الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

من.. المغرب ليس دولة مؤسسات إلى.. المغرب دولة المؤسسات.

 

 

 

 

محمد الشنتوف

*صحافي، باحث في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات.

 

 

في تحليل سريع لملاحظة دقيقة ترتبط بما وراء تدبير الأزمات في المغرب بين الأفراد أو بين الأفراد والمؤسسات، لاحظت من خلال بعض تجاربي الشخصية، وكذالك من خلال تجارب بعض الأصدقاء وتجارب عامة في المجتمع المغربي، بروز فكرة يحاول البعض استغلالها ليستمر في خرق القانون، أو ليخيف خصمه في الأزمة، تقول هذه الفكرة” ان المغرب ليس دولة مؤسسات، أنك إذا ذهبت ووضعت شكاية لدى مصالح الأمن الوطني، فستتجاهل شكايتك، إذا ذهبت للقضاء فلن تأخذ حقك، وإذا كنت تعمل مثلا في مجال الصحافة ووقع خرق للقانون في حقك، فلا جدوى من النقابة الوطنية للصحافة، ولا جدوى من المجلس الوطني للصحافة” ، إلى غير ذلك من الأمثلة والمجالات، على اختلاف القضايا والأزمات، فهل نصدق هذا التوجه المغرض، ونستسلم للظلم والفساد والنهب في حياتنا، أو نفكر في هجرة الوطن وترك الجمل بما حمل؟ أم نختار المواجهة.

 

في نظري المتواضع، هذه إحدى أخطر الأفكار التي تسيء للمغرب، دولة ومؤسسات، ومن يقومون بها في نظري، بإمكانهم فعل أي شيئ يؤكد هذا الطرح، فإمكانهم استغلال النفوذ والسلطة والفساد في بعض الأجهزة لتحقق نبوءة فكرتكم المسيئة للوطن، وعلينا مواجهتهم مهما كانت قوتهم، ولكن بالقانون، وبالهدوء اللازم أحيانا، ومع التصعيد اللازم في الوقت المناسب، وعلينا أن نستعد للهزيمة، ولكل الانتصارات المملكنة، فأما الهزيمة في هذه الحالة ستكون انتصارا، والانتصار دفاع عن هيبة الوطن، وهيبة الدولة والمؤسسات ، هو انتصار للمؤسسات قبل أن يكون انتصارك الشخصي، لا يمكنك أن تؤمن بالحرية والديمقراطية والعدالة والشفافية والمصداقية وتخاف من مواجهة الفساد كيف ما كان وأينما كان، والمواجهة من أجل استعادة حقوقك الكاملة في أي تجربة .

 

لكن دعوني أعزائي القراء، اطرح سؤالا بمعيتكم، وربما أنتم تطرحونه الٱن، هل فعلا المغرب ليس دولة مؤسسات؟، من خلال جرد بسيط لمسار المغرب منذ الاستقلال في سنة 1956 وإلى يومنا هذا، كان هناك انفتاح للمغرب على المؤسسات، ومحاولة منه لتقويتها من جهة، ومساهمة لبعض الأشخاص والجهات والمؤسسات لإضعاف أخرى من جهة ثانية، إلا أن دور المؤسسات لم يغب أبدا عن عقلية السياسة المغربية والتدبير المغربي، عن عقلية الدولة، في نهاية المطاف كان المغرب يجد نفسه محكما للمؤسسات في أحلك الظروف والأزمات، نعرف مثلا كيف ساهمت المؤسسات الحزبية في تاريخ المغرب في تدبير أزماته، سواء في فترة الملك الراحل الحسن الثاني، أو في فترة جلالة الملك الحالي، محمد السادس نصره الله، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، نتذكر كيف ساهم حزب العدالة والتنمية في تدبير أزمة الاحتجاجات سنة 2011، رغم قوتها وشراستها في الميدان، وارتباطها بسياق دولي واقليمي خطير، لم تشفى من تداعياته بعض الدول لحدود اليوم، هكذا إذا نتأكد من أن المغرب يحكم المؤسسات في تدبيره لشؤون البلاد والعباد، وعلى مستوى علاقات الأفراد ببعضهم أو بالمؤسسات، كان توجه المغرب واضحا، وهو إنشاء مجموعة من المؤسسات، لتكون هذه العلاقة مبنية على الديموقراطية واحترام القانون، وهنا نصل لاستنتاج واضح، وهو أن عدم احترام هذه المؤسسات واحترام القانون، يعود لعدم احترام بعض الأشخاص لهيبة الدولة ومجهوداتها، ولن نطلب منه في هذه الحالة احترام الأشخاص ولا حفظ الحقوق، بل علينا مواجهته بالقانون وبالذكاء والحذر اللازمين .

 

انطلاقا من الاستنتاج أعلاه، نفهم أننا بحاجة لنؤمن بقاعدة جوهرية في تدبير علاقاتنا مع الأشخاص أو المؤسسات لحظة الأزمات، تقول هذه الفكرة، ” مشكلتي مع بعض الأشخاص لا تعني ان لدي مشكلة مع المؤسسة، وحتى عندما تكون لدينا مشاكل مع المؤسسات، فلا مشكلة ستكون لدينا مع ” المؤسسة” كفكرة وكتنظيم طرحته الدولة وطرحه العلم لتدبير شؤون الأفراد، وتأطير علاقاتهم، سواء المهنية مثلا ” كالمقاولات” أو المدنية، ” كمنظمات المجتمع المدني” أو السياسية ” كالأحزاب، أو الأمنية” كجهاز الأمن الوطني او الدرك الملكي أو الجيش المغربي” ، ماذا تفهم من هذه الفكرة؟، تفهم أن مشكلتك مثلا داخل جمعية تنتمي لها، لا تعني أنك ستعتزل العمل المدني وتتخاصم مع” فكرة المجتمع المدني” وتبخس دوره في كل لقاء، ومشكلتك داخل الحزب لا تعني بالضرورة موت السياسة وتبخيس أهميتها في قاموسك، وفشلك في الزواج، لا يجب أن يدفعك لتصرح في كل لقاء صحفي أن ” الزواج مؤسسة فاشلة”، أنت الفاشل، فتحمل مسؤوليتك، ونفس الأمر فيما يرتبط بأحد خصومك، رئيسك في العمل هو الفاشل في تدبير علاقته بك في إطار احترام القانون. إحترام الإنسان كإنسان، وعليه أن يتحمل المسؤولية الكاملة إذا اخترت مواجهته بالقانون، مشكلتك ومشكلتي إذا مع الأفراد أو المؤسسات المسيرة من طرف الأفراد في نهاية المطاف، لا تعني ابدا أن مشكلتك مع الوطن او مع تلك المؤسسات كفكرة، الوطن مثلا يبقى فوق كل اعتبار، واحترامك وتقديرك له، يدفعانك لتطبيق القانون مع الجميع، واحترام المؤسسات في أي ظرف، وحب الوطن مهما كانت ظروفك ومشاكلك، الواجب يحتم علينا الثقة في القضاء والشرطة والنقابات والأحزاب والبرلمان إلى أن يتبث العكس، المهم أن نسلك مساطر القانون والمؤسسات في أزماتنا، فهذه ليست غابة، بل هذه دولة قائمة الذات لقرون مضت.

 

فكر معي بعدما وصلت لقراءة الفقرة الأخيرة من هذا المقال من مقالات السبت، وأنت حيث ما أنت ، صديقي العزيز، صديقتي الكريمة، إن احترام المؤسسات في هذا البلد يعني قمة التعبير منك عن حبك لوطنك، إذا كنت تخاف من خصمك لأن أحدهم يهددك قائلا: خصمك يعرف ” كبار الشخصيات” وسيغلق باب الزرق في وجهك، ولن تنال حقك في قضيتك معه، إنه يتحكم في النقابة والقضاء والأكسجين، عندما تصدق هذا الكلام وتخاف وتتراجع للوراء، فأنت تخون محبتك لوطنك، قبل أن تخون شجاعتك وشرفك ونفسك، ولكن دعني أخبرك أن الشجاعة لديها ثمن، وحب الوطن لديه ثمن، وتقدير نفسك وشرفك وكرامتك، لديهم ثمن كذلك، قد تأديه من عمرك، ومن مالك، ومن سعادتك، ومن هدوء تفاصيل حياتك ، إذا صادف وجمعتك الأيام بمن لا يحترمون القانون والمؤسسات ولا يحبون هذا الوطن، بمن لا يرحم، قد تسجن، أو تطرد، ولكنك ستنال حقك بطريقة ما مهما حدث،لأن المغرب دولة المؤسسات، ونحن علينا أن نساعد الصالحين في مختلف المؤسسات ليؤكدوا لنا فعلا أننا نعيش في دولة المؤسسات، الصراع هنا بين الخير والشر قوي جدا، ستخسر في بعض المعارك وتفوز في أخرى، لكن في جميع الأحوال، عليك أن تفتخر بنفسك، لأنك حاولت المساهمة في خدمة وطنك، من مكان، يخاف البعض حتى التفكير فيه، ستعيش أزمات صعبة، وقد تحزن بشدة، لكن لا بد من أن تنتصر يوما ما وبطريقة ما، لأن المؤسسات المغربية ليست فاسدة من الألف إلى الياء، وهناك مغاربة يحترمون الوطن والقانون، وعندها سيكون الانتصار مؤكدا لما جاء في عنوان هذا المقال، من ” المغرب ليس دولة مؤسسات” إلى ” المغرب دولة المؤسسات”، وهذا دورنا جميعا وواجبنا تجاه الوطن، قبل أن يكون تجاه أنفسنا.

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات