التعليم في عهد شكيب بنموسى
من الانهيار إلى الاحتضار
عبد المولى المروري – كندا
مباشرة بعد تعيين السيد شكيب بنموسى وزيرا على وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، كتبت موضوعا تحت عنوان: التعليم المغربي: “المستقبل والجودة، الوزير والوزارة الواقع والمستقبل”، (الرابط أسفله)، ومن بين ما افتتحت به هذا الموضوع ما يلي:
” التعليم ليس قطاعا عاديا، وليس قطاعا محايدا، وليس قطاعا ثانويا، التعليم هو الوطن والشعب، هو التاريخ والحاضر والمستقبل، هو الأمن والاستقرار، هو الهوية والوطنية، هو التقدم والتنمية، هو القوة والحماية… هو الدولة بكل هياكلها ومؤسساتها ومواطنيها. بالتعليم؛ الدولة والوطن هما كل شيء، وبدونه هما لا شيء.. “
” هو قطاع في منتهى الحساسية والخطورة، تفرِّغ فيه الدولة كل ايديولوجيتها وسياستها ونظامها بطريقة مكثفة ومركزة وعميقة، وبذلك تضمن تشكيل عقلية وبناء شخصية وفق نموذج معين يوافق متطلبات الدولة وأهدافها، حفاظا على وجودها ونموذجها، وخدمة لسياستها ومشاريعها .. “
ومما كتبته في ذلك المقال أيضا: “فرنسا ليست دولة محايدة أو عادية بالنسبة للمغرب، تربطها بنا علاقة استعمارية سابقة هي من أخبث أشكال الاستعمار، استعمار بمضمون صليبي، وبعد ثقافي،واستغلال واستنزاف اقتصادي، وإلحاق سياسي وقانوني، انتهت باستقلال عسكري واستعمار لا عسكري؛ علاقة تبعية اقتصادية وإدارية وسياسية وثقافية لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر… وبالتالي عملية تبادل السفارات بين البلدين لا يخضع للأعراف الدبلوماسية العادية والمتعارف عليها دوليا، بل يكون محكوما بعقلية استعمارية محضة، ومرتهن لاتفاقيات سرية سابقة كانت مقابل خروج فرنسا العسكري من المغرب، وتبادل السفارات والعلاقات الدبلوماسية والسياسية هي بالضرورة بخلفية الاستعمار القديم بشكله العسكري، وتحت مظلته بشكله اللاعسكري..
لكل ذلك، وأمام هذه المعطيات، من الصعب التصديق بأن السيد شكيت بنموسى سيدبر وزارة التربية والتعليم بعيدا عن أنظار ومراقبة وتوجيهات وتعليمات فرنسا، بل من المتوقع أن تعمل هذه الأخيرة على وضع معبر ثقافي وتعليمي يمر علنا إلى المناهج والمقررات المغربية تحت مسمى التعاون والتبادل، وقناة سرية تمر من تحت الأرض المغربية تستهدف العقل التدبيري لملف التعليم المتعلق برجال ونساء التعليم، ومن تم إلى عقل التلميذ، لتحقيق المزيد من التبعية والولاء إلى فرنسا لأطول مدة ممكنة، والحفاظ على مصالحها الاقتصادية والثقافية الفرنكفونية… “
وختمت الموضوع بما يلي :
” الآن، وبشكل رسمي لا يدع مجالا للشك أن التعليم دخل النفق المظلم، في طريقه إلى الانهيار السريع، على مستوى رسالته ومضمونه ودوره.. وسيتجلى ذلك ليس فحسب في تصريح ينم عن جهل مفاده ربط جودة التعليم بعدد التلاميذ، أو بقرار إقصائي ظالم متعلق بربط الدخول إلى هذا القطاع بثلاثين سنة… بل بما ينتظر أبناء هذا الوطن من مقررات ومناهج وبرامج ستسعى إلى تكريس المزيد من التخلف البنيوي في منظومة التعليم، وتخريج جيل معطوب ومعاق علميا، وتائه ثقافيا، جانح أخلاقيا، وهذا هو المستقبل المنتظر لا قدر الله… “
والآن وأمام فضيحة العقد الذي وقعه المغرب والذي بموجبه تمنح فرنسا قرضا ماليا إلى المغرب يقدر ب 134,7 مليون أورو مقابل تحسين مستوى الإتقان اللغوي للتلاميذ المغاربة، فهل بقي هناك شك في أن السيد شكيب بنموسي وزير التعليم والرياضة لا يمكنه أن يدير هذه الوزارة بعيدا عن أنظار فرنسا الاستعمارية؟ ألم أنبه حينها أن فرنسا ستعمل على بناء معبر ثقافي وتعليمي يمر عَلَنًا إلى المناهج والمقررات تحت مسمى التعاون والتبادل؟ أما القنوات والأنفاق السرية التي تجمع بين البلدين فلا سبيل لأحد معرفتها أو الوصول إليها إلا عن طريق تسريب أو اعتراف أو فضيحة مدوية.. أو بعد مرور عقود على ذلك، بعد أن تكون تلك المناهج والبرامج قد فعلت فعلتها في عقول ونفوس التلاميذ..
ماذا يعني أن تقدم فرنسا قرضا إلى المغرب يهم مجال وطنيا سياديا وحيويا هو التعليم؟
الغبي هو من يعتقد أن هذا العقد يهدف حصرا إلى الارتقاء بتدريس اللغة الفرنسية، وإن كان هذا الهدف وحده سُبّة في حق الوطن والدولة..
والمغفل هو الذي يعتقد أن هذا القرض مُنِح للمغرب حبا فيه وسعيا إلى مصلحته والارتقاء بتعليمه..
متى كانت قروض الدول المستعمِر تُدخل الخير على الدول الضعيفة أو المستعمَرة؟ ومتى كانت القروض المرهقة (بفوائدها وخدمة دينها وشروطها المجحفة) حلا للمشاكل؟
ألا تعلم الدولة المغربية أن هذا القرض لا يختلف في شيء عن تلك القروض التي كانت تُمنح لها خلال القرن 19 الميلادي، والتي كانت أحد الأسباب الأساسية في فقد سيادته واستقلاله؟ هل نسيت الدولة المغربية ذلك؟ أم تناسته؟ أم هي ترغب في ذلك؟
إن القرض الذي تفرح وتتفاخر به الدولة المغربية اليوم، لن يكون إلا شرا ووبالا عليها وعلى أبناءها غدا، وهذا مؤكد وثابت عبر التاريخ، ليس بالنسبة للمغرب فحسب، بل بالنسبة لكل الدول الضعيفة والمتخلفة، التابعة سياسيا واقتصاديا وثقافيا لدول الاستعمار السابق، والتي ما تزال تابعة له، وأكثر هذه التبعية اختيارية وليست قسرية، وللأسف الشديد ما تزال الدولة المغربية من الدول التي ظلت تابعة لفرنسا اختيارا وليس قسرا..
لا يخفى على مهتم بالشأن الثقافي والتعليمي أن أخطر أشكال التبعية هي التبعية الثقافية واللغوية، ذلك أن هذا النوع من التبعية يستهدف عوالم العقول والأفكار والقيم، ومتى تم التحكم في هذه العوالم سهل بعد ذلك التحكم في كل المجالات.. وبناء عليه، فإن إقدام المغرب على تسلم قرض مقابل التمكين للغة الفرنسية في مختلف الأسلاك التعليمية الأساسية هو تمكين لسيطرة اللغة الفرنسية بثقافتها وقيمها وفلسفتها على عقول التلاميذ المغاربة.. وهذا يصب حتما في استمرار التبعية لفرنسا وتسليم رقبة الدولة والشعب إلى المستعمر العسكري القديم، والتمديد لعمر الاستعمار الثقافي والاقتصادي والسياسي..
اللغة ليست بريئة، ولم تكن قط كذلك، اللغة هي وعاء الفكر ومصنع الثقافة، وإبريق القيم التي تُصب في عقول ونفوس دارسيها في غياب أي برامج تحصينية وتثقيفية مقابلة تزيل الغث من السمين، والنافع من المسموم.. ولا أعتقد أن وزارة شكيب بنموسي من الجهات الجادة التي تهتم لذلك..
اللغة هي أسهل وأخطر طريقة يمكن بها اختراق طبقات العقل وحصون القيم من أجل توجيه الفكر نحو ثقافة أخرى، وبناء قيم جديدة عليها، وبهذه الطريقة يسهل توظيف جيل كامل وفق ما تحمله ذلك الفكر وتلك الثقافة فيما تريد فرنسا.. ولا أظن أن ذلك خافيا على الدولة ولا على السيد شكيب بنموسى! فما الذي حملهم على ذلك؟
المشكلة العظمى أن اللغة الفرنسية تراجعت كثيرا مقارنة مع لغات حية أخرى، ولا سيما اللغة العربية التي يزداد انتشارها واتساعها ونفوذها كل يوم، بما فيها دولة فرنسا نفسها.. وفي المقابل أصبحت اللغة الفرنسية تبتعد تدريجا عن كونها لغة العلم لفائدة اللغات الأنجليزية والإسبانية والصينية.. ولم يتبق منها إلا عنجهية دولتها وغطرستها التي تكابر بها من أجل فرضها على ما تبقى من مستعمراتها القديمة.. علما أن العديد من الدول الأفريقية التي كانت تحت احتلالها تخلصت أو أصبحت تتخلص من اللغة الفرنسية..
من المؤكد أن إقدام الدولة في شخص وزارة التعليم على قرار التمكين للغلة الفرنسية في التعليم يندرج في إطار تكريس سياسة تدمير التعليم وإدخاله حجرة الموت السريري، بسبب استعمال لغة هي الاخرى دخلت مرحلة الاحتضار، وهذا ما تؤكده العديد من التقارير العلمية ذات الصلة، ولا أدري هل سبب هذا القرار السخيف بسبب القرض الذي يصل إلى 134,7 مليون أورو الذي طمعت فيه الدولة؟ أم بسبب رغبة فرانكوفونية عند أصحاب القرار؟ أم كلاهما معا؟ فالقرض هو استغلال وابتزاز للدولة وإرهاق للشعب، وفي الوقت نفسه هو إلحاق وتبعية غبية لفرنسا.. ولا ينكر ذلك إلا غبي جاهل أو عميل متواطئ..
ومن المحير فعلا، أن الدولة نفسها تنفق بسخاء كبير على رياضة كرة القدم من ميزانية البلد، وأحيانا من بعض صناديقها السوداء، إلا أنها في موضوع الإنفاق على التعليم تقترض من الدول الغربية والصناديق المالية الدولية.. كيف نفسر هذا؟ فهل سمعتم أن وزارة الرياضة (وهي بالمناسبة تابعة لوزارة التعليم بقيادة شكيب بنموسي) أو الجامعة الملكية لكرة القدم اقترضت مبلغا ماليا من أجل النهوض بكرة القدم؟ ولكن في العديد من المناسبات تخرج علينا الدول بخبر الاقتراض لتحسين جودة التعليم والنهوض به في الوسط القروي، أو من أجل بناء عشرات المدارس وغير ذلك من الأخبار المماثلة…
في الحقيقة لا أجد تفسيرا مقنعا لهذا التصرف الأحول، غير التفسير الذي يقول إن التعليم بالنسبة للدولة عبء وثقل، وهم وغم لا تحتمله مالية الدولة، ويجب الاقتراض من أجله كي يبقى تابعا وملحقا للجهة الدائنة، وليس الادخار له والانفاق من ميزانيتنا حفاظا على سيادتنا واستقلالنا وهويتنا.. فالتعليم لا يستحق عند الدولة التضحية والحماية من الأجنبي.. في حين أن كرة القدم قد أصبحت قضية وطنية عليا، ومن دعامات الدولة التي تستدعي التجوال في العالم لاستقطاب المهرة في المجال، وإغرائهم بالأموال، وإقامة الحفلات من أجلهم.. هذا لسان حالها ولو لم تقله بلسانها..
أسفرت الدولة عن توجهها الجديد/القديم مباشرة مع تعيين حكومة أخنوش الأوليغارشية، حيث قرر وزيرها في التعليم بإقصاء من هم فوق الثلاثين من العمر من الولوج إلى التدريس، وكأن المدارس المغربية تعرف تضخما في عدد المدرسين، بعدها أخذ في التحايل على المقررات والمناهج من أجل تثبيت موقع اللغة الفرنسية، ثم انطلق في معركته الأخيرة الخاسرة في فرض النظام الأساسي الذي أبان عن أوليغارشية الحكومة وعقليتها الأمنية، ولكن هزيمته إلى جانب حكومته كانت مدوية بعد أن ارتكب جناية تعليمية في حق ملايين التلاميذ ضحية مخططات الدولة المعاكسة لمصلحة البلد..
ختاما، لا يجنب أن ننسى أن السيد شكيب بنموسي وزير التعليم هو فرنسي الجنسية، وهذا ليس بالأمر الهين أو الحدث العابر، فهذا الأمر له ما له من تبعات ومآلات.. درس بفرنسا وكان سفيرا لديها، ولا يجب أن ننسى أنه سلم المسودة المتعلقة بالنموذج التنموي الجديد للسفيرة الفرنسية قبل الدولة المغربية، ولا يجب أن ننسى أنه كان مديرا ناجحا جدا في شركة وطنية لإنتاج وبيع الخمور، ولا يجب أن ننسى أنه كان وزيرا للداخلية وفي عهده وقعت أحداث سيدي إيفني الأليمة.. لا يجنب أن ننسى هذا السجل الحافل بالمصائب والكوارث.. وقد انضافت إلى سجله اليوم كارثة القرض الفرنسي من أجل إلحاق التعليم بفرنسا والتنازل على ما تبقى من سيادتنا التعليمية واستقلالنا الثقافي.. حيث في عهده دخل التعليم مرحلة الاحتضار.. وهذا هو المستقبل الذي تحدثت عنه في الموضوع الذي أشرت إليه أعلاه..