الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

فلسطين أزيد من 75 سنة :

مقاومة الجماهير الشعبية في المنطقة العربية والتحول التكتيكي الاستعماري.

المحور الثالث 

 

 

فادي بنعدي /بوكسيل

 

 

تقديم:

 

تخليدا للذكرى 75 للنكبة، توصلنا بقراءة مهمة من الاستاذ فادي بنعدي، فاعل جمعوي و حقوقي مقيم في بروكسيل، مهتم بالشأن العربي و الدولي و مدافع شرس عن القضايا العادلة، سواء على المستوى المحافل الدولية، العربية و الوطنية بحكم مجال تخصصه و تجربته الحافلة لسنوات طويلة داخل العديد من  الاطارات الجماهيرية و المنظمات المناضلة، وطنيا، عربيا و دوليا.

 

هذه القراءة التي ننشر اليوم محورها الثالث و الاخير  : مقاومة الجماهير الشعبية في المنطقة العربية و التحول التكتيكي و الاستعماري بعد المحورين االسابقين :مستويات الحركة الاستعمارية و تطورها و المحور الثاني : الاطار الطبيعي لمناهضة الاستعمار و الاحتلال.

 

مقاومة الجماهير الشعبية في المنطقة العربية والتحول التكتيكي الاستعماري:   

 

إن الجماهير العربية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الهجمة الاستعمارية، واجهتها بالمقاومة الشعبية المستميتة الذي يشهد لها التاريخ، وإن مرت من مراحل متفاوتة وخضعت لخصوصيات كل منطقة على حدى مع التمايز على مستوى الوعي والتنظيم بها.

 

إن هذه المقاومة لم تكن حافزا لإذكاء الوعي الجماهيري فحسب، بل شكلت عاملا في بعث الوعي الوطني والقومي العربي ووحدة المصير ونمو الحركات المعبرة عنه. امام هذه الهبة الجماهيرية اضطرت مكونات الحركة الاستعمارية على التراجع تكتيكيا والتنازل عن السيادة الترابية ومنح استقلالا شكليا لفائدة طبقات أو فئات عميلة، اجهاضا للثورات التحررية الشعبية حتى لا تصبح توجها لا رجعة فيه وحفاظا على مصالحها الحيوية، مع تكريس واقع التجزئة وتصبح الحدود المصطنعة بين الشعوب أمرا واقعا وقنابل موقوتة إشعال فتيلها عند الحاجة. وكذلك الشأن في زرع الكيان الصهيوني ليصبح أمرا واقعا حافظا لمصالحها.

 

هذا التكتيك السياسي سيشكل العمود الفقري في استراتيجية الرأسمال الإمبريالي وأدواته الاستعمارية. و سيتأرجح ما بين العدوان العسكري المباشر ( العدوان الثلاثي، الحرب علي العراق و تدميرها، تدمير سوريا وتفتيتها، العدوان على ليبيا وبلقنتها، تدمير اليمن، تقسيم السودان…) خلق نزاعات شوفينية بين الشعوب و هدر طاقاتها (المغرب و الجزائر، العراق و الكويت، اليمن و السعودية،…) ومحاولة اشعال فتن الحرب الأهلية بين مكوناتها الطائفية و القبلية و تجزئة كياناتها (لبنان، الأردن، الجزائر، اليمن، سوريا، السودان…) و تثبيت النفوذ عبر تكريس التبعية في كل المجالات السياسية و الاقتصادية و الثقافية بخلق و نعش ودعم الفئات و الطبقات العميلة و الذيلية في كل بلد على حدى و خلق و تسليح تنظيمات إرهابية و ربطهم بشكل أو بآخر مع قلعة العدوان العسكري الإمبريالي الاستعماري، الكيان الصهيوني. والتكيف مع كل مرحلة وفق توجهها العام الذي لا تتغير خطوطه الاستراتيجية.

 

 خلاصة استراتيجية القوى الاستعمارية:

 

إن خلاصة استراتيجية القوى الاستعمارية والرأسمال الإمبريالي والحركة الصهيونية وعملائهم من إقطاع وبورجوازية هجينة في المنطقة العربية تكمن في:

– تفرقة وتجزئة البلاد العربية منع شعوبها من تكامل إمكانياته، ونمو الوطنية الضيقة الشوفينية فيما بينها؛

– غرس النعرة القبلية والعشائرية والإثنية داخل الشعوب باسم الحقوق الثقافية واللغوية من أجل بلقنتها وتفتيتها.

– خلق مزيد من الكيانات المصطنعة وزرع قنابل موقوتة لاستنزاف قدراتها وإنشاء طبقات وفئات ذيلية مرتبطة بالكيان الصهيوني.

– التحكم في الطاقات الاقتصادية والنفطية وباقي الثروات الطبيعية؛

– جعل البحر الأبيض بواجهتيه العربية والأوربية بحيرة تحت نفوذها الخاص وجعل الممرات البحرية الاستراتيجية منها محتكرة لأساطيلها المدججة بأحدث أسلحة الدمار الشامل؛

– دعم لا مشروط للكيان الصهيوني عسكريا واقتصاديا وديبلوماسيا وإعلاميا وتوفير قلع مدججة بأحدث أسلحة الدمار الشامل لحسم الصراع عند الحاجة وفي نفس الوقت دعم الأنظمة الذيلية والتبعية؛

– تطويق واخماد اي مد تحرري ثوري في المنطقة العربية وتصفية مقاومة الشعب الفلسطيني باعتبارها مبادرة جماهيرية ثورية منظمة تصارع واجهة الإمبريالية الأولى المتجسدة في الكيان الصهيوني العنصري؛

– إنشاء وتسليح تنظيمات إرهابية تهدد أي استقرار داخلي للكيانات العربية عند الخروج عن النفوذ الرأسمال الإمبريالي الصهيوني.

 

مهامنا الاستراتيجية من أجل تفكيك الاستعمار و مناهضة الإمبريالية و الصهيونية:

 

مهما التضحيات الجسيمة لجماهير المنطقة العربية، و المكتسبات تلوى الأخرى لحركاتها التحررية ، فالردة اليمينية والاصولية والرجعية جاهدة في ضرب المكتسبات الوطنية كما تسعى لشد شعوبها إلى الخلف و العودة بهم إلى عصور الظلمات بربطهم بمخططات الحركة الاستعمارية و الرأسمال الإمبريالي و الحركة الصهيونية.

 

إن هذا الصراع وهذه التضحيات الجسيمة على مدى عقود من أجل تفكيك الاستعمار ومناهضة الإمبريالية ودحض الصهيونية لازالوا قائمين إلى حد مأساوي وغير منجزين وأهداف قائمة بذاتها.

 

هذه الأهداف يجب وضعها في إطارها الطبيعي وتحديده في صراع ثلاث منظومات متقابلة:

  • منظومة الاستعمار والرأسمال الإمبريالي والصهيونية والأنظمة الرجعية الإقطاعية والبورجوازية الكومبرادورية، الذيلية والغارقة في الخيانة الوطنية والمستفيد الأول من واقع التخلف والتبعية و الهيمنة على المنطقة العربية و شعوبها و استغلال و استنزاف طاقاتها وثرواتها.
  • منظومة يمكن إطلاق عليها تسمية “رأسمالية الدولة” والمتمثلة في الصين وروسيا وإيران، هي كذلك تبحث في الحصول على نصيبها من الكعكة وتثبيت مصالحها في المنطقة.
  • منظومة أوسع جماهير الشعوب العربية من عمال وفلاحين وكذا كل الطبقات المتوسطة من تجار صغار وصناع ومثقفين ومقاولين صغار ورأسماليين وطنيين وتنظيماتهم الشعبية الديمقراطية السياسية والنقابية والجمعوية من جهة وشعوب العالم التواقة للحرية والكرامة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من جهة أخرى إضافة لحركات السلم العالمية والحركات التضامنية مع الشعوب المضطهدة والحركات العمالية في الدول المكونة للمنظومة الإمبريالية بتنظيماتها السياسية والنقابية والاجتماعية.

 

إن الصراع ما بين هاته المنظومات يخضع للصراع داخل المجتمعات وقضاياهم المصيرية وهي في حد ذاتها خاضعة للصراع الطبقي وحدته وجدليته. لذا فإن المطروح علينا هو استيعاب المقاييس العلمية نتاج الفكر الإنساني والاستفادة من كل التجارب السابقة الوطنية والعربية والأممية انطلاقا من واقع مجتمعاتنا. فالمطلوب إذا ليس ترديد الشعارات بل التطرق للمضمون وصياغة محتواه بشكل ملموس منسجم مع واقعنا. وإبداع الحلول اللازمة لتغييره.

 

في المرحلة الحالية، يتحتم علينا حشد كل قوانا لتخطي الحواجز ومواجهة العوامل التي قد تعيق المستقبل الذي نتوخاه. ومن بينها: الشوفينية والعرقية والطائفية والقبلية والصراعات الإقليمية والحروب بين الأشقاء، فضلاً عن خطط التصفية الهادفة إلى جعل الاحتلال الصهيوني والانفصالية والحدود الاستعمارية الجاهزة حقائق نهائية.

 

تتجه هذه الخطط إلى تعميم الاختراق الرأسمالي الاقتصادي والإمبريالي والصهيوني والنموذج الاستعماري الجديد المتطور للهيمنة على الشعوب وعلى المنطقة العربية بأكملها.

 

لا خيار لنا، إلا تطلعات الجماهير الشعبية بالمنطقة العربية في التحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة ووحدة المصير.

 

إذا كانت أهداف التحرر الوطني وإنهاء الاستعمار المباشر الذي لازال جاثما على أجزاء من المنطقة العربية وإجلاء القواعد العسكرية الأجنبية، ووضع حدا للتبعية وسيطرة الاستعمار الجديد أهدافا واضحة. فإن الاختيار القطري والعربي الاستراتيجي الشامل منسق الجوانب، يقتضي بالدرجة الأولى الجواب على ما معنى الوحدة ووحدة المصير وارتباطهما بصيرورة التحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة.

 

إن التحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة والوحدة، شعارات متلازمة متبادلة التأثير. وكلهم متكامل تشكل الوحدة داخله أفقا استراتيجيا أسمى.

 

فلا وحدة بدون تحرير، ولا تحرير بدون ديمقراطية شاملة، أي لا تحرير بدون سيادة شعبية سياسية واقتصادية واجتماعية، وغياب السيادة الشعبية تغيب السيادة الوطنية او القطرية، ولا ديمقراطية او سيادة شعبية أو سيادة وطنية بدون تحرير. ولا يمكن الحلم بالوحدة كأفق استراتيجي أسمى بدون تحرير وسيادة شعبية وسيادة وطنية وهنا تكمن وحدة المصير.

 

فالديمقراطية الفعلية مرتبطة ارتباطا عضويا بالمساوات الكاملة والغير المتجزئة وبالمواطنة الفعالة، ومن أجل هذا فساكنة الوطن العربي من الخليج إلى المحيط يجب تمتيعها بكل الحقوق الثقافية واللغوية الاثنية وامتداداتها الإفريقية والأسيوية في إطار مجتمع علماني متعدد المشارب وإعطائها نفس الاهتمام والإمكانيات المتوفرة للغة والثقافة العربيتين بحق مساهمتها في تطور ونمو الثقافة والحضارة العربيتين حتى يصبحا ملكا للحضارة الإنسانية. وفي إطار استراتيجية الوحدة، هذه المواطنة ستساهم في سقل وتصليب الهوية العربية بكل مكوناتها، ليست بالضرورة تناقضا، بل مشاركة واشراك جميع مكونات المجتمعات العربية على اختلاف انواعها في التاريخ المشترك والمتقاطع ومقاومة الحدود المرسومة والقنابل الموقوتة.

 

وبناء على معطيات التجربة، رغم أن الصياغ والأشكال العملية للوحدة يصعب تصورها سلفا، فالوحدة التي نطمح إلى تحقيقها هي بالأساس وحدة الجماهير وتنظيماتها السياسية والنقابية والجمعوية. ليس بشكل عاطفي وعفوي، لكن بشكل علمي وميداني.

 

إنها وحدة تسعى إلى تسخير الطاقات الاقتصادية بعد تحريرها وتجريدها نهائيا من التبعية وانجاز التكامل بينها لخدمة حاجيات وتطلعات الجماهير على طول المنطقة العربية. وتسعى لتحرير إرادة هذه الجماهير وفرض سيادتها من خلال بناء حقيقي لديمقراطية فعلية وشاملة تفجر طاقاتها، وتمكنها من المساهمة الفعلية في ضبط وتسيير أمورها وتكون سيدة نفسها.

 

وخارج هذا المفهوم للوحدة، بالجماهير ومن أجل الجماهير عبر تنظيماتها. فإننا لا نرى بديلا آخر سوى السقوط في الحلقات المفرغة من التجارب المنتكسة.

 

قد يكون تشكيل الجبهات الديمقراطية في الجزأين العربيين الكبيرين المغرب والمشرق خطوة مهمة نحو توحيد جميع القوى الوطنية والديمقراطية بالمنطقة العربية، ضد جبهة الإمبريالية والصهيونية والرجعية واستغلال التناقض ما بين الرأسمالين، موحدة ومنسقة ومتداخلة إلى حد كبير على أسس موضوعية، للحد الأدنى من البرنامج الوطني والديمقراطي، ومن خلال أشكال التنسيق والمساعدة الأخوية المتبادلة فيما يتعلق بسيادة وخصوصية كل واحد.

 

 أشكال مقاومة الاستعمار والامبريالية والصهيونية:

 

إن خيار استراتيجية مقاومة الاستعمار والرأسمال والإمبريالية والتخاذل العربي بكل أصنافه يجب تحديده في تصور عام ضمن صيرورة التحرير والديمقراطية والوحدة. نطرح بشكل مباشر ما هي الوسائل والأشكال المعتمدة لخوض هذه المقاومة وبلوغ هذه الأهداف.

 

في هذا المجال، الشعوب ومن بينها الشعوب العربية لا تفتقر إلى التجارب بل لقد راكمت خلال القرن الماضي حصيلة ضخمة غنية من التجارب السياسية التنظيمية تحت نفس الشعارات ومن أجل بلوغ نفس الأهداف.

 

إن هذه الاستراتيجية تقتضي الحفاظ على استقلالية ادارة الصراع الطبقي والتحرري بالجبهات الداخلية وفي نفس الوقت بناء جبهات في المناطق العربية وعلى المستوى العام العربي تعكس تمثيلية الجبهات الداخلية وتنسق فيما بينها وتدعم النضال التحرري وتكتل مجهوداته وتواجه استراتيجية تحالفات الرأس مال والإمبريالية الصهيونية والرجعيات العربية باستراتيجية تحررية شاملة وتسهر في نفس الوقت على تمتين المكتسبات الوطنية وتراكم كل مكتسب إيجابي سواء في واجهة التحرير أو البناء الديمقراطي وإرساء اسس الوحدة.

 

إن هذا التوجه العام هو الذي سيسمح لكل حركات التحرر العربية التسلح بخط استراتيجي عربي شامل لمواجهة تحالفات الرأس مال والإمبريالية والصهيونية والرجعيات العربية، المتكاملة الواجهات من انظمة وحكومات وتنظيمات. وفي نفس الوقت اغنائه بالخصوصيات النضالية المحلية في مختلف الواجهات، في حين يسمح بتعويدها على التآزر وتكامل الطاقات النضالية والكفاح المشترك من أجل التحرير والبناء الديمقراطي و السيادة الشعبية وتطوير سبل بناء الخط الوحدوي.

 

إن الواقع الحالي يشهد ردة يمينية شوفينة أصولية تجتاح كل الاوطان العربية و تسعى إلى تركيز مصالح الرأسمال والإمبريالية والكيان الصهيوني وعملائهم المحليين عن طريق الاستعمار والاحتلال المباشر أو المتستر وراء عملائهم المحليين من انفصاليين و ارهابيين و ظلاميين و غيرهم. فإنه لا يخلو من الإيجابيات، حيث أن التناقض لا يتزايد إلا احتداد ووضوحا وأن وعي الجماهير الشعبية يتعمق أكثر فأكثر.

 

وختاما، إن مجمل هذه الأهداف تندرج في إطار صراعنا الوطني والعربي والأممي مع قوات الاستعمار والرأسمال والإمبريالية والحركة العنصرية والصهيونية ومناهضتنا لهم مع باقي القوات التحررية العالمية للعيش في التآخي والأمن والسلام العالمي.

 

بروكسيل في 22 ماي 2023

تخليدا لذكرى 75 للنكبة

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

One Response

  1. جزيل الشكر الأخ و الصديق العزيز فادي بهذا التحليل القيم لهموم الأمة اليوم و تحديد المهام المطروحة امام حركات شعوبنا من اجل الحرية و التنمية العادلة و استكمال مهام التحرر الوطني و الوحدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!