عطاءاتنا و أسئلة مسؤولياتنا الراهنة والمستقبلية
عبد السلام المجلاوي/ كندا
سأتطرق اليوم لقضايا لن تحظى برضى المحافظين من مثقفين وسياسيين ونقابيين وبعض الفاعلين الاجتماعيين.
كثيرا ما نوجه انتقاداتنا الى الطرف الآخر: النظام، المخزن، السلطات، المسؤولين، الباطرونا الهجينة، السياسات المتبعة…. ولا نجرؤ على الحديث عن الأنا الجمعية : من تنظيمات سياسية واجتماعية، تيارات ومنظمات المجتمع المدني، المثقفين وغيرهم من الفاعلين الأساسيين، الموضوعة على عاتقهم مهام التوعية والتعبئة والتنظيم والنضال من أجل تغيير الأوضاع المزرية الحالية (والتي هي امتداد للأوضاع التي عشناها منذ عقود).
من هنا يفرض علينا طرح موضوع المسؤولية!
لن أغالي في القول إن ذكرت بما هو معروف لدى أوساط المناضلين، كما لدى خصومهم، وهو واقع الجمود الفكري وغياب الإبداع التنظيمي وتراجع الحماس الكفاحي لدى كل فئات المجتمع، وفي مقدمتهم النخب المثقفة والواعية التي لعبت في السابق أدوارا ثورية إن على المستوى الإيديولوجي، السياسي، الثقافي والتنظيمي الخ
قد نجد عدة مبررات لهذا الجمود القاتل، باستثناء بعض المبادرات النضالية الموسمية والاحتجاجات القطاعية والمصلحية، التي لم ترقى بعد الى تعبئة الطبقات المسحوقة للخروج والتظاهر من أجل تغيير بنيات النظام، وليس فقط تحقيق بعض المطالب الجزئية و المادية.
من بين أسباب الركود كما قلت : نتائج حملات القمع المادي والمعنوي، الحصار المضروب على بعضها وحرمانها من الإعلام العمومي وإضعاف الحركة التقدمية بطرق متعددة، منها شراء الضمائر، استقطاب بعض رموز اليسار من طرف النظام، تقوقع بعض التيارات اليسارية، رجالا ونساء، وانصرافها عن العمل السياسي وتعويضه بالعمل الجمعوي، غياب نخب سياسية تقدمية وازنة، انسحاب عدد من المناضلين من الساحة النضالية نتيجة المرض والعياء وكبر السن او خيبة الأمل، هذا الى جانب انزواء فئة اخرى من قدماء النضال الطلابي والشبيبي والعيش على قصص البطولة و البكاء على الأطلال، مبتعدة عن أي عمل منظم من طرف من صمد على الخط.
أضف الى ذلك طبعا تشرذم القوى التقدمية المناضلة وضعف قدرتها على الاستقطاب وتطوير الذات والأداة، وبعدها عن الجماهير المسحوقة. بل ووهم بعضها أن بعض المبادرات داخل هذه النقابة أو تلك، أوداخل هذه الجمعية او تلك، هو الحل لتغيير موازين القوى.. والحال أن هذا الخلط الفكري والإستراتيجي لا يزيد الأوضاع إلا ترديا، ويؤدي إلى المزيد من خيبات الأمل أمام تباعد الهوة بين الأهداف المسطرة والنتائج المحققة في الساحة.
بالرغم من طبيعتي المتفائلة بالإستمرار، لا يسعني إلا أن أسجل الإستياء الظاهر والباطن لدى العديد من الفاعلين الاجتماعيين، سياسيين، نقابيين، جمعويين وحقوقيين أمام العجز على تحقيق ولو قلة من المنجزات السياسية رغم التضحيات الجسام التي قدمها مناضلونا وشعبنا في العقود الستة الماضية.
كلنا نطمح إلى مجتمع بديل لنا ولأجيالنا القادمة، لكن كيف نصل الى ذلك ونحن نفكر بنفس الطريقة ونخطط (ان كان هناك تخطيط) بنفس العقلية التقليدية، ونتعامل مع المواطنين بنفس اسلوب التعالي؟؟؟
ما هي استراتيجية النضال المطروحة، والمشروحة للجميع في أفق 10 أو 20 سنة القادمة؟
ما هي الخطط العملية التي ستوصلنا الى تحقيق تلك الاستراتيجية وما هي الموارد المتوفرة لذلك ؟
متى سنعمل على توحيد العمل النقابي مثلا، ليشمل التنسيقيات وكل الفئات والجمعيات الفئوية لتحصينها من السقوط في أحضان النظام والإنتهازية الفئوية، وضم ملفاتها المطلبية الى الملف النقابي العام بدل شرذمة النضال أكثر فأكثر؟
ما هي برامج النضال السياسي على كل الواجهات؟
أين هي العطاءات الفكرية في الاقتصاد والثقافة والمجتمع من طرف المثقفين العضويين؟ وما هي آليات وبنيات استقبال هذه الطاقات داخل الاطارات السياسية التقدمية المناضلة؟
إن المسؤولية كبيرة وكبيرة جدا، والطاقات البشرية والمادية ضعيفة، مما يتطلب إبداعا أكبر و تطويرا لأساليب العمل لإحياء وتطوير الحماس لدى الشباب ولدى الطبقات المسحوقة ولدى المثقفين والطلبة وجميع من له مصلحة في التغيير. هذا إلى جانب كل القواعد المناضلة التي كلها أمل لإبراز قدراتها وتفجير طاقاتها لتحقيق كل ما تصبو اليه.