الفتنة القاتلة: الجزائر و المغرب إلى أين ؟
البدالي صافي الدين
يعيش الشعبان، المغربي والجزائري، هذه الأيام فتنة تبدو قاتلة .
و السؤال المطروح هو: من هي الجهات وراء هذه الفتن التي أصابت الشعبين المغربي والجزائري ؟ هل النظام الجزائري أم النظام المغربي ؟ و ما هو الهدف منها ؟ إنها أسئلة حارقة يجب الوقوف عندها من أجل البحث عن أسباب هذه الفتنة وتجلياتها .
– إنه غالبا ما تأتي الفتنة من خارج البلاد او من داخلها أو تاتي من دول أجنبية قد تكون مجاورة . و ما يعرف خطر الفتنة و عواقبها إلا الحكماء و العقلاء الذين يعملون جاهدين من أجل إخمادها أو الحيلولة دون وقوعها . و الذين يعملون على إيقاظها هم المتربصون بالشعوب و الفاسدون و ورثة الاستعمار وعملائه والحاقدون . هؤلاء هم الذين يعملون على نشر الفتنة في كل مكان انتشار النار في الهشيم.و إن أبشع الفتن هي التي تقع على المجتمعات والأمم. و هي الفتن التي تؤدي الى حروب قد لا تنتهي بين دولتين أو عدة دول ، و ما الحروب العالمية التي عاش ويلاتها العالم إلا من الفتن التي كان من وراءها طموحات الدول الرأسمالية التي تتسابق من أجل احتلال الشعوب والسيطرة على ثرواتها و قيادة العالم . مما مهد الطريق لاندلاع الحرب العالمية الاولى ( 1919) و الحرب العالمية الثانية (1939). و رغم إدراك الشعوب العربية خطورة الفتن وما تخلفه من دمار الشعوب ، لأن تاريخها الطويل مليء بها، فإنه مع الأسف و الأسى تعيش المنطقة العربية، ومنها المغرب و الجزائر، فتنا كمثل قطع الليل المظلم، وضحاياها هم الشعوب المغاربية .
وفي هذا البحر المتلاطم بالفتن في عالم شديد التقلبات و والاضطرابات ، وما يعرفه من أزمات اقتصادية و اجتماعية و سياسية و من تسابق نحو تقسيم العالم تقسيما جديدا من خلال زعزعة الأمن الاجتماعي والسلام الداخلي و والخارجي للأمم ، تعرف منطقة المغرب العربي توترا غير مسبوق بين المغرب والجزائر منذ عملية الكركرات التي قام بها المغرب لصد هجمات البوليساريو و ما واكب ذلك من تأييد من طرف دول كثيرة عبر العالم ومجلس الأمن في آخر قراراته . و تجلى هذا التوتر في الملاعب الكروية الجزائرية وهو المجال الذي اتخذه النظام الجزائري لجر المنطقة إلى الفتنة من خلال استعمال الجمهور الكروي الجزائري دون وعي منه كأداة لبت العداوة و البغضاء بين الشعبين المغربي والجزائري. وتم ايضاً استغلال المناسبات الكروية القارية ( الافريقية و العربية ) و الدولية لمناهضة المغرب في صحراءه و بحثا عن تأييد أطروحته الانفصالية . فحول النظام العسكري الجزائري المناسبات الكروية الى مساحة سياسوية يسعى من ورائها محاصرة المغرب في الزاوية الضيقة حتى يخضع لأطروحته الانفصالية . و بسلوكيات هذا النظام الجزائري نشطت أبواق أصحاب الفتن من صحافيين مرتزقة و من مواقع الكترونية مصخرة و المخابرات الفرنسية و الأمريكية و الجزائرية و المغربية و الاسرائيلية و جلها تسعى الى السبق في تأجيج الفتنة حتى تصيب البلدين، المغربي و الجزائري، دون أي ذنب للشعبين. إنها فتنة مثلها كمثل البركان الخامد و الذي أصبح على وشك الانفجار .أمام هذا الوضع تظهر دول تساهم في إشعال الفتنة بين المغرب والجزائر لغاية في نفس يعقوب . و منها فرنسا التي تحرك الجزائر حتى يظل المغرب تابعا دون تردد لما تبين لها بأنه يسعى الى التحرر و لو جزئيا من هيمنتها ومن إملاءاتها و أصبح منفتحا على دول أخرى صناعية مثل الصين وكوريا واليابان وعلى الدول الإفريقية من أجل الاستثمار . و نسي النظام الجزائري أن فرنسا هي أم الفتن في أفريقيا وفي المغرب العربي . فرنسا التي زرعت بذور الفتن في ليبيا ولا زالت تسعى إلى تفكيك الشعب الليبي كي تستفيد من منابع بترول هذا البلد .كما انها هي التي زرعت بذور الفتن بين المغرب والجزائر لما كانت تحتل الجزائر حينما قامت بضم أراضي مغربية إلى مستعمرتها الجزائر ظنا منها أنها ستصبح من مستعمراتها ما وراء البحار الفرنسية departements d’outre-mer DOM-TOM اي مجموعة من الأقاليم المختلفة تحت الإدارة الفرنسية خارج القارة الأوروبية . وبعد استقلال الجزائر نقد النظام الجزائري العهد مع المغرب الذي رفض ترسيم الحدود مع فرنسا بين البلدين الشقيقين حتى يحصل الشعب الجزائري على استقلاله . و بعد استقلال الجزائر بسنة تقريبا تحرك اصحاب الفتنة من فلول الاستعمار الفرنسي لاشعال الفتنة بين المغرب و الجزائر مما تسببت في حرب الرمال ببن البلدين سنة 1963 حيث بدأت بتصاعد حملات إعلامية منها الإعلام الجزائري الذي يقول “إن المغرب له نيَّات توسعية على حساب الجزائر، مستغلّاً إنهاكها من حرب التحرير”، فيما اتهم المغرب الجزائر على لسان وكالة أنباء المغرب العربي بأنها بعثت بقوات إلى طرفاية كي تحرّض السكان هناك على الثورة ضد الملك. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول شنّت قوات جزائرية هجوماً على نقطة تمركز عسكرية للجيش المغربي بمنطقة حاسي بيضا أودت بحياة عشرة جنود. على أثرها
احتج الرباط على الجزائر. و رغم تدخل العقلاء من عدة دول لإنهاء الحرب وقبول المغرب بكل الوساطات من أجل تأجيل ترسيم الحدود الى وقت لاحق، فان النظام الجزائري ظل يدا طيعة لبعض دول المعسكر الشرقي طمعا في الزعامة الإفريقية دون الزعامة العربية، التي كان جمال عبد الناصر يسعى إليها. ظل هذا الوهم يسيطر على عقلية حكام الجزائر و أصبحوا يتربصون بالمغرب في كل مناسبة و منها زرع الفتن بين الشعبين من خلال تزوير الحقائق التاريخية حتى لا تكون للمغرب أية مكانة وسط أفريقيا أو دول المعسكر الشرقي أو فرنسا، خاصة لما قرر المغرب استعادة الصحراء المغربية في 1975 من الاستعمار الاسباني .
لم يقدر النظام الجزائري ما تسببه الفتن من كساد و من ازمات اقتصادية و اجتماعية و من انفلات أمني في الجزائر أولا قبل المغرب . الواقع الجزائري أصبح جليا لدى العالم لا تخفيه البدلات العسكرية ولا الأكاذيب . وإنه من غير المستبعد أن تعرف الجزائر خروج أهل الفتن و الضلال و الإرهاب حتى يصاب الناس بالذعر و الخوف والانكماش الذي لن يدوم لأن الشعوب لا يمكن التغرير بها مدى الحياة و جعلها عدوة الأشقاء وتبديد ثرواتها في صناعة الانفصاليين و الكيانات الوهمية خدمة لأصحاب الفتنة الرئيسين من دول استعمارية توسعية. إن ذاكرة الشعوب أقوى من ذاكرة الأنظمة المستبدة و لن تظل تعيش تحت طائلة مغالطات الأنظمة اللاديمقراطية ، لأن وعيها يتجدد وينمو بفعل التجارب و قياس مصداقية النظام .و لذلك فإن الاحتكام الى العقل و إلى سبل الحكمة هو الحل الأمثل للخروج من نفق الفتنة ، لأنها قاتلة الشعوب و المجتمعات، و العودة إلى أرضية المغرب الكبير وفك الحصار على شعوب المنطقة حتى تقرر مصيرها المشترك بنفسها عبر مؤسسات منتخبة انتخابا ديمقراطيا و نريها تشهد عليه المؤسسات الدولية.وهو ما سيضمن الأمن الشامل لدول المنطقة و الطمأنينة وراحة الشعبين و أمنهما و تقدمهما والقدرة على العمل والعطاء والإنتاج المشترك والاستقرار الدائم .