رهان المثقف العربي بين واقع بائد وآخر متجدد
محمد السميري – المغرب
أمام التغير المحموم والمتسارع بشكل غير مسبوق على جميع المستويات والذي أصاب جميع مفاصل الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا أضحت وضعية المثقف العربي (وبمعيته المثقف المغربي )كحامل لهم التغيير وكمدافع عن قيم الحرية والعدالة والديمقراطية تطرح اكثر من تساؤل وتثير جدلا واسعا بخصوص مكانته وموقعه مما يجري محليا ودوليا ،وموقفه من قضايا واحداث متسارعة أصبحت تبتعد عن مجال سيطرته ونفوذه في ظل ظهور فاعلين جدد سرقوا أضواء منصات التواصل الاجتماعي ،فاتسعت دائرة المثقف واختلفت اصنافه فشملت عناصر لا ينطبق عليها مفهوم المثقف فأضحى المتلقي لا يميز المثقف من غيره لأنه فقد معايير التقييم الحقيقية وفقد التمييز على من يخدم جهة بعينها ،فهو في حاجة الى تفسير مرتجل لما يجري، يلبي ظماءه وان كان تافها سطحيا ،
في حين يحتاج المثقف الى مسافة بينه وبين الاحداث قبل ان يأخد موقفا مبنيا على الدرس والتحليل والتأمل، الى جانب ذلك ازدهرت ظاهرة “المثقف المقاول”على حد تعبير الاستاذ الطاهر لبيب وهي ظاهرة يمكن ان نطلق عليها ظاهرة (المثقفين السماسرة) التي تقدم خدمات سياسية او اجتماعية اومالية تحت الطلب لجهة معينة .
امام هذا الوضع البائس المشلول هل يمكن ان نقول بموت المثقف؟
كاءجابة أولية يمكن القول كما اشار ادوارد سعيد في كتابه”المثقف والسلطة”،”لم يحدث ان قامت ثورة كبرى في التاريخ الحديث دون مثقفين،وفي مقابل ذلك لم تنشب حركة مناهضة كبرى للثورة دون مثقفين” لكن مع ذلك يظل السؤال معلقا في أسباب فشل مهمة المثقف العربي في تحقيق أهدافه وآماله واحلامه المرتبطة بالعدالة والحرية والديمقراطية ،وقد نجد ما يشفي غليلنا كجوابا على هذا السؤال الاشكالي فيما طرحه المفكر المغربي عبد الاله بالقزيز من خلال كتابه (نهاية الداعية الممكن والممتنع في أدوار المثقفين).
يشخص عبد الاله الظاهرة بتوسله التحليل النفسي كأداة منهجية للكشف عن الامراض الثاوية كسبب لفشل المثقف العربي في مهمته لكونه”ينتدب نفسه لاداء أدوار اجتماعية يعجز عن النهوض بها” فمن بين الامراض التي حالت دون قيامه بالدور المنوط به:
النرجسة الثقافية(حب الذات المرضي)
السادية الثقافية(الانتشاء بتعذيب الاخرين)
المازوشية(تعذيب الذات)
الفوبيا الثقافية(الخوف من خطر معلوم او مجهول المصدر)
ان من شأن هذه الاعراض ان تنتج خطابا مأزوما ،خطاب مريض لا يمكن تجاوزه الا بإنتاج خطاب سوي “يبدأ من اخضاع الأفكار الى محاكمة المعرفة والواقع وتأسيس الحوار والمخاطبة والنقد على معطيات الحكمين:المعرفي والواقعي،ومحاسبة النفس على قدر طاقة الفعل الذاتي”.
في مقدمة الطبعة الثالثة للكتاب يعالج المفكر عبد الاله بالقزير فكرة الالتزام السياسي للمثقف التي راجت في أواسط السبعينيات وما رافقها من الدفاع عن قضايا الجماهير والطبقة العاملة بالأساس في سياق الصراع بين الأحزاب التي تبنت الماركيسة (الماركسية اللينينية و الماوية و تروتسكية)كايديولوجية مناهضة للأنظمة السياسية الاستبدادية مبرزا منشأ هذه المقولة في تطورها التاريخي وآثارها السلبية كأداة في تعاطي المثقفين العرب مع الواقع ، تحت عنوان(المثقف المأزوم أونهاية الاساطير) يدعو صاحب الكتاب الى مراجعة دور المثقف الارشادي الرسولي ،وخطابه الايماني الوثوقي ذلك ان “خطاب المثقفين العرب خطاب وثوقي مطلق،الأفكار فيه منزهة عن الشك واليقين،متشبعة بوهم (الامتلاك) المعرفي للحقيقة”،
فقد تخلى المثقفون “عن وظيفة التنوير والابداع والنقد وانصرفوا عنها الى ممارسة وظيفة التبرير والتسويغ والشرعنة” فغير المنحاز لقوى التغيير الثوري (العمال والفلاحين) يعثبر مثقفا بوزجوازيا صغيرا معاديا للثورة،
وقد تكرس هذا المفهوم بين المثقفين العرب من خلال ما كتبه كل من لينين وتروتسكي وغرامشي وماو تسي تونغ باعتبار المثقف وسيط بين المعرفة والجماهير،ان عودة المثقف حسب المفكر عبد الاله بالقزيز رهينة بالتخلي عن دورالنبوة والرسولية ،والابتعاد كل البعد عن النرجسية وتضخيم الذات والفصل بين ما يستطيع ان ينتجه من أفكار وتحويل هذه الأفكار الى حقائق مادية،فمهمة المثقف هي انتاج المعرفة العلمية(التنويرية) ،
فأولوية المثقف ليست الدعوة الى الثورة السياسية بل الى “الثورة الثقافية” للقضاء على الجهل والامية وإيجاد موطئ قدم للثقافة العربية بين الثقافات العالمية.