القصبات الاسماعيلية لا زالت حاضرة بشموخها التاريخي
علال بنور
يتميز التنظيم المجالي للقصبات الإسماعيلية، بالتعدد والضخامة في المجال، ولا زالت بعض معالمها حاضرة الى اليوم، كتراث عما تركته الدول السابقة عن الدولة العلوية، كما لم تخرج عن القاعدة المعمارية في العهد المرابطي والموحدي والسعدي بالمغرب الأقصى. وما يميز القصبات الإسماعيلية هو تلك السلسلة من القصبات. وصل عددها الى 76 قصبة باستثناء قصبات تافيلالت، التي وصل عددها الى 105 قصبة، جعل قسما منها لحماية السواحل من التهديدات الاوربية، وجزء اخر على شكل سلسلة لحماية الطريق السلطانية والتجارية، من هجمات القبائل الثائرة على النظام المخزني.
منذ السنوات الأولى من حكم السلطان المولى إسماعيل العلوي، تمردت عليه قبائل صنهاجة وقبائل مصمودةبالأطلسين المتوسط والكبير، لذلك اقام المولى إسماعيل قلاعا وقصبات للحد من القبائل الثائرة، ابتداء من قصبة تادلة الى واحات تافيلالت. تندرج سياسة القصبات في مشروع إعادة توحيد المغرب، وضبط الامن والاستقرار وحماية القوافل التجارية وطريق السلطان، وتثبيت السلطة المخزنية مع ضبط الدينامية الاجتماعية، ورغبة في حفظ ولاء القبائل للمخزن الإسماعيلي.
كما لعبت القلاع والقصبات دورا ،للحد من تحركات قبائل الرحل ،التي كانت مصدر ازعاج للمخزن ،نموذج قبائل ايت عطا، التي شكلت النموذج القوي لقبائل صنهاجة ،والتي كان عدد قبائلها 35 قبيلة .تتحدث المصادر التاريخية ،ان ايت عطا ،كانت مصدر المشاكل بتحركاتها عبر الواحات وسفوح الجبال ،من واحة توات الى سفوح جبل باني ومن تافيلالت الى منطقة وادي درعة الى مجال قبائل ايت يوسي .وهكذا كانت قبائل الرحل ،تهاجم مراعي المستقرين بالواحات ،ولم يقف الحد عند الرعي ،بل كانوا يهاجمون السكان في خيراتهم وسلب نسائهم ، مستغلين انشغال المولى إسماعيل ،في الحد من الاطماع السياسية لأبناء الاسرة العلوية من أبناء اخوته وابنائه.
قصبة مكناس:
تعد من اضخم القصبات ،بتعدد قصورها وحدائقها ووظائفها ،حيث جعل المولى إسماعيل من مكناس سلطته المركزية ما بين 1672 – 1727م ،اشرف على بنائها مستعينا بالأسرى الاوربيين والقبائل المحلية ،فعكست شغفه ببناء القلاع والقصبات، فجاءت قصبة مكناس مكان القصبة المرينية، انفتحت على محيطها بأبواب ضخمة تعلوها أبراج لوضع المدافع كما تشمل مرافق سكنية ودينية ثقافية ومخازن واصطبلات ومحلات لصناعية الأسلحة ،والتجهيزات المائية لسقي البساتين، وتحتوي مجمعا إداريا يعرف باسم الدار الكبيرة، يوجد قرب ضريح الشيخ عبد الرحمان المجدوب، كما تضم مجموعة من القصور، وصفها الاخباري أبو القاسم الزياني بشكل دقيق .فذكر قصر الستينية وقصر المولى زيدان وقصر الشعشاع وقصر الكشاشين ،من اسم كتشينة cocina ترجمة عن الاسبانية، كان معدا للطبخ ومخزن للسلع وبها سكن الطباخين.
تتخلل هذه القصور، ممرات وأبواب، واسوار تعلوها أبراج، ومن قصور القصبة كذلك قصر المنصور يتوسط بساتين. وقصر لالة صفية الذي كان بابه مقابل لباب منصور لعلج، وقصر دار البقر الذي كان اصطبلا لتربية الابقار، وقصر باب مراح، كان معدا لوصيفات السلطان. ومن خارج الدار الكبيرة توجد قصور أخرى كقصر المدرسة وقصر لمحنشة.
اهتم السلطان إضافة الى قصوره، ببناء المساجد منها مسجد الانوار ومسجد لالة عودة، هذا الأخير يرجع أصله الى العهد المريني، وفي العهد الإسماعيلي، تم ترميمه مع وجود مكتبة داخل القصبة، كما خصص جزءا من القصبة، ببناء مخازن للمؤن وحضيرة من الاصطبلات للخيول، ومخازن الأسلحة مع اوراش لصناعتها، كما تحتل البساتين مساحات شاسعة من القصبة بها السواقي والاحواض المائية.
تزود القصبة بالماء من ثلاثة مصادر، قنوات عين تاكما، جزء منها لدار المخزن وجزء اخر للمسجد العظيم، وحوض كبير، الذي يسمى حاليا بصهريج السواني، تغذيه الابار لسقي البساتين المخزنية، والمصدر الثالث مياه واد بو فكران، حيث حول ماء الوادي الى القصبة بواسطة ساقية مكشوفة.
قصبة بولعوان:
تعتبر بولعوان، قصبة أثرية كبرى، بنيت على ضفة وادي أم الربيع، بناها الخليفة الموحدي عبد المومن بن علي، تضم بيوتات الأشراف، يمتهنون تربية الأغنام والفلاحة، جدد بناءها السلطان اسماعيل العلوي، فجعلها قاعدة عسكرية لحراسة دكالة، تضم أبراجا وتحصينات وجميع المرافق التي يحتاجها الجيش من مسجد ومخازن للمؤونة.
أعاد المولى إسماعيل بناءها، فارتبط تاريخها المجالي بمنطقة دكالة وتعتبر من ضمن المنشآت الإسماعيلية بهدف حماية الطرق التجارية واستتباب الامن.
قصبة تادلة:
تأسست من طرف المرابطين على الضفة اليمنى لوادي أم الربيع، لقد مر من هذه المدينة كل من المرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين الى العلويين، ربطت بين فاس ومراكش، كما كانت مركزا دينيا وإداريا وعمرانيا وعسكريا، لحماية المنطقة من هجومات القبائل، كما كانت صلة وصل بين الشرق والغرب والشمال، وبين فاس ومراكش في مختلف العلاقات التجارية والحرفية والعلمية والسياسية والعسكرية. تعرضت القصبة الى خراب في العهد المريني بسبب الحروب، غير انها استرجعت أهميتها مع حكم السعديين في عهد احمد المنصور الذهبي، حيث عين على حكمها ابنه زيدان 1584، فاتخذها مقرا لحكمه. وفي عهد المولى إسماعيل، عرفتترميما، فجعل منها مركزا دفاعيا مهما سنة 1687م، كما عرفت تشييد الدور والمساجد والقنطرة الشهيرة المنسوبة خطأ إلى البرتغال، انزل بها حامية عسكرية من عبيد البخاري، تنطلق منها الحركة السلطانية لردع ثورات قبائل الاطلس المتوسط، وتقوم بدور جمع الضرائب وتامين الطرق التجارية والسلطانية، وعندما وزع المولى إسماعيل حكم الأقاليم على أبنائه سنة 1700، كانت تادلة من نصيب حكم ابنه أحمد الذهبي، الذي أشرف على بناء قصبة أخرى، تضاهي قصبة المولى إسماعيل.
ويصف شارل دو فوكو القصبة الإسماعيلية، التي زارها في شتنبر 1883، قائلا: يحيط بها سوران سور خارجي وسور داخلي، تخترقها أبواب، كما تضم مسجدا ودار المخزن ومساكن، فألحق بمحيطها إسكان قبائل اتى بها من الجبال.
القلاع والقصبات بتافيلالت:
تعتبر تافيلالت من المناطق التاريخية الأكثر أهمية في المغرب، فهي وريثة مدينة سجلماسة التاريخية التي لم يبق من اشعاعها الحضاري سوى خرابها، الذي يمتد على مساحة شاسعة غرب الريصاني، كانت سجلماسة تمتد على المناطق الواقعة على ضفاف مجرى وادي زيز وغريس وتودغى، وجزء من مناطق وادي كير، فاسم تافيلالت اليوم، لا يدل على كل هذا المجال، بل يقتصر فقط على المناطق الواقعة جنوب تيزيمي، الممتدة حتى قصر تنغرس، وهو المجال الذي يتوسطه خراب مدينة سجلماسة. كما تعتبر تافيلالت، أكبر واحة صحراوية بالمغرب بضمها العديد من الواحات، كانت تعد محطة ومركزا للتجارة البعيدة المدى الاتية من جنوب الصحراء الكبرى، مما جعل المؤرخين يعتبرونها باب الصحراء. فهي تتكون من العديد من القرى، وتمتد بها بساتين النخيل على مساحة 50 كلم على طول وادي زيز، كانت عاصمتها قديما سجلماسةمن سكانها الامازيغ، تأسست منذ 757 م على طريق القوافل التجارية الاتية من جنوب الصحراء الكبرى، تعرضت للتدمير 1363م، فأعاد المولى إسماعيل بناءها، ثم بنيت مدينة الريصاني بالقرب منها، لذلك تعتبر تافيلالت وريثة مدينة سجلماسة التاريخية، التي لم يبق منها غير اثارها غرب الريصاني.
انزل المولى إسماعيل أبنائه بواحات تافيلالت، وبهذه السياسة تمكن من تحصينها لإبعاد القبائل عنها خاصة الرحل، فامر بتشييد 105 من القصبات، جعل أبنائه يستقرون فيها، والذي كان عددهم 49 اميرا، كما جعل من قصبة سجلماسة مركزا سياسيا وعسكريا وتعليميا، مكلفا أحد أبنائه بتسيير امورها.
لم ننوي من هذا الموضوع، التطرق الى جميع القصبات التي شيدت في عهد المولى إسماعيل، بقدر ما ننوي إعطاء نماذج لقصباته، التي بنيت من اجل الامن والاستقرار الاجتماعي، مع تثبيت السلطة المركزية، خاصة ان عهده عرف فوضى اجتماعية.