصروا داخل المقر بسبب النيران.. أم غابت أو غُيبت كما غابت أو غيبت حقيقة الجريمة التي قبلها.. إن هذه الجرائم ومهما كان فاعلها ومرتكبها والجهات التي تختفي وراءها ستبقى دائما جرائم نكراء وبشعة، الهدف منها تأزيم الوضع وإشعال فتيل الفتنة لأهداف وغايات تضر بالوطن عامة وبمنطقة الريف على وجه الخصوص..
وأمام غياب الحقائق والمعطيات الحقيقية، فليس من المقبول ولا من المعقول تحميل المسؤولية لساكنة الريف وحدها عن واقعة حرق مقر الشرطة وعن كل الأحداث الأخرى، مع التأكيد على أن هذه الواقعة مهما كانت بشاعتها تظل نتيجة وليست سببا ضمن السياق العام لهذه الأحداث.. والذي يبقى حدثا معزولا على غرار الانتهاكات الحقوقية التي يرتكبها بعض رجال الأمن والتي يفضل الأستاذ الرميد أن يطلق عليها أيضا وصف «أحداثا معزولة».. وهذا هو الخلط والالتباس (بين السبب والنتيجة) الذي وقع فيه الأستاذ الرميد في معرض حديثه عن ذلك..
ومن غريب ما تطرق إليه الأستاذ المصطفى الرميد عندما تفهم ظروف رجال الأمن الذين يظلون جالسين في سياراتهم تحت الحر والمطر.. فرغم أن ذلك كان من الممكن تجاوزه ووضع حد سريع له لو أرادت الدولة إيجاد حل مناسب لتلك الأزمة، في الوقت نفسه، ماذا عن جزء مهم من المغرب عانى سكانه الفقر والتهميش والحگرة والضياع، وظلوا منتظرين حلا لوضعيتهم المتأزمة منذ الاستقلال إلى تلك الأيام المشؤومة؟ ألا يجب أن نتفهم سبب احتجاجهم وانتفاضتهم من أجل المطالبة بحقوقهم في حياة كريمة، وإلا لماذا خرج الأستاذ الرميد خلال حراك عشرين فبراير؟ أليس من أجل المطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية والملكية البرلمانية (للتذكير فقط)؟ وهل من العدل والمنطق أن تكون تجاوزات رجال الأمن مبررة، في حين تجاوزات الشباب المحتجين مجرمة؟ ومتى كان موضوع التجاوزات (التي يرتكبها رجال الأمن) على مستوى «الأداء العام» «مقبولا» كما وصفه الأستاذ الرميد؟ وما هي هذه التفاصيل الذي دخل الشيطان إليها؟ لقد تم اعتقال ما يقارب من 1200 شاب خلال الأيام الأولى، ووقعت انتهاكات موثقة وفق ما كشفت عنه العديد من التقارير الحقوقية الوطنية والدولية، وكذا شهود العيان، ووصلت الأحكام القضائية إلى عشرين سنة… وكل هذه المآسي كان من السهل تجاوزها لو ابتعدت الدولة عن اعتماد المقاربة الأمنية وعطلت ولو لفترة منهج التحكم والسيطرة.
.
- موقع الفاعل السياسي عند الخلط بين السبب والنتيجة:
ما تحدث عنه الأستاذ المصطفى الرميد من أعمال عنف شهدتها المنطقة خلال تلك الأزمة، والتي (ربما) افتعلتها جهات غالبا ما تكون مدسوسة – كالعادة لذلك الغرض – في قلب الحراك، وركب عليها جهاز الأمن بأعمال وقرارات متسرعة من أجل منع المسيرات وفض الوقفات، هي في مجموعها وحقيقتها عبارة عن نتائج مأساوية وتداعيات كارثية خطط لها وشارك فيها العقل الأمني المسكون بهاجس التحكم والسلطوية.. ولم يَقُدها أو يشارك فيها العقل السياسي المدني المتزن الذي يسعى إلى الفهم والتفهم، وينشد الحل السلمي العقلاني والعادل.. وهذه إحدى نتائج وتداعيات تهميش وإقصاء الفاعل السياسي لفائدة الفاعل الأمني في تدبير ملفات مطلبية ذات بعد اجتماعي وإنساني.. وللأسف هذه هي الحقيقة التي يقفز عليها الفاعلون والزعماء والقادة السياسيون (اليوم) إما خوفا من التضييق، أو حرصا على مصلحة، أو إيمانًا بجدوى منهج الضبط والتحكم.. لذلك يصبح بعض الفاعلين السياسيين (أحيانا) متحدثين وناطقين رسميين ضمن منهج الدولة ونسقها في معالجة الملفات الاجتماعية.. ويفكرون ويحللون ويفسرون من داخل منظومتها ووفق قواعدها.. أي التهرب من الحديث عن الأسباب الحقيقية للأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تسببت فيها الدولة نفسها، والتركيز على أحداث العنف ونتائجها، دون الحديث عن المقاربة الأمنية الفاشلة.. مع إلقاء الأضواء الكاشفة على بعض من تزعم أو قاد الاحتجاجات الاجتماعية، ووصْفِهم بالمخربين والانفصاليين وغيرها من التهم التي تسيء إلى الحراك وحقيقته وأسبابه وأهدافه العادلة، وإلى شبابه وقادته.. من أجل التأثير على الرأي العام وتبرير الاعتقالات والمحاكمات.. وتجنب أي تضامن شعبي محتمل مع الحراك وساكنته..
(يتبع)