مصطفى المنوزي – المغرب

نعيش زمنًا من التيه والتردّد، زمنًا تُطوِّقه سرديات الاستقطاب والقتل الرمزي المتبادل، بدل منطق الاكتساب الإيجابي القائم على الكفاءة والجدية والاستحقاق. وفي مثل هذا السياق الملتبس، يبرز السؤال الحاد: كيف يمكن للإعلاميين أن يكونوا أحرارًا وهم في الأصل أجراء لدى «أسياد» متخندقين طبقيًا وأرستقراطيًا؟ هذا التساؤل لا يقدّم توصيفًا عابرًا، بل يشكل مفتاحًا لقراءة الأعطاب العميقة التي تمسّ الحقل الإعلامي. فاستحضاره يكشف أن أزمة الحرية المهنية ليست ثمرة انحرافات فردية أو مجرد تقنيات رقابية، بل هي نتاج تراكم نسقي لسرديات الهيمنة التي تعيد تشكيل المجال الإعلامي وفق مقاييس الولاء والتراتبية، لا وفق معيار الكفاءة والاستحقاق.

وبهذا المعنى، يتحول السؤال من استغرابٍ شكلي إلى مؤشر بنيوي على طبيعة العلاقة بين السلطة والفضاء الإعلامي، وعلى حدود الفعل الحر داخل منظومة تحكمها شبكة مصالح تتداخل فيها العلني بالخفّي، والمرئي بالرمزي. ويزداد المشهد تعقيدًا حين نستحضر دور السردية الأمنية التي تُعيد ضبط المجال العمومي، فتحدد حدوده، وتوجّه إيقاعه، وتحوّل الإعلامي إلى فاعل يتحرك داخل منطقة يُراقَب إطارها سلفًا. فالمسموح به في الخطاب يُحدَّد وفق حساسية السلطة وتقديراتها، لا وفق حاجة المجتمع إلى الحقيقة. وفي ظل هذا الوضع، تتعزّز الهيمنة الرمزية باعتبارها الوجه الناعم للسلطة؛ فهي تتسلل عبر آليات الامتثال والولاء وإدارة السمعة المهنية، وتغذي آليات القتل الرمزي، مشكلةً طبقات خفية من الوصاية على إنتاج المعنى.

وهكذا، قبل أن يكون الإعلامي أجيرًا بالمعنى التقليدي، يصبح خاضعًا لمنطق حقل تتقاطع فيه السلط السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث تُطبَّع التبعية ويُعاد تعريف الحرية في إطار «الحرية المشروطة». لذلك، فالأزمة ليست مهنية فحسب، بل هي أزمة بنية سردية تتحكم في شروط إنتاج المعرفة، وفي من يملك حق روايتها، وفي المساحة التي يُسمح لها بالتحرك داخل المجال العمومي.