في ذكرى يوم الأرض:
باقون هنا..
بقلم فادي بنعدي – المغرب
في تاريخ الشعوب والأمم أحداث وأيام مفصلية تكون خاتمة منهية لحقبة، ومؤسِسة لمحطة آتية لا محال…
هكذا حل منذ 47 عام ذلك اليوم المشهود في نضال الشعب الفلسطيني الباسل، يوم أعلن هذا الشعب العربي الأبي عن وحدته من داخل الأراضي التي تم احتلالها من طرف العصابات الصهيونية عام 1948.
وقد استحق “يوم الأرض” هذه الصفة لأنه شهد أول انتفاضة وطنية شعبية عامة يقوم به الشعب الفلسطيني المرابط بالأراضي المحتلة منذ نكبة 1948.
أكد فيه الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة عام 1948 بوضوح وبدماء الشهداء والجرحى، على تمسكه بأرض الآباء والأجداد، وعلى هويته الفلسطينية وعمقها العربي، وصفته كأصحاب الأرض، وعلى رفضه ومقاومته للكيان الصهيوني العنصري- التمييزي الذي يعامل ابناءه كمقيمين مشبوهين، مؤقتين وعابرين، وغير مرغوب فيهم في وطنهم..
أعلن في ذلك اليوم المشهود أنه جزء حي أصيل من الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وأن ابناءه ليسوا قابلين للتدجين في المؤسسات الصهيونية وبنية المجتمع الاستعماري- العنصري المحتل.
تصميم الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 كان أقوى من أن يُرد.. وبدل الاستكانة، انطلقت التظاهرات في “ديرحنا” ثم “عرابة” و”سخنين” لتزداد زحماً وقوة واتساعاً..
إن التاريخ، الذي يلفظ الأمم والشعوب اللامبالية بحقوقها ومصائرها والمستكينة لظالميها، يفتح أبوابه لمن يدقها من الشعوب الحية ذات الإرادة.. خصوصاً إذا ما قرنتها بالوعي والتنظيم والوحدة والاستعداد لبذل التضحيات، كما تجلى في هبة “يوم الأرض” الذي سجلت فيه دماء الشهداء والجرحى وعذابات المعتقلين نهاية وسقوط المراهنات على إمكانية التعايش بسلام مع المحتلين العنصريين، وبدء المقاومة الجماهيرية الواسعة المنظمة.
أن اهم ما أنجزه الشعب الفلسطيني في ذلك اليوم المشهود هو تحرير وعي أبناءه من الأوهام، وإطلاق إرادتهم في مباشرة العمل “بذاتهم” و”لذاتهم”… و”الوعي” و”الإرادة” كما نعلم، هما الشرط الأساسي لما هو آت.. وهما “الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل” كما قال “ماوتسي تونغ” في وصف مسيرة الثورة الصينية.
نحيي هذه الذكرى في ظروف اقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها جعلت العالم يعيش مرحلة خطيرة ومفتوحة على أسوأ الاحتمالات نتيجة إصرار المراكز الامبريالية على إعادة هيكلة الخريطة السياسية لمناطق عديدة وخاصة المنطقة العربية للتحكم في المواقع الاستراتيجية، واحتياطات الطاقة. وفي خرق سافر للقوانين الدولية على علتها للحفاظ على تفوق القوة الإمبريالية الاقتصادية والعسكرية والتحكم لأطول مدة ممكنة في ثروات ومصائر الشعوب. في هذا السياق يمكن وضع خلفيات القرارات الأمريكية المتعلقة بصفقة القرن والقدس وتصفية القضية الفلسطينية عبر انبطاح الأنظمة العربية وتطبيها مع الكيان الصهيوني العنصري التمييزي.
في ذكرى ذلك اليوم المشهود 30 مارس/ أذار 1976 “يوم الأرض” وعلى شرفه، نستعيد بحفاوة قصيدة الراحل الكبير “توفيق زياد” العنيدة المُصمِمة “هنا باقون”:
كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
هنا..
على صدوركم
باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج، كالصبَّار
وفي عيونكم…
زوبعة من نار
هنا..
على صدوركم..
باقون كالجدار…
