أين هي الحقيقة؟
سر صمود كيان هش ودور الأنظمة الاستبدادية
عبد المولى المروري
معركة 7 أكتوبر كشفت عورة الكيان الغاصب، ضعف عسكري واستخباراتي، جبن ميداني وهزائم مسترسلة.. ومع ذلك ما يزال صامدا!
أين هي دبابات الميركافا الخارقة؟
أين هي القوة الاستخباراتية المرعبة؟
أين هو الجيش الذي لا يقهر؟
أين هي العلوم التكنولوجية الرهيبة؟
كل ذلك تبخر أمام طوفان الأقصى وما تلاها من أيام..
هذه المعطيات العجيبة حول جيش الاحتلال جعلتني أتساءل باستغراب.. ما الذي ساعد هذا الكيان أن يبقى صامدا إلى اليوم مع ما بدا منه من ضعف وجبن وهزال وارتباك؟
هناك أمران لا ثالث لهما هما اللذان منحا لهذا الكيان الحياة طيلة هذه السنوات..
الأمر الأول: الأنظمة العربية المتواطئة
الأمر الثاني: الدعم الأمريكي والأوروبي
فكيف سيكون مآل هذا الكيان لولا هذان الأمران؟
وهنا تتناسل الأسئلة التالية:
ما الذي دفع الأنظمة العربية قديما إلى خيانة القضية الفلسطينية؟
وما الذي شجع هذه الأنظمة على الاستمرار في الخيانة رغم تبدل قادتها؟
وما هو سبب الإعلان عن هذه الخيانات والتبجح بها في عهد القادة الجدد بعدما كان الجيل السابق من القادة يمارس خيانته في السر والخفاء؟
ما الذي شجع قادة الأنظمة الحالية على هذا الإصرار في حماية الكيان الغاصب ومواصلة دعمه والصمت على جرائمه والامتناع عن مقاطعته رغم اعتراض ورفض شعوبها؟
لماذا لا يلتفت حكام الدول العربية إلى اعتراض واحتجاج شعوبها على التطبيع مع الكيان الغاصب، ولا يحركون فيهم شعرة خوف أو همسة رعب؟
وما الذي شجع الدول الغربية على دعم هذا الكيان؟
ما الذي يجعل الدول الغربية تساند الكيان الغاصب مع ما تعانيه من حرج وصعوبات وأزمات اقتصادية وسياسية بسبب ذلك، بدل دعم القضية الفلسطينية مع ما سيجلب لها هذا الدعم من مكاسب اقتصادية وسياسية؟
لماذا فضلت الحكومات الغربية الكيان الغاصب مع ما يجلب ذلك من الخسارة، على دعم فلسطين مع ما يجلب لها ذلك من ربح مؤكد؟
لماذا تصر حكومات الدول الغربية على صم آذانها عن كل النداءات الدولية التي تدعو إلى حماية المدنيين، وفي المقابل تفسح المجال للكيان الغاصب من أجل مواصلة إبادة وتهجير أهل غزة؟
لماذا لا تخشى حكومات الدول الغربية انقلاب الأنظمة العربية عليها؟
هل الإجابة عن كل هذه الأسئلة أمر صعب ومتعذر؟
يمكن اختصار الأجوبة فيما يلي:
– الأنظمة العربية وصلت إلى ما وصلت إليه من وقاحة بسبب الاستخفاف بشعوبها التي تعرضت لسنوات وعقود من برامج ومناهج التدجين والتجهيل، فكانت هذه الشعوب أضعف من أن تهدد حكامها.. حكام استخفوا شعوبهم فأطاعوهم..
– تخلي الأغلبية الساحقة من علماء الأمة ومثقفيها ومفكريها وسياسييها عن تحمل مسؤولياتهم في توعية الشعوب وتأطيرهم وإخراجهم من مستنقعات الجهل والتدجين إلى فضاءات الفكر والثقافة والوعي والنضج.. إما جبنا وخوفا من بطش الحكام، أو طمعا في مكاسب ومنافع محققة منهم، أو تزلفا وتملقا إليهم.. وفي جميع الحالات هي خيانة وتواطؤ..
– استغلال الحكومات الغربية واقع العالم العربي الذي تسيد وطغى فيه حكامه، وفر وجبن فيه علماؤه ومثقفوه، وتدجنت وتخلفت فيه شعوبه.. وكان ما نرى من ضعف وذل وهوان، وجبن وخيانة وخذلان، وظلم وتجبر وطغيان.. ولكن كل ذلك تهاوى أمام الطوفان..
فالنصر يبدأ عندما نغير ما في أنفسنا، ونزيل ما علق فيها من ذل وجبن ووهن وهوان، ونطهر قلوبنا من النفاق والتملق، ونحرر وعينا من أسر الطاعة العمياء..
النصر يأتي عندما يصدع علماء الأمة بالحق أمام سلاطين جائرين، عندما يتحرر المثقفون من أسر الجبن والتملق للحكام، ويتكلموا في عقول الشعب كي يتحرر من استخفاف واستغباء الحكام الطواغيت..
والنصر قادم عندما تنتفض الشعوب ضد الجهل والظلم والاستعباد والاستخفاف التي وضعها فيها الأنظمة الاستبدادية طيلة عقود من الزمن..
فنصر الله مشروط بنصرنا لله، ومن ابتغى نصرا بعيدا عن نصر الله ما حصد إلا الهزائم والذل والهوان.. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها.. ولن تنتصر آخر هذه الأمة إلا بما انتصر به أولها.. ومن ابتغى العزة في غير دين الله أذله الله..
وما النصر إلا من عند الله، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ..
فسر صمود الكيان الغاصب يكمن في شعوب عربية جاهلة مدجنة، وعلماء تائهين في مواضع فقهية تافهة ومتجاوزة، ومثقفين شاردين في قضايا هامشية، وأنظمة عربية غارقة في الفساد، راتعة في الاستبداد، ومستمتعة بالخيانة.. عندما يسقط كل هذا، حينها ترفع راية النصر في القدس..