تحليقا مع الفينيق…
توصية البرلمان الأوروبي و تداعياتها.
عبد العزيز بلحسن
أثارت توصية البرلمان الأوروبي، حول حقوق الإنسان و وضعية الصحافة بالمغرب نقاشات حادة داخل المغرب و في الخارج؛ بين من اعتبرها تدخلا سافرا في شؤون بلد ذو سيادة، من جهة، و من جهة أخرى من اعتبر الأمر مجرد انتقاد يعزز تطوير حرية ممارسة الصحافة بالمغرب.
اجتمع البرلمان المغربي بغرفتيه و أصدر بيانا يعلن مراجعة علاقته بالبرلمان الأوروبي.
قبل الخوض في مناصرة أحد الطرفين في الجدال الذي مازال مستمرا، لابد من استحضار بعض المعطيات الأساسية، حتى يستطيع الإنسان بناء موقف موضوعي حول ما جاء في توصية البرلمان الأوروبي.
في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان، الذي تم عقده في فيينا صيف 1993 و في البند الأول من إعلان و برنامج عمل فيينا ” يؤكد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان من جديد إلتزام جميع الدول رسميا بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتعزيز احترام جميع حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للجميع و مراعاتها و حمايتها على الصعيد العالمي وفقا لميثاق الأمم المتحدة و الصكوك الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان و القانون الدولي. ولا تقبل الطبيعة العالمية لهذه الحقوق و الحريات أي نقاش “.
لقد وقع المغرب سنة 1996 و الاتحاد الأوروبي اتفاقية الشراكة الاستراتيجية المبنية على القيم الديمقراطية المشتركة.
و في سنة 2008 وقع الاتحاد الأوروبي مع المغرب الوثيقة المشتركة حول الوضع المتقدم و التي ترمي أساسا إلى تعزيز المنجزات المكتسبة التي حققتها الشراكة المغربية الأوروبية …و التي تؤكد و تكرس انتماء الشريك بنفس القيم المرتبطة بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان.
استحضارا لالتزامات المغرب التي تربطه بالاتحاد الأوروبي، و خصوصا الوضع المتقدم الذي حظي به المغرب، و بالنظر إلى مخرجات مؤتمر فيينا، التي أصبحت بعده قضية حقوق الإنسان مسألة دولية، لا يمكن لأي دولة الاختباء وراء الخصوصية المحلية لخرق حقوق الإنسان؛ وأضحى النقاش حول الالتماس بين السيادة الوطنية و منظومة حقوق الإنسان نقاشا مغلوطا ومفعلا.
إضافة إلى ما سبق ذكره، فالمغرب صدق على العديد من الإعلانات و العهود و الاتفاقيات الدولية حول احترام حقوق الإنسان و الكثير من البروتوكولات الملحقة بها، و ما يتطلب ذلك من التزامات على المغرب الوفاء بها؛ لكن يبقى مشكل تفعيلها و تطبيق بنودها قائما في بلادنا.
إذا أراد المغرب إخراج نفسه من دائرة الانتقاد حول خروقات حقوق الإنسان بشكل عام و في الممارسة الصحافة على وجه الخصوص ، من شركائها الأوروبيين و الأمريكان و مجلس حقوق الإنسان و أثناء الاستعراض الدوري الشامل، فما عليه سوى تنفيذ ما بقي من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، و بالتحديد، إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي و التصديق على نظام روما الأساسي، من أجل الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، علما أن تنفيذ التوصيتين لا يتطلب تكلفة مالية، بل فقط توفر الإرادة السياسة الشجاعة و العمل على إخراج مقترح قانون العفو العام، لإطلاق سراح معتقلي حراك الريف و الصحفيين و المدونين و المدافعين على حقوق الإنسان.
لا محيد عن إحداث انفراج سياسي حقيقي قادر على تقوية المجتمع و الجبهة الداخلية، لمواجهة التحديات الداخلية و الخارجية، من خلال سيادة القانون و مناهضة الفساد و تحقيق العدالة الاجتماعية.