والي بنك المغرب وسياسة إصلاح نظام صندوق المقاصة
البدالي صافي الدين/المغرب
شدّد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، على ضرورة تسريع إصلاح نظام دعم أسعار بعض المواد الغذائية وغاز البوتان “البوطا” المُستعمل في الطهي، بما يسهم في توفير هوامش في ميزانية المملكة لتمويل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية. وجاء التأكيد على أهمية هذا الإصلاح على لسان والي بنك المغرب، خلال تقديمه التقرير السنوي للبنك عن سنة 2022 أمام الملك خلال مناسبة الذكرى 24 لتوليه العرش.
الجواهري لم يأت بأي مخرج يحول دون إثقال كاهل الشعب المغربي بالمزيد من الإصلاحات التي تسعى في بعدها المالي و الاقتصادي الى إلغاء صندوق المقاصة، المكتسب الشعبي الذي أسسته حكومة الراحل عبد الله إبراهيم في عهد الراحل محمد الخامس.
لم ير عبداللطيف الجواهري إلا ما تراه حكومة أخنوش،أي المضي في استنزاف الشعب وقهره و دعم حماية مصالح لوبيات الفساد واقتصاد الريع و لوبي القطاع غير المهيكل، وهي مظاهر تستنزف خزينة الدولة وتساهم في تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية و تشجع على الاحتكار المنظم، مثل في ذلك فيما أقدمت عليه حكومة بنكيران حينما قامت بتحرير سوق المحروقات في 2015 دون أية ضمانة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين و المواطنات، مما أدى إلى الارتفاع المتسارع لأسعار المواد الغذائية وتكاليف النقل و التنقل و بالمقابل استفاد لوبي المحروقات من 17 مليار درهم في سنة واحدة دون أن تخجل الحكومة من النتائج التي جاء بها تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق، حيث كشف عن كيفية استيلاء شركات المحروقات على 17 مليار درهم بشكل مشبوه و تسجيل فارق درهم إلى درهمين في اللتر كربح إضافي، بعد تحرير أسعار المحروقات، بالمقارنة مع ما تحدده تركيبة الأسعار المعمول بها، أي 60 سنتيم كهامش للربح في اللتر الواحد.
إن الجواهري لم ينظر الى الثقب التي تعرفها ميزانية الدولة، منها القطاعات غير المهيكلة التي تكلف الدولة 40 مليار درهم ، ثم انتشار الاقتصاد الريعي الذي يفوت على الدولة المليارات من الدراهم سنويا و يضرب في العمق تماسك النسيج الاجتماعي.
إن هذه المظاهر التي تنتعش في أركان الدولة و هي التي تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في عدم استقرار المؤشرات المالية و تساهم في تراجع التنمية و هي من الأسباب الرئيسية في ارتفاع مستوى التضخم الذي يريد والي بنك المغرب أن يرهب به المواطنين والمواطنات حتى يقتنعوا بضرورة التقليص من دعم المواد الأساسية كالسكر والدقيق والزيوت بدل أن يعمل على التقليص من التعويضات المرتفعة و الرواتب الخيالية الشهرية التي يتقاضها بعض الموظفين السامين و هدر ميزانيات الجماعات الترابية و الإقليمية و الجهوية و ميزانية المبادرة الوطنية و غيرها من المؤسسات التي لا تساهم الا في استنزاف ميزانية الدولة، و أيضا التقليص من عدد المكاتب الوطنية التي تصرف لها أموال طائلة دون مردودية تذكر، ومراجعة قواعد الضرائب حتى تكون عادلة و منصفة للجميع والتصدي الحقيقي لظاهرة التهرب الضريبي الذي يتم عبر التحايل على القوانين باعتماد العمليات الحسابية المطبوعة بالتواطؤ المكشوف والغش برعاية الدولة، لأن أصحاب القرار فيها هم المستفيدون من التهرب الضريبي.
إنه على والي بنك المغرب أن يكون منصفا للجماهير الشعبية و أن لا يسعى هو الآخر ليكون منحازا جهة لوبيات الفساد الذين يحافظون على ظاهرة الرشوة و يشجعون عليها ، لأنها من صلبهم و هي سبيلهم لقضاء مصالحهم خارج الضوابط القانونية، وبذلك تتعرض البلاد إلى الانهيار الاقتصادي و التأزم الاجتماعي لا ينفع فيه دعم الفئات الهشة أو الحماية الاجتماعية التي تحاول الدولة من خلالها التخلص من صندوق المقاصة و من مجانية التعليم ومجانية التطبيب.
لن تنفع سياسة الحماية الاجتماعية أمام اتساع دائرة الفقر و ارىتفاع معدل البطالة وسط الشباب و أمام سعر المواد الذي أصبح غير قابل للتحكم و مادامت سياسة الحكومة تتجاهل الواقع المزري الذي تعيشه البلاد.
إن سياسة الهروب إلى الأمام الذي تتخذه الحكومة و والي بنك المغرب لن تفيد البلاد في شيء، إنما تضاعف من أزماتها و من تراكم ديونها الداخلية والخارجية و تزداد تراجعا على مستوى سلم التنمية البشرية. إن الحل الذي كان على الجواهري و حكومة أخنوش أن يسعوا إليه هو: أولا التوزيع العادل للثورات، ثانياً محاربة اقتصاد الريع، ثالثا محاربة الاقتصاد غير المهيكل، رابعا التصدي لمظاهر الفساد و الرشوة و ربط المسؤولية بالمحاسبة، خامسا تنزيل مبدأ الحكامة الجيدة و عدم الإفلات من العقاب.