التدبير المفوض أم الإثراء غير المشروع؟
البدالي صافي الدين/المغرب
للفساد عدة أوجه و من أحد أوجهه الإثراء غير المشروع الذي له ارتباط عملي بالفساد ونهب المال العام و بالرشوة . و الإثراء غير المشروع هو ما يتم تحصيله من أموال ملحوظة و في مدة قصيرة من الزمن، حيث يتمكن شخص من مراكمة ثروة لا تتناسب و الدخل اليومي أو السنوي من تجارته أو من شركته أو من وظيفته. و مدخل الإثراء غير المشروع هو الرشوة، التي تمكن الحصول على امتيازات غير قانونية كالظفر بالصفقات العمومية خارج القانون أو الحصول على رخص استثنائية لاستغلال المقالع الرملية أو التدبير المفوض أو الاستيلاء على الأراضي السلالية أو أراضي الدولة أو أراضي الأوقاف بأثمنة بخسة تحت ذريعة الاستثمار في السكن الاجتماعي ، و تكون الرشوة هي المفتاح للحصول على هذه المكاسب غير المشروعة.
من أبرز الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن، نجد الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد الصادرة سنة 2003 حيث أبرزت بأن الإثراء أو الكسب غير المشروع، يبقى من بين أكثر أشكال الفساد. وتعود أصول منع الإثراء غير المشروع إلى العهد الروماني، حيث،” نص الموجز القانوني الروماني في أحد نصوصه على كون العدالة الطبيعية تقتضي ألا يغتني أي فرد من المجتمع على حساب الآخرين”.
و من ضمن مجالات الإثراء غير المشروع التدبير المفوض الذي دخل مجال الامتيازات بعد فشل الجماعات الترابية في تدبير النفايات المنزلية و مجاري الصرف الصحي في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، بعد ما كانت الجماعات تدبر هذا القطاع بأبسط الوسائل و بتكلفة قليلة حتى أن بعضا منهن فازت في 1980 بميداليات ذهبية، جزاء لها على مستوى النظافة والمحافظة على البيئة وتنظيم مطارح النفايات، و منها بلدية الداخلة و بلدية قلعة السراغنة و جماعة عين الذياب، و كانت بلدية أكادير تعتبر النموذج في تدبير النفايات و التطهير و المحاظة على البيئة، دون تدبير مفوض، بل كانت تستثمر الموارد البشرية وآليات النظافة و التطهير أحسن استثمار. و لم تتخذ وزارة الداخلية الجماعات الرائدة في هذا المجال كقدوة، بل لجأت الى سياسة التدبير المفوض الذي على إثر سقوط الدار البيضاء في أزمة النظافة و التطهير بفعل الفساد المالي و الوظائف المشبوهة و الوظائف الشبح و انصراف المنتخبين إلى التسابق على المصالح الشخصية و الإثراء غير المشروع، و من أجل التخلص من المسؤولية والبحث عن بدائل لإنقاذ المدينة من الانهيار البيئي ومخاطر المياه الشتوية و المياه العادمة والنفايات مما، تم التعاقد مع شركة ليديك ، شركة مغربية تابعة لشركة سويز الفرنسية المتعددة الجنسيات، حيث حصلت على عقد لأكثر من 30 عاما في ظروف مثيرة للجدل من قبل إدريس البصري في عام 1997. و قدرت أرباحها في نهاية ديسمبر 2015 بنحو 6934 مليون درهم وقوتها العاملة 3600 موظف. لقد حققت أرباحا على حساب الجودة و الإتقان، لأنها تتمتع بحصانة الداخلية و المستشارين و الولاة و العمال بالدار البيضاء، أخذت تراكم ثروات غير مشروعة و من معها من المسؤولين عن الشأن المحلي، تاركة العاصمة الاقتصادية غارقة في أزمة أبدية فيما يخص تدبير النفايات و الصرف الصحي و الماء و الكهرباء. و النموذج الآخر هو جماعة بوزنيقة حيث تم كشف المستور في التدبير المفوض بعد الوقوف على اختلالات مالية و تدبيرية داخل الجماعة أبطالها هم رئيس شركة “أوزون” للنظافة، الرئيس السابق لجماعة بوزنيقة، والمهندس بالجماعة حيث تم توقيفهم من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية،مساء الإثنين 5 فبراير 2024، ولا زال الملف في بداية البحث تحت إشراف الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء. و في نفس السياق يتساءل الرأي العام بقلعة السراغنة عن الطريقة التي دخلت بها شركة “أوزون” للتدبير المفوض المتابع رئيسها حاليا بتهمة اختلالات تدبيرية بجماعة بوزنيقة و تم إقصاء الشركة السابقة و إبرام الصفقة مع هذه الشركة، رغم أدائها المتواضع. إذن هي بدأت تراكم أرباحا على حساب وحسن الأداء أمام صمت المسؤولين و هو ما يفسر بأن هناك تواطؤ خفي ضد المدينة و أهلها من أجل الإثراء غير المشروع.
إن الذين يتهافتون على التدبير المفوض ليس من دافع الصالح العام أو المساهمة في تنمية المدن بل من أجل الإثراء غير المشروع، لأنه في الدول المتقدمة يعتبر التدبير المفوض قيمة مضافة للتنمية و رقي المدن و تطور حضارتها و ليس كما هو عندنا في المغرب، التدبير المفوض مدخل للإثراء غير المشروع .