مقاومة غزة: الموت أو النصر
سمير دياب/لبنان
المجازر الوحشية اليومية للعدو الصهيوني على غزة والتي تستهدف الأطفال والنساء والمستشفيات وآخرها حصار مستشفى الشفاء الطبي وقصفه ثم اقتحامه وتفتيشه بحجة البحث عن المقاومين، بدأت تكشف حقيقة عمق أزمة هذا الكيان سياسيا وامنياً واقتصاديا واجتماعيا.. وعجزه عن تحقيق ولو جزء بسيط من أهداف عدوانه المدعوم من الامبريالية الاميركية سياسيا وعسكريا واستخباراتيا ولوجستيا وماليا التي بدورها تحاول استيعاب صدمة ما جرى في 7 اكتوبر واعادة ترتيب صورة المنطقة على عجل قبل أن تفقد صورتها أيضا، وبالتالي هيبتها ونفوذها.
منذ لحظة خرق المقاومة الفلسطينية لغلاف غزة ونتائج عمليتها النوعية، واجهت الادارة الاميركية مشكلة امكانية التوفيق بين انقاذ الكيان الصهيوني ودعمه بالكامل، وبين توفير حماية مصالحها في الشرق الأوسط. ليقينها أن المشهد السائد في فلسطين المحتلة وربطها بمتغيرات المنطقة والعالم سيكون لها اثر كبير في حسابات الربح والخسارة للمرحلة القادمة.
أولها: رغم ادراك الادارة الاميركية بإنها القوة النارية الاقوى في العالم، لكنها لم تعد الوحيدة مع تزايد قوة الصين وروسيا، ولم تهضم بعد إنسحابها المهين من افغانستان عام 2021.
ثانيها: ادراك الادارة الاميركية حجم تراجعها في المنطقة، بعد تمدد ادوار روسيا والصين وإيران في المنطقة.
ثالثها: صدمة العملية النوعية للمقاومة الفلسطينية في 7 اكتوبر، وما احدثته من تغيير مفصلي في مسار الأمن المصطنع والتطبيع وخربطة المشروع الامبريالي الاستعماري في الشرق الاوسط الجديد، بعد خرق المقاومة الفلسطينية لشبكة أمان العدو الصهيوني وعنجهيته السياسية والعسكرية والامنية والثقافية والاجتماعية والنفسية.
في خارطة الاستنتاجات: تبين للادارة الاميركية أن الصين قوية ومتقدمة في مجالات منافسة لها، وتسعى لتطبيق مبادرة الحزام والطريق. روسيا الاتحادية متحكمة في مجريات المعركة ضد الاميركي والاطلسي والاوكراني، وما زالت تملك اوراق السيطرة على أسواق الطاقة والغاز، ولديها مصالح اوسع عبر فتح ممرات حيوية مباشرة في الخليج الفارسي عبر اذربيجان وايران. وايران قوة اقليمية يحسب لها الحساب، ولديها قدرات عسكرية قادرة على تعطيل الممرات من جهة، والتأثير في عمق المنطقة العربية من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين الى اليمن..
مشهدية المنطقة من جهة، ومشهدية انهيار الكيان الصهيوني وضياعه من جهة ثانية، جعل بايدن يقوم على عجل بزيارة الكيان الصهيوني لرفع معنوياته وتقديم كافة الضمانات لحمايته برفقة حاملات الطائرت لإستعراض القوة السياسية والعسكرية الاميركية بالتصريحات والبيانات وتبني اكذوبة حق هذا الكيان المصطنع في الدفاع عن نفسه. وهو، بهذا يحاول انقاذ هذا الكيان ويحفظ مصالحه الاستراتيجية وانقاذ حضوره في المنطقة كعراب لإتفاقيات الخيانة والتطبيع العربية.
يستخدم بايدن سياسة العصا والجزرة في تعاطيه مع العدوان الصهيوني الوحشي على غزة. وجل ما يخشاه هو توسيع الحرب على الكيان الصهيوني عبر فتح جبهة الضفة الغربية وجبهة الجنوب اللبناني وربما جبهة الجولان. عدا عن استهداف قواعده العسكرية المنتشرة في المنطقة. لهذا، فقد ذهبت الادارة الاميركية إلى رسم خطوطها العريضة وتتلخص في بندين:
الأول: ضوء أخضر للعدو الصهيوني في اطلاق وحشيته وهمجيته إلى أقصى الحدود واثبات قدرته على لملمة اوضاعه وسحق المقاومة وتدمير غزة، مع تاكيد شراكتة ودعمه ومساندتة العسكرية والسياسية والامنية والاعلامية حتى تحقيق اهداف العدوان في التطهير والابادة الجماعية والتهجير وتصفية القضية الفلسطينية. مع أخذ بعين الاعتبار عامل الوقت لظروف الضغوطات الدولية ومتغيرات الرأي العام العالمي.
الثاني: محاولة بايدن عبر وزير خارجيته بلينكن ايجاد قنوات تواصل مختلفة مباشرة أو غير مباشرة لمنع توسع الحرب على العدو الصهيوني والمنطقة، والعين على إيران بشكل مباشر أو مع توسع محاور الاشتباك المباشر مع العدو الصهيوني في الضفة الغربية او الجنوب اللبناني او الجولان، واستهداف القواعد العسكرية الاميركية في المنطقة.
هذه السياسة ما زالت تجسدها الامبريالية الاميركية بعد 41 يوماً على بدء الحرب الهمجية على غزة. ولو هناك بعض التغيرات الشكلية في لجهة بايدن حول ضرورة ايجاد هدنة مؤقتة او ادخال بعض المساعدات بالقطارة إلى غزة.
هذا التغيير الشكلي مرده أولا: الى فشل العدو الصهيوني الكلي من تحقيق تقدم ميداني في غزة بفعل الصمود والمقاومة. وثانيا: انكشاف اكذوبة ” الدفاع عن النفس” أمام الراي العام العالمي وتنامي حركة الاحتجاجات والمظاهرات غير المسبوقة في ارجاء العالم المساندة لحق الشعب الفلسطيني في مواجهة مجازر الاحتلال الصهيوني حصاره وتدميره للبشر والحجر وجرائم الابادة الجماعية المستمرة منذ 7 اكتوبر. وثالثا: بدء انهيار شعبية بايدن في سنة الانتخابات الرئاسية. هذا عدا عن التغير الاوروبي فيما يتعلق بحماية المدنيين مع الـتأكيد على انهم لا يهتمون للفلسطينيين ولا لاطفالهم، بل يهتمون بمصالحهم الاستراتيجية فقط.
الامبريالية هي مصدر الإرهاب والهمجية، وهي تتغذى من دماء الشعوب الكادحة وأطفالهم. وما الحرب العدوانية الاميركية – الصهيونية – الاطلسية على غزة وشعبها واستباحة قتل الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء العزل واقتحام المستشفيات والمدارس ودور العبادة إلا استمرار للسياسة العدوانية بوسائل أكثر همجية منذ 75 عاماً على شعب فلسطين وشعوب المنطقة العربية المتطلعة للتحرر الوطني والاجتماعي من كل أشكال الاستعمار والاحتلال والعقوبات والحصارات والتدخلات وإتفاقات الخيانة والتطبيع، وانواع الاستبداد والتعصب والتطرف.. من أجل التحرير والتغيير.
قد تختلف الحسابات وتتعدد السيناريوهات الافتراضية حول ما بعد حرب غزة ؟. لكن السيناريو الحقيقي الوحيد غير الافتراضي هو انه اجتمع الامبريالي والصهيوني والاطلسي والرجعي العربي على دعم المحتل المغتصب في مواجهة شعب فلسطيني محاصر ومنسي ومحروم من أبسط شروط الحياة في غزة. لكنه، كعادته اثبت أنه شعب حي وصامد ويتنفس حرية. أما مقاومته، وإن كانت لا تمتلك تجهيزات جيوش النياشين والالقاب القمم العربية الفارغة .. إلا انها إمتلكت سلاحاً فتاكاً قاتلاً ضد العدو المحتل، هو سلاح التصميم والإرادة والكرامة والخيارالمقاوم الصحيح من إنتزاع حقوق الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة واقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. وهو سلاح فعًال تتوارثه الأجيال منذ النكبة عام 1948 ، لا يمكن كسره أو هزيمته أو القضاء عليه. ومن يسعى لتحقيق ذلك هو، إما مجنون، وإما حالم، أو مساوم، وفي جميع الاحوال هو عدو للمقاومة والقضية الفلسطينية وحق الشعوب في التحرر الوطني. وشعار المقاومة في غزة واضح كالشمس” الموت أو النصر”.
بعد 7 اكتوبر، استعادت فلسطين مكانتها واحقيتها في العالم بفضل صمود ومقاومة في غزة. لكن رغم كل المآسي المحققة وفظائع المجازر والقتل والتدمير والتهجير الجارية حتى اللحظة، ستبقى المحاولات اليائسة لأهداف الحرب الصهيونية – الاميركية في تقويض انتصار المقاومة الفلسطينية وسحقها وتصفية القضية دون أفق. مهما طالت مدة هذه الحرب العدوانية. وما إبتداع الكيان الصهيوني بتحقيق إنتصار عظيم على المقاومة باقتحام المستشفيات وتفتيش أقبيتها والقاء القبض على” لابتوب” لجهاز التصوير الطبقي المحوري، ومن قتل للأطفال الرضع والخدج فهذا بعلم الفباء الحروب عنوانه “العجز والفشل والإنهيار”. لكنها الصورة الحقيقية الوحيدة لوحشية وهمجية هذا الكيان الصهيوني عرضها على العالم من دون رتوش.
وليبقى فعل المقاومة الفلسطينية يعبد الطريق نحو نهاية طريق التحرير والإنتصار الأكيد.
16-11-2023
*منسق عام اللقاء اليساري العربي