في قطر تدور الدوائر
بقلم ياسين يحيي
إننا في سنة 2022, عصر الحضارة العضمى، عصر الحريات، زمن التواصل الرقمي و النانو و فيزياء الكم quantum physics, و بالضبط في شتاء 2022,و بتحديد أكثر في كأس العالم للفيفا ب دولة قطر.
منذ وقت طويل، دخل العالم نطاق الحرية المطلقة، و التحول الجنسي، و التعدد في الميولات، و اتخاذ أنماط جديدة من الفكر و طرق العيش الحديثة، كالتزاوج بين البشر و الحيوان، و التغدية عبر الحقن، و الوشم و التشيطن و الكثير من أنماط أراد البشر بها أن يغير الخلق، أو يدخل في فطرة جديدة غير التي وضعها الله في ناموسه العظيم.
لقد تحرك العالم نحو قطر، و هو يجر جحافل الأفكار الجديدة، و أكواما من الأنماط الهجينة المستحدثة، في كبرياء يقول لسان حالها أننا نحن الجيل الحديث، نحن التكنلوجيا المختلطة بجينات البشر، لكن أمرا ما سيحدث، و لأول مرة عبر تاريخ البشر، أمر يهز العالم الحديث، و يدخله في صدمة هي الأقوى و الأدهى، أمر قد لا تنساه الحضارة الحديثة و لربما صارت نقطة تحول أو نقطة لمراجعة الذات.
صدّت دولة قطر كل ما يمكن أن ينفذ من بابها من أشكال الزيغ أو الانحراف الأخلاقي كالمثلية الجنسية أو الشذوذ، أو الإلحاد العلني، و لم تخجل أو تتردد من جعل الدين الإسلامي و تعاليمه كصمام أمان لجميع منافذ هذا المحفل الرياضي العالمي، بل و أرغمت الأمم على احترام الإسلام كأمة و دين و تشريع.
لعل ما زاد من ترسيخ هذه السيادة العربية الإسلامية الاعتدالية خلال المونديال القطري هو تفوق دولة المغرب خلال المنافسة العالمية، وما قدمه كبلد مسلم عربي افريقي، عكس ما ألفناه من المنتخبات الغربية الكلاسيكية التي كانت تستحوذ على أعلى المراتب و النتائج، و الفرجة و التنشيط الجماهري.
لقد كان المغرب نموذجًا جديدا، و نمطا غير الذي يروج منذ سنوات عدة، و صدى عربيا إسلاميا، يواجه ثقافة العولمة، و الفكر العالمي النموذجي الغربي، و موجة الحداثة المتطرفة الهوجاء، ويمكننا إسقاط ذالك على المغرب كأمة أو شعب.
مما لا شك فيه أن المغرب ضمن سياق الدول التي تنجرف في الموجة السالفة الذكر، و من بين الحواضر العالمية التي يتخلل شبابها و شيبها العولمة الحديثة المتقدمة، مما أدى إلى استفحال المشاكل الإجتماعية الأخلاقية و العقائدية، و ربما طال الأمر إلى المثلية الجنسية، و الإدمان و الإلحاد.
لقد كان المغرب و لا يزال معرضا للتأثيرات السلبية التي ينتجها الفكر الغربي في شقه المتطرف، و هذا ما نلمسه في تأثير التواصل الافتراضي على عقلية و نمط حياة الشباب، و التحول الراديكالي في الأخلاق و الأعراف لدى معظمهم، و نأخذ كمثال المهرجانات التي تنتهي بالفوضى ومظاهر الإدمان العلنية، او ربما كان المؤطر و المنشط و الفنان هو أول من دعى إلى ذالك، كما حدث مؤخرا في الحفلة الموسيقية للمدعو طوطو.
و عكسا لكل ذالك، كانت الأخلاق المغربية الإسلامية حاضرة بالمونديال لدى المغاربة، و خصوصا اللاعبين و القائمين بشؤونهم، لقد أظهروا للعالم العربي و الغربي، أن رضى الوالدين، والتوكل على الله و الدعاء، و الأخذ بالأسباب و الروح العربية الإسلامية لا زالت قائمة فينا، و أن النموذج الإسلامي المعاصر، الموازي للفطرة السليمة َو الأخلاق الطيبة الحميدة هي البديل و الحل امام الهمج الأخلاقي، و التحلل في الخلق و الخليقة.
لقد أصبح رضى الوالدين، و الاعتدال الديني، و سماحة الأخلاق بديلا للمثلية، و الصدود المجتمعي والتوحد الذي تخلفه الثورة الرقمية في سلبيتها،
لقد قدم المغاربة الدرس الأكبر للعرب و الغرب، بأن حفلات المخدرات و الإدمان ليست موضة أو حداثة، و أن العقوق و التوحد الاجتماعي الذي تنتجه الثورة الرقمية في سلبيتها ليس نمطا أو لباقة اجتماعية، و أن الحياد عن الفطرة أو إبعاد البعد الديني و الروحي عن مشارب الحياة ليس تقدما أو تحرر.
إن التاريخ لا ينسى، و لا يمكن تحريفه خصوصا وإن كان مشهودا عليه من باقي الأمم، إن الصدمة العربية و الإسلامية المغربية قد تأخذ منحاها في الأمد البعيد، و تحفر طريقها في غياهب الثقافة الغربية، و قد تجد صداها بعيدا بين ظهران من ينشدون التحرر من العقيدة و الفطرة و الأخلاق.
بقلم ياسين يحيي