حذار من غضب الشعوب… الشعب هو صانع التاريخ
مبارك المتوكل/المغرب
إلى الذ ين يعتقدون أنهم تحكموا في حركة التاريخ بما حققوه من مكاسب على حساب البسطاء الذين تخدعهم أكاذيب أي دجال يدعي السعي لخدمة الوطن وتنمية اقتصاده، وهو لا يسعى إلا لتنمية رصيده البنكي عبر استغفال أكبر عدد من المستضعفين للوصول إلى مواقع تمكنه من وضع اليد على المال العام و السطو على ملك الغير عن طريق الاحتيال والتزوير واستغلال السلطة، أو توظيف مواقع المسؤولية والعلاقات مع أجهزة أو أفراد يفيدون ويستفيدون من غير وجه حق.
قد لا نعطي أهمية لمسلكيات تؤدي إلى مواقع غير مستحقة في المؤسسات المنتخبة أو في المناصب العليا، ولكن عندما تمس الجريمة مصالح الشعب المغربي كله فإن على الجميع استعجال المحاسبة لكل مسؤول سخر منصبا أو خدمة لأغراض شخصية على حساب المصلحة العامة في ظرف يعتصر فيه الحزن والألم قلوب شعب بأكمله.
قد يستطيع البعض تأجيل المساءلة باستغلال قرابة أو مصاهرة أو نسب، ولكن كثيرا من الجرائم لا يطالها التقادم خصوصا إذا كان الشعب بأكمله من ذوي الحقوق في جرائم تمس المجتمع بأكمله.
أتحفتنا مشكورة بعض الصحف الوطنية، لن أذكر اسمها، كي لا أتهم بالإشهار لها ولكنني أريد أن أسجل هنا ارتياحي لموقف الأصوات والمنابر الإعلامية التي لم تتردد في فضح كل شبهة اختلاس أو تدليس أو استغلال للسلطة والموقع، في ظرف ينشغل فيه المجتمع بتخفيف معاناة فقدان الأحبة وضياع الأرزاق والاعتماد على ما يجود به الكرام من داخل الوطن أو من خارجه.. ثم يتجرأ بعضهم ليضع اليد على ما قدم من دعم لمن هم في أمس الحاجة في تحايل لينال منه القليل أو الكثير.
سيسجل التاريخ أنه بقدر ما سارع المواطنون من ذوي الدخل المحدود إلى نجدة إخوانهم بما يستطيعون متبرعين بجزء مما في أديهم من متاع ولباس وغطاء، بقدر ما تقاعس المسؤولون حتى في التعبير عن الأسى والأسف على ما حل بمنطقة الحوز وما جاورها منتظرين أن تحضر الكاميرات ليعبروا عن مشاعر الحزن، ولم يبادروا بالتحرك إلى عين المكان بل انتظروا ليراجعوا حساباتهم قبل أن يجهروا بما قرروا أن يجودوا به على منكوبي الزلزال. سيسجلون اليوم في صفحات ما يمكن أن يسموه تاريخا ولكن التاريخ الحقيقي هو ما سيدونه الشعب المغربي شفويا في انتظار من أن يتدخل علم التاريخ ليعري المستور ويفضح الدجل والتزوير.
أن يغيب المسؤولون أمر خطير ولكن الأخطر منه يتجلى في لجوء بعض رجال الأعمال وأرباب المقاولات رغم ثرائهم إلى اقتناص فرص الكوارث، فيدخلون المناقصات ليمارسوا هواياتهم في الغش فيما زايدوا عليه من مشاريع توفر مادة من مواد الحاجة إليها موقتة في انتظار العودة للمساهمة في إنجاز المشاريع القادرة على توفير السلامة والأمان للحاضر وللأجيال القادمة. الغش في ثمن البضاعة وفي نوعها وربما حتى في مصدرها لأن الثمن يدفع بالعملة الصعبة إنها جريمة / خيانة مزدوجة، فالضحية ليس فقط المحتاج إلى خيمة تستره وأسرته من الحر والقر في انتظار بيت يأويه ويوفر لذويه الدفئ عندما يحل موسم الأمطار والثلوج.
خسارة الدولة هنا مزدوجة لأن السداد بالعملة الصعبة والفائض يبقى هناك أرصدة في البنوك الخارجية هذا إلى جانب ما تخسره الدولة نتيجة الغش في الجودة والثمن. ويبقى الشعب هو الخاسر الأكبر لأنه هب لنجدة المنكوبين فذهب ما جاد به إلى جيوب عديمي الضمير الذين لا يكفيهم ما اختلسوه من المال العام فضاعفوا بغشهم معاناة الفقراء الذين نشئوا وعاشوا الفقر والعوز رغم غنى أرضهم بالثروات الطبيعية التي لا يصلهم منها إلا تلوث البيئة وانعكاساتها على الزرع والضرع.
يمكن أن تستغفل الناس مرة واحدة لكن لا تستطيع أن تستغفل شعبا بأكمله. في التاريخ البشري أكثر من شهادة تؤكد أن الشعوب ميالة إلى حسن الظن بالناس لكنها عندما تكتشف الدجل لا تنسى من أخلص في خدمتها، وإذا كتمت الغيض اليوم فإن الغد يحمل كثيرا من المخاطر، فكفى غطرسة وحذار من غضب الشعوب.