إسهاما في نقاش مدونة الأسرة: الراهن والمأمول
المصطفى زوبدي/المغرب
كان لافتا أن يصدر أمر ملكي إلى رئيس الحكومة في عز تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب الأطلس الكبير (الحوز والأقاليم المجاورة: 8/9/2023 ) بتشكيل لجنة للنظر في وثيقة مدونة الأسرة تقييما وتحيينا، وفق ماتتطلبه تجربة اعتمادها قرابة 20 سنة منذ صياغتها سنة 2004 ،أخذا بعين الاعتبار مقتضيات الظرفية الدولية وما رافقها من تفاعل مجتمعي، يطبعه قلق فكري يختلط فيه الحقوقي بالسياسي ولايخلو من مماحكات ايديولوجية. وأكيد أن عملا كهذا يستدعي التناغم عبر استنفار المؤسسات الموازية، وخلق دينامية للتشاور مع هيئات وإطارات وفعاليات مختلفة المشارب، لها ارتباط بالشأن المجتمعي بكل أبعاده بمافي ذلك الشأن الأسري.
تفاعلا مع الحدث:
سيرا على هذا السياق، وإسهاما في النقاش الدائر حول الموضوع، وتعميقا لمقال تفاعلت من خلاله مع أمر الدعوة بفتح ورش المدونة،(1) أسجل مايلي :
انطلاقا من العنوان أعلاه، وانسجاما مع مفهوم الأسرة كلبنة أساسية في بناء المجتمع، يقتضي الأمر الانطلاق من أرضية تشكل بوصلة تفضي إلى بناء معمار متناغم غايته تشكيل حاضنة تضمن الاستقرار، والفعل المنتج في بناء المجتمع، غيرأن تتبع مايروج من نقاش عمومي سواء عبر القنوات والمواقع الإعلامية والتواصلية قد لا يساعد على إنجاز المطلوب، بحكم طغيان تمثل ثنائية :(رجل # امرأة)، عبر تقاطب ينضح بتغذية الصراع بين مرتكزي الأسرة الأساسيين ،عوض ترسيخ التفاهم والتكامل بينهما لضمان استقرار استقرارها، وجعلها عنصر استهاض المجتمع وتقدمه.
ـ استحضارا لجزء من هذا النقاش الدائر يتبين سعي أصحابه إلى خلق توليفة أساسها التوافق بين ثنائية متضادة، إحداها تمتح من مرجعية محافظة منطقها مايصطلح على تسميته بالثوابت ، وتعتمد منهجية تصنف النصوص (القرآنية أساسا) – وفق تأويل قد لايخلومن انطباع و تكلف – إلى نصوص ظنية يمكن التصرف فيها حسب الغايات المرجوة، ونصوص قطعية تجاوزها يعتبر خطا أحمر، ويبدو أن هذا التوجه هو الأكثر حضورا وتحكما لاعتبارات تاريخية تجسدها البنية الذهنية التقليدية للمجتمع، وهي بنية ترعاها الجهات الرسمية، ومن تجلياتها مقولة (لن أحلل ماحرم الله، ولن أحرم ماأحل الله…).وأخرى تتبنى التوجه الحداثي، وتعتمد المرجعية الحقوقية الكونية التى تدعو إلى المساواة بين المرأة والرجل، دون التمكن من تبييء تصور يتغيى خلخة البنية الذهنية للمجتمع، دون المساس بالموروث الثقافي الأصيل للمجتمع، وهذا مايجعل التوجه(ذو النفحة النسوانية بعض الشيء) أقل حضورا، ولربما ببصمة يطبعها بعض التحفظ حتى من قبل فئات متنورة.
توجه كهذا وما يكتنفه من تشابك وتداخل عبرالكوالس قد يكون له تأثير على ديباجة وثيقة المدونة التي تتطلب تنقيحا وتحيينا صارما يمكنها من تجاوز المأزق الذي حال دون التنزيل الأمثل لبنود ها، وأكيد أن ذلك لن يتأتى إلا بإرادة صادقة تقطع مع سياسة جبر الخواطر، وتفتح الباب أمام الكفاءات الفكرية المتخصصة والنزيهة للاشتغال على المشروع، باعتماد منهجية تجنب ملء بياض الوثيقة بلغة هلامية فضفاضة، ستشكل إن مررت سوقا يبتاع منه كل طرف حاجته، وهو ماقد يجعل أمر الإصلاح الجوهري عملا مؤجلا في أحسن الأحوال.
إسهاما في مدونة منصفة:
ضبط ودعم: أمر كهذا أضحى ضرورة ملحة، تقتضي من بين ماتقتضيه:
ـ أن تكون صياغة الوثيقة واضحة المفاهيم، وبنود ها دقيقة التنزيل، مايجعلها تتصدى لأي تأويل مغرض، يحصرها في زاوية المحافظة بمسحة دينية، اوتنطع يقفز قفزة تلغي التربة المجتمعية بالمرة بداعي الحداثة والتحرر، وهو أمر إن تم سيفرغ المرتكزات من محتواها ، ويحول دون التنزيل المطلوب على أرض الواقع.
– أن تتضمن دعامات اجتماعية ملزمة للدولة بغاية ضمان ما يحقق العيش الكريم والاستقرار للأسرة، عبر إخراجها من التهميش وعتبة الفقر باعتماد برامج ومشاريع تضمن لأعضائها العمل المنتج والمدر للدخل، ذلك أن هذا التوجه سيحول دون القهر والاستغلال الذي يطال الأطفال (الحرمان من التمدرس- التشغيل- زواج القاصرات -خادمات البيوت…)
نقط التداول: هذا المبتغى سيتم تحقيقه انطلاقا من القضايا المحورية التي سيتم الاشتغال عليها والتداول في شأنها وهي: الزواج بكل تفرعاته-الطلاق ونتائجه-الولاية-الإرث بتشعباته.
1- الزواج: مسطريا يبدو أن مسألة الزواج إن كانت قد حسمت بعض الأمور من قبيل تمكين المرأة خلال الزواج أن تكون ولية على نفسها، أوتختار قريبا تراتبيا ليكون وليا عليها(2)وإن كان الواقع لا يخدم هذا التوجه في الكثير من الحالات، بحكم سيادة الثقافة الذكورية في المجتمع، فعديدة هي الزيجات التي تفرض أوترفض نزولا عند رغبة الأب أو الأخ دون وجه حق، كما أن المسطرة عرفت بعض الإشكالات وطالها نوع من الالتفاف والاحتيال، وكان ضحيتها الفتيات القاصرات رغم جعل أمر السماح بزواجهن بيد قاضي الأسرة(3) وهذا ما جعل زواجهن يرتفع بشكل لافت، فقد حددت الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2022 عددا بلغ 14971زيجة من مجموع الزيجات التي بلغت 251847 ،بنما حدد عدد زوجات التعدد في 874 (4).
وأكيد أن هذه الإشكالية تترتب عنها مآسي اجتماعية فضيعة تطال الزوج القاصر، كما تطال الابناء خاصة في حالة فشل الزواج، وما أكثرالذي يكون مآله الفشل، وهذا ما تثبته الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، إذ بلغت نسبة طلاق القاصرات 13,7%من عدد المطلقات البالغ 60592 (5).
الخلاصة أن أمر زواج القاصرات يعد جرما فضيعا في حقهن وحق أطفالهن، لذا فهو وصمة عار على جبين المجتمع، يبغي وضع حد له بقوة القانون، وبالصرامة المطلوبة، زيادة على ضرورة القيام بتحسيس واسع ومستدام لتوعية الفئات الشعبية ذات الطبيعة الهشة اجتماعيا وثقافيا بخطورته.
2ـ الطلاق: كما سبقت الإشارة فقد عرف اطرادا متناميا لاعتبارات عديدة أبرزها الاعتبار الاجتماعي ونظرة الطرفين السطحية لمؤسسة الزواج، وأخطر مافي الأمر التداعيات المترتبة عنه، وأبرزها تفكك الأسرة وتأثيرها على وضعية الأطفال اجتماعيا ونفسيا.. وتزداد الأمور تعقيد وخطورة، إذا حرموا وأمهم من مدخول قار يساعدهم على ضمان عيش واستقرار ولو في حدوده الدنيا، نتيجة امتناع الأب عن تأذية النفقة الواجبة لسبب من الأسباب، من بينها الفقر اوالامتناع نكاية في الطليقة.
3ـ الولاية: من التداعيات المترتبة عن الطلاق أمر الولاية على الأطفال(الحضانة)فقد جعلتها المدونة بيد الرجل (6) وهذا أمر فيه إجحاف بالنسبة للطليقة، سيما وأنها هي من يحضن على الأطفال إلى حدود 15 سنة، كما أن هذا الأمر يحدث قلقا واضطرابا لدى الاطفال نتيجة الصراع بين أبويهما.
–
4ـ ثبوت النسب: تعتبر مسألة ثبوت نسب أبن(ة) تمت خارج مؤسسة الزواج من الإشكالات التي تترتب عنها أضرار اجتماعية ونفسية، بالنسبة لأبن(ة) الذي يتنكر له بحكم كونه نتاج علاقة غير شرعية، لذا ينبغي الحسم في أمرها، تماشيا مع مبدأ الخبرة الوارد في المدونة باعتماد تحليل الحمض النووي الذي ثبتت فعاليته. (7)
5- التواصل: المشكل الآخر الذي يترتب عن الطلاق يتمثل في الأغلب الأعم في صعوبة تواصل الأب مع أبنائه، نتيجة الأحقاد والصراع بين الطليقين، لذا ينبغي حسم المسألة بجعل الولاية من حق الطرفين الأب والام، كما ينبغي تدليل عملية التواصل بين الأب وأطفاله، وأن تكون المسطرة واضحة وحاسمة في حالة اللجوء إلى قضاء الأسرة.
في نقد الطروحات الفقهية:
قضايا فقهية: هناك قضايا فقهية مرتبطة بالشأن الأسري، تبدو مغرقة في المحافظة استنادا على تأويل سطحي أقرب إلى الانطباع منه إلى المنطق والعقل، مستحضرا المسلمات ومستبعدا النسبية والتحولات التي عرفتها البشرية، وهذه بعض النماذج مما تمت الإشارة إليه:
– يحرم الفقهاء المحافظون السماح بزواج المسلمة بغير المسلم مالم يعتنق الإسلام، فيحين أنهم يسمحون بزواج المسلم بغير المسلمة، ولو لم تعتنق الاسلام!
– الأمر الثاني يتعلق بتصنيف النصوص القرآنية -وفق تأويل لا يخلو من التبسيطية والتكلف- إلى نصوص ظنية يجوز تعطيلها، ونصوص قطعية تعتبر خطا أحمرا يمكن تجاوزه، وعلى هذا الأساس تم تعطيل نصوص عقوبة حد السرقة والزنا والقصاص (وهو أمر جيد يساير مقتضيات الحال). في حين استنكف الفقهاء عن تعطيل العمل بنصوص المواريث بدعوى أنها قطعية، والحال فيما يبدوأن حكم القطعية هذا، ليس إلا تأويلا بشريا انتصر للنزعة الذكورية ليس إلا (8) تأسيسا عليه، فإن الموضوعية تقتضي وضع حد لهذه الأحكام المحافظة والمتناقضة، واعتماد وثيقة بنودها تنتصر للإنصاف والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وإلغاء تلك القسمة الضيزى التي تتعلق بالمواريث لينال كل ذي حق حقه دون تمييز، مع ضرورة إبعاد المواريث عن طريق التعصيب، حماية للأرملة وبناتها، وأكيد أن هذا سيساهم في بناء الأسرة واستقرارها، ويعمل على تقدم المجتمع، ولن يضر الموروث الثقافي وضمنه الإسلام المتنور في شيء .
في التنزيل: إذا خلصت النيات، وسادت الجدية المطلوبة، وكان الفريق الذي سيكون من بين أعضائه كفاءات متناغما مستحضرا الغاية الفضلة للأسرة باعتبارها النواة الأساس التي تشكل أهم مرتكزات المجتمع، بالتأكيد ستكون وثيقة المدونة قيمة مضافة تغيب الترسانة القانونية للدولة، إلا أن هذه القيمة تقتضي آليات للتنزيل والمتابعة، وفي هذا الصدد ينبغي:
ـ تشكيل خلية متخصصة تضم أعضاء من ذوي الاختصاص القانوي والعلمي والتربوي لتتبع التنزيل ومعالجة القضايا التي تعترضه.
ـ الاهتمام الاجتماعي بشؤون الأسرة من خلال جودة الخدمات الاجتماعية، وتوفير مشاريع مدرة للدخل تساهم في التنمية المجالية وتساعد الأسر الفقيرة على الاستقرار
ـ إنشاء صندوق يمكن المطلقات وأبانيهم من مدخول في حال تعذر توصلهم بالنفقة الواجبة على الأب لسب من الاسباب، وينبغي أن يضمن للصندوق موارد تمكن من استمراره.
ـ القيام بالعمل التحسيسي والتأطيري في المجال الأسري المستدام، عبر كل الوسائل والوسائط المؤسساتية من إعلام وفضاءات تربوية وثقافية، للرفع من منسوب الوعي وتجاوز كل ما يربط الأسرة بالفكر الخرافي القاتل.
بقي أن نقول أن نجاح المشروع المجتمعي للأسرة باعتباره شأننا مجتمعيالايتوقف على الدولة وإن كانت تعتبر المسؤول الرئيسي، وإنما يقتضي انخراط القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية عبر إطاراتها السياسية والحقوقية والنقابية والجمعوية في العملية تأطيرا وترافعا.
ملحوظة: تفاعلا مع مايجري في شأن ورش مدونة الأسرة، ارتيت المساهمة بوجهة نظر
في بعض النقط التي يتم التداول فيها، علها تساهم في إثراء الموضوع.
المصادر:
-1 جريدة الفينيق ميديا الإلكترونية في:3/10/2023
-2مدونة الأسرة المادة : 24 و25
3- مدونة الأسرة المادة:20
-4جريدة العمق المغربي الإليكترونية بتاريخ :12/10/2023
-5 جريدة هيسبريس الإلكترونية بتاريخ :11/10/2023
6-مدونة الأسرة المادة: 236
7- المصدر نفسه المادة: 158
8-” ” ” ” :329
« سورة المائدة/الآية : 38
« سورة النور /” :41
« سورة المائدة /” :45