التطبيع بين إكراهات الدولة وإرادة الشعب
عبد المولى المروري – كندا
إذا كان لا شيء اليوم يبرر استمرار تطبيع الدولة المغربية مع الكيان الغاصب، أمام مشاهد الإبادة الجماعية والقتل الوحشي والتجويع المتعمد.. فهل هناك ما يبرر استمرار فتح أبواب المغرب في وجه هذه العصابة الإجرامية لاتفاقيات تجارية وأنشطة اقتصادية مشبوهة، وفتح أسواق المغرب في وجه سلعه وبضائعه المسمومة؟
الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن العلاقات المغربية مع العصابة المحتلة تأخذ وثيرة متسارعة على مستويات متعددة، واسعة وعميقة، مع شخصيات نافذة ومؤثرة داخلة الدولة، أحيانا في السر وبأساليب ملتوية، وأحيانا بوجه مكشوف وقحٍ..
لا أدري ما الذي يجعل الدولة تضع نفسها في مواجهة صريحة مع شعبها فيما يخص هذا التطبيع، هي في واد والشعب في واد آخر، فلم يعد خافيا على أي متتبع أن الغالبية الساحقة من الشعب المغربي يقف موقفا واضحا جليا ضد التطبيع، ومع ذلك فإن الدولة موغلة ومُمْعنة في تطبيعها مع الكيان المحتل، ضدا على إرادة شعبها، وهذا يطرح أسئلة عريضة جدا ؛ فهل ما شجع الدولة على ذلك لأنها تشعر بأنها قوية جدا إلى درجة أنها لا تأبه للشعب؟ أم لأن الشعب ضعيف جدا إلى درجة أنه لم يستطع أن يضغط على الدولة؟ أم لأن نخبتها السياسية والثقافية مائعة إلى درجة أنها أضحت محتقرة من طرف الدولة والشعب فلم تستطع إقناع الدولة عن الرجوع عن التطبيع؟ وما هي مصلحة الدولة في كل هذا؟
هناك قولة سخيفة وسمجة تقول؛ «للدولة إكراهاته وللشعب مواقفه»، وإني لأتساءل كما يتساءل الشعب، ما هي هذه الإكراهات التي تجعل الدولة متعارضة مع شعبها؟ ما هي هذه الإكراهات التي تجعلها تضع مصير الوطن والشعب في يد عصابة تُكِن حقدا تاريخيا متأصلًا لكل عربي ومسلم؟ ما هي هذه الإكراهات التي تدفع الدولة إلى فتح أبواب الوطن مشرعة في وجه مخربين للقيم والأخلاق والاقتصاد والمجتمع والحرث والنسل؟ ما هي هذه الإكراهات التي تعرفها الدولة وحدها، ولا يعرفها الشعب بعلمائه ومثقفيه وسياسييه وحقوقييه وعامته وخاصته؟ ماذا استفادت مصر من اتفاقية كامب ديفد؟ ماذا استفادت منظمة التحرير الفلسطينية من اتفاقية أوسلو؟ ماذا استفادت الأردن من اتفاقية وادي عربة؟ إلا الخراب والأزمات والويلات؟ فهل مع كل هذا ما تزال الدولة تطمع بأن يكون لهذا العدو دور في دعم مغربية الصحراء؟ علما إنه وإلى حدود اليوم ما يزال يتلون كالحرباء في هذا الموضوع، ويوهِم الدولة بأنه معها، والحال أنه يناور ويتلاعب ويبتز دون اعتراف محتمل لا في المستقبل القريب، ولا في المستقبل البعيد ..
فإصرار الدولة على مواصلة وتطوير التطبيع على كافة الأصعدة يدفع الإنسان إلى الشعور وكأن هناك مصيرا واحدا مشتركا بين الدولة والصهاينة يجعلها متشبثة كل هذا التشبث يكاد يضاهي أو يقترب من دول خليجية أخرى! وكان ذلك واضحا عندما عارضت فرض عقوبات على الكيان في القمة العربية الإسلامية الأخيرة، وفي المرافعة الكتابية الضعيفة أمام محكمة العدل الدولية..
للأسف إن التشبث بهذا التطبيع البئيس، وبهذه الطريقة الغريبة يفرض هذا الانطباع، رغم محاولات طرده من العقل والتخلص منه بكل الطرق! فالدولة لم تعط أي إشارة ولو صغيرة بأنها مستعدة لتوقيف قطار التطبيع، ولو مؤقتا.. وكأن رأي شعبها لا يعنيها في شيء، وكأنها لم تسمع ولم تر كل تلك المسيرات والمظاهرات والنداءات التي تدعو بقوة وحرقة إلى إنهاء التطبيع! وكأن هذا التطبيع هو الجنة الموعودة والنعيم الخالد، في حين ما هو إلا عار وشنار وخراب ودمار.. لا شك في ذلك..
فلم يعد هذا الكيان ينفع في شيء، فأسلحته وأجهزته العسكرية لم تعد تنفع بعد أن دُمِّرت وافتضحت عيوبها، ولا أجهزته الاستخباراتية التي كان الكثير من الأغبياء يتوهمون أنها خارقة بعد أن تم اختراقها بسهولة، ولا تقنياته الفلاحية بعد أن أصبح يستجدي الخضر والطعام مع تسهيلات مزجية من طرف بعض الأنظمة العربية الخائنة.. التي تجتهد في إطعام القاتل وتجويع المظلوم.. فما هي المصلحة التي تتوخاها الدولة في الاستمرار في التطبيع معه؟ وما هي هذه الإكراهات التي خفيت عن الجميع ولم تخف عليها؟ لا شيء من ذلك طبعا.. فلماذا التطبيع ما يزال قائما ومستمرا ومتوسعا فيه؟
هل هناك حاجة مغربية حقيقية لشركاته التي أصبحت تنمو وتتكاثر سريعا في الداخل المغربي كالفطر؟ وهل هناك ضرورة وطنية تجعل بعض مسؤولي الدولة يعقدون شراكات تجارية واقتصادية معهم؟ وهل هناك مطلب علمي يجعل بعض الجامعات المغربية توقع مع جامعاتهم اتفاقيات غامضة، لا بُعد لها إلا البعد الاستخباراتي التجسسي..؟ في حين نسمع اليوم عن جامعات عريقة في أوروبا أوقفت جميع العلاقات العلمية مع جامعات هذا الكيان الغاصب! أين عقل الدولة؟
الغريب أن كل هذا يقع تزامنا مع إمعان هذه العصابة المجرمة في قتل الأطفال جوعا، وتشريد الأسر، وتدمير المنازل والأحياء على رؤوس ساكنيها… والدولة ترى كل هذا، ولم تتحرك فيها شعرة إنسانية، ولا قطمير من نخوة وطنية، ولا حبة خردل من أخوة إسلامية..
متى تتعقل الدولة المغربية وتكف عن هذا العبث؟