تقارير المجلس الأعلى للحسابات و مناعة الفساد
البدالي صافي الدين
أصدر هذه الأيام المجلس الأعلى للحسابات عدة مجلدات تدون المخالفات المالية والإدارية التي عرفتها مجموعة من المؤسسات العمومية، شبه العمومية، الجماعات الترابية وبعض المكاتب الوطنية والقطاعات الاجتماعية التي استهدفها افتحاص قضاة المجلس الأعلى للحسابات عبر المجالس الجهوية لهذا المجلس .
ويلاحظ أن هناك مجهودات كبيرة تم بذلها من أجل إعداد هذه التقارير والتي تتضمن عددا هائلا من الملاحظات حول ما تم تسجيله من خروقات و من اختلالات على مستوى التسيير الإداري والتدبير المالي، كيفما كانت خطورة تلك الخروقات أو تلك الاختلالات على المؤسسات والقطاعات المستهدفة بالافتحاص، و كيفما كانت شبهة تبديد المال العام أو شبهة اختلاسه، و كيفما كان التلاعب في الصفقات و في اتباع طرق غير قانونية في صرف ميزانية القطاع، تبقى ملاحظات لا تجد طريقها الى القضاء مباشرة، بل يتم الاكتفاء بالتوصيات لمرتكبي الجرائم المالية ، و هي التوصيات التي لا تلزم الا صاحبها، الذي قد يعتد بها أو قد لا يعتد بها في غياب المساءلة و المحاسبة و ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وهنا تكمن عملية الانتقاء في المتابعة من طرف السلطات التنفيذية و تصفية الحسابات السياسية . و نفس الشيء بالنسبة للمخالفات و الاختلالات الإدارية والتي تضرب في العمق مبدأ تخليق الحياة العامة التي ينص عليها دستور المملكة لسنة 2011 في فصوله من الفصول 12، 13، 14، 15، و 139، حيث خصص لكل الشركاء الاجتماعيين و الاقتصاديين آليات من أجل المساهمة في عملية تخليق الحياة العامة.
و هكذا تزداد تقارير المجلس الأعلى للحسابات في التراكم، و من قبلها تقارير اللجنة الوطنية للحسابات التي تم احداثها سنة 1960، والتي كان من اختصاصها التأكد من قانونية وشرعية العمليات المضمنة في الحسابات. و في هذا السياق ومنذ إحداث المجلس الأعلى للحسابات سنة 1979 بموجب القانون رقم 79-12، حيث كان مكلف بتأمين المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية و هو يسعى الى تعرية واقع قانونية عمليات مداخيل ومصاريف الأجهزة و التي هي من مهامه، أي التأكد من قانونية عمليات مداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لرقابته ومعاقبة عند الاقتضاء كل تقصير في احترام القواعد المنظمة لتلك العمليات.
في سنة 1996 تم الارتقاء به إلى مستوى مؤسسة دستورية، حيث نص الباب العاشر منه بأن المجلس الأعلى للحسابات يتولى ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية، لكن تقاريره منذ اجاثه، تظل دون فعل ردعي و دون آثار إيجابية على أرض الواقع، لأن مظاهر الفساد و نهب المال العام والفساد الإداري، ظلت تتسع وتمتد لتشمل عدة مؤسسات وقطاعات و مكاتب وطنية وصناديق وطنية، حتى أن الرأي العام الوطني أصبح يقلل من جدوى تقارير المجلس الأعلى للحسابات ما دام الفساد يستمر في الانتعاش و التوسع .
إن الاقتصار على عرض التقارير أمام البرلمان أو أمام الرأي العام عبر وسائل الإعلام الرسمية لا يمنع الفساد من تحدي الدولة و المجتمع، لأن له أهله الذين لا يعيشون إلا به من أجل الاغتناء غير المشروع و الذين لهم يد في المؤسسات التشريعية والتنفيذية للدولة .