التعليم بين قانون الإطار و عيوبه
البدالي صافي الدين/المغرب
لقد جاء قانون الإطار للتعليم بعد سلسلة من القوانين و المشاريع و البرامج و التي ثبت فشلها، وظل قطاع التعليم غير مستقيم و لم يستطع أن يكون مثل قطاعات التعليم في الدول التي حققت، بواسطته و بدوره العلمي والاجتماعي و الثقافي، قفزة نوعية في التقدم و في التنمية. لقد تم تبديد أموال طائلة على حساب قطاع التعليم دون أن يكون لها أثر على مستوى الفعل التعليمي / التعلمي، أو على مستوى الطفل / التلميذ أو الشاب / الطالب، لأنه لا يخضع للمحاسبة والمساءلة، ليظل قطاعا ريعيا و الاغتناء غير المشروع، تتراكم أزماته وتتشعب مشاكله سنة بعد سنة، فالدولة لا تريد للتعليم أن يكون تعليما يرقى بالطفل إلى المستوى العلمي المطلوب، يمتلك القدرات المعرفية و الكفاءات العلمية و تكون له القدرة على التحليل العلمي و على الاستدلال والاستنتاج والقدرة على التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي و الثقافي و الرقمي و المجال الفني و الرياضي. و يكون له وعي بما يعرفه محيطه من تحولات و من متغيرات.
إن الدولة و منذ الاستقلال جعلت من التعليم لعبة تتقاذفها أيدي أشخاص لا علاقة لهم بالحقل التعليمي/التعلمي ولا بالحقل التربوي و لا المجال البيداغوجي. فجعلوا منه قطاعا مجردا من مكوناته الأساسية التي تتجلى في الطفل الذي يجب أن يكون مركز الاهتمام الأول في المنظومة التعليمية – التربوية، ثم الأستاذ حامل المشعل التربوي، ثم المناهج المؤطرة للعمل التعليمي، ثم المؤسسة كفضاء منسجم مع روح القيم التربوية الأساسية و القيم الانسانية و الاخلاقية و البيئية.
لما تنعدم المبادئ و هذه الاختيارات في المنظومة التعليمية يسقط الجسر الرابط بين التنمية و التقدم و التعليم ، وتعم الفوضى والارتجالية و المبادرات غير المحسوبة. ذلك حينما يتم تغييب الطفل،كمركز اهتمام في العملية التعليمية، يصبح التعليم ينتج الأمية و الاستلاب الفكري و التطرف و التمرد على المدرسة وعلى الأستاذ و الاستاذة و السقوط في أحضان الجريمة. وهذا ما تسعى إليه السياسة التعليمية للدولة، أي جعل التلميذ حبيس برامج جامدة مقتبسة. حتى لا يستطيع الاعتماد على نفسه واتخاذ القرار المناسب انطلاقا من قناعته العلمية و الفكرية.
أما الأستاذ و الذي يعتبر حاملا الرسالة التربوية و الأب الروحي للطفل، فإنه يظل يبحث عن موقعه الحقيقي بين المزايدات الحكومية التي لا تريد منه أن يكون الإطار المشارك المباشر و غير المباشر في التنمية و في تقدم البلاد، بل تريده أن يظل كعابر سبيل ليس إلا، فمن وضعه كمعلم عارف إلى معلم مؤقت إلى أستاذ منتدب في التعليم الإعدادي إلى معلم عرضي إلى أستاذ لسد الخصاص إلى أستاذ عرضي إلى أستاذ متعاقد الخ .. . فالدولة تريد أن يظل إطار الأساتذة ممزقا و غير مستقر ماديا ومعنويا واجتماعيا حتى ينقطع الرابط بينه و بين التلميذ و بالتالي مع المجتمع للتحكم فيه و عزله عن محيطه.
في هذا السياق يتم تنزيل قانون الإطار والذي تشوبه عدة اختلالات و تناقضات منها:
أولا: موقع التلميذ في المنظومة التعليمية في علاقة مع المدرسة العمومية التي لم يعطيها مكانتها و لم يحدد طبيعتها ودورها العلمي و التربوي و الاجتماعي و البيئي و الترفيهي و الفني و الرياضي، لتكون حضنا للمتعلم يشعر فيه بالدفء الإنساني و الاجتماعي و ليس قفصا يبعث عن الضجر.
ثانيا : قانون الإطار بدل أن يجعل من الأستاذ ، الأستاذ المبدع والمؤلف و المرشد و المساعد الاجتماعي من خلال التكوين الأساسي والتكوين المستمر و من خلال التحفيزات على الإنتاج التربوي و الفكري و المردودية التربوية،جعل منه ممررا لبرامج لم يساهم فيها و لم يكن شريكا فيها و هي برامج جامدة غير منسجمة مع واقع المحيط و تجعل التلميذ في وضعية متلق لا غير. ولم تعتبر الدولة بأن الأستاذ هو الأب الروحي للطفل الذي يتعلم من خلاله القيم الإنسانية و الروح الوطنية و المساواة و المبادئ العلمية و الاجتماعية و الثقافية.
على الدولة أن تتخلى عن سياسة تمييع العمل التربوي بالترقيع و الارتجالية و المزاجية و أن تعتبر الأستاذ رافعة تربوية من خلال إطار موحد للأساتذة والأستاذات تنتفي فيه الفيئوية و التمزق. و عليها الانصراف الكلي عن سياسة إضعاف التعليم ورجاله وضرب المدرسة العمومية و طمس هويتها لصالح التعليم الخصوصي خدمة لأصحاب النفوذ المالي ( أصحاب الشكارة )