الوطنجية والوطنجيون
الجزء الثالث
2/ أساتذة جامعيون وطنجيون: (تتمة)
عبد المولى المروري – كندا
ت – قضية الصحراء المغربية:
من القضايا التي يشتغل فيها الوطنجيون المثقفون من الأساتذة الجامعيين وبكثرة هي قضية الصحراء المغربية، وخصصوا لها حيزا مهما من لقاءاتهم وملتقياتهم.. ومع التأكيد بأن الاهتمام بقضية الصحراء المغربية والدفاع عن مغربية الصحراء يندرج في إطار الدفاع عن الوحدة الوطنية المستهدفة تاريخيا من طرف الاستعمار وأعداء المغرب، وإذا كان من الواجب الدفاع عن وحدة التراب الوطني في إطار استكمال السيادة المغربية على كل الثغور والجيوب التي ما تزال خارج السيادة المغربية، وإذا كان من الواجب فضح كل المؤامرات التي تستهدف وحدة الوطن والتعرض لكل حملات تزييف الحقائق التاريخية والقانونية التي تؤكد انتماء الصحراء إلى كل التراب المغربي بعد تحريرها من الاستعمار الإسباني.. فبأي منهجية يجب أن يكون ذلك؟ وبأي مقاربة؟
من المعروف عن المثقف العضوي، والأستاذ الأكاديمي، والسياسي المناضل أنهم يضعون مسافة موضوعية بينهم وبين خطاب الدولة السياسي الرسمي، ذلك لأن المنهجية العلمية والمقاربة الأكاديمية تكون أكثر التزاما بمنهجية التحليل العلمي، وأكثر انضباطا لقواعد الموضوعية والنزاهة العلمية، بعيدا عن المزايدات السياسية والروباغوندا الإعلامية، فهؤلاء النخبة يعتبرون عقل الدولة المفكر، وضميرها المستنير الذي يكون بعيدا عن المؤثرات الخارجية، أو الاندفاع العاطفي أو الميولات النفسية، ولا يهم هنا إرضاء الدولة أو إزعاجها.. بل توجيهها وتقديم النصح لها، وإبراز ما خفي عنها من مآلات أو تداعيات بسبب ضعف تحليل ساستها أو قصور نظرهم، فالصرامة العلمية والضوابط المنهجية، واستحضار الأبعاد الحقيقية، واستحضار المصلحة العامة والوطنية… فوق كل المزايدات والمهادنات والمداهنات.. وفوق البوليميك والبروبغندا السياسية والإعلامية.. أو المشاحنات الفارغة والتافهة..
للأسف ما نشاهده متداولا بين زمرة المثقفين والأكاديميين والأساتذة الجامعيين الوطنجيين من لقاءات ومخرجات يصيب بالصدمة والذهول، فكلامهم لا يخرج قيد أنملة عن الخط الإعلامي والسياسي التي اختارته الدولة لنفسها في معالجة قضية الصحراء المغربية، فأصبحوا عبارة عن ببغاوات يرددون كل كلمة صدرت عنها، دون تحليل نقدي، أو إضافة نوعية، أو تصحيح لمنهج، أو استدراك على خطإ.. مهمتهم الوحيدة هو التكرار والترديد الذي يصل أحيانا إلى حد التطابق في الكلمات والعبارات.. فهل كل قرارات الدولة وسياساتها وتدابيرها لملف الصحراء المغربية كانت صحيحة وصائبة وناجحة بما يكفي، ويستدعي دائما الإشادة والتطبيل من طرف هؤلاء؟ ألم تكون هناك إخفاقات ديبلوماسية أو أخطاء سياسية؟ ألا يستدعي بعضها مراجعة أو قراءة نقدية موضوعية؟ ألم تكن هناك تجاوزات على المستوى الحقوقي والاجتماعي والتنموي من طرف الدولة وسلطتها وأمنييها في أقاليمنا الصحراوية المسترجعة؟ وهل قضية الصحراء المغربية قضية تهم الدولة المغربية وحدها، فتحتكر فيها التفكير والتخطيط والتدبير والقرار؟ أم هي قضية وطنية شعبية تهم كل المغاربة، الأمر الذي يستدعي المشاركة العامة والمساهمة في النقاش العمومي، والاستماع لكل الآراء، بما فيها الآراء المخالفة لسياسة الدولة في الموضوع؟
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل انساق هؤلاء المثقفون الأكاديميون والأساتذة الجامعيون الوطنجيون في حملات التشهير وسب خصوم الوحدة الوطنية بطريقة تشابه وتماثل ما يقوم به عوام الناس أو بعض الإعلاميين التافهين، وركبوا موجة التصعيد والاستعداء المجاني الذي يتعارض مع أسلوب ومنهج وأخلاق المثقف والأكاديمي الذي يغَلِّب منهج ومنطق الحوار والتعقل والحلول الهادئة البعيدة عن التشنج والاستعداء الذي لا يخدم إلا المستعمر القديم والقوى الغربية المعادية لأي عمل وحدوي مغاربي أو عربي.. فهل الدفاع عن مغربية الصحراء يتطلب بالضرورة القيام بحملات استعدائية مجانية ضد الجيران وضد المغاربة الصحراويين المغرر بهم؟ وهل مطلوب من المثقف والأكاديمي والأستاذ الجامعي أن يزاحم عوام الناس وسفهائهم في استعمال عبارات نابية وكلمات مسيئة مشحونة بالحقد والكراهية؟ أليس من الواجب على هؤلاء الأطر الفكرية أن يفتحوا جسور الحوار والتواصل والنقاش القانوني والتاريخي الهادئ والموضوعي مع نخب ومثقفي وعلماء الأقاليم الصحراوية المغرر بهم، بدل الدخول في حملات صبيانية رخيصة ضررها على القضية واضح وجلي؟ هل على المثقف والأكاديمي والأستاذ الجامعي أن يرتقي بفكره وخطابه وأسلوبه وسلوكه إلى مستوى القانوني المتحضر والعلمي الراقي؟ أم عليه – باسم الدفاع عن الوحدة الترابية – السقوط في التفاهة والإسفاف والرداءة شأنه شأن رواد إعلام التفاهة والابتذال؟
ج – العلاقات الدولية: