الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

هل السياسة… لعبة الأمم أم مؤامرة الإمبراطوريات الخفية؟

الحلقة: الحادية عشرة من سلسلة “إحقاق حق”

 

 

 

بقلم ذة. نجاة زين الدين

 

 

أولا: كلمة صغيرة تقلب موازين الأرض:

السياسة: هذه الكلمة التي تبدو بسيطة في اللفظ، لكنها أكثر المفردات شراسة في المعنى، تحمل في جوفها دهاء العقول، و دموع الشعوب، و خرائطا أعيد رسمها بمداد الدم و بشريعة النفط و بلغة السلاح.
هي ليست مجرد علم لإدارة الشأن العام كما تدرس في الجامعات، بل أصبحت في عصرنا الحديث أداة تتحكم في مصير الكوكب، و مختبرا لصناعة الزعامات، و ميدانا للسباق المحموم للقوى الكبرى على تقاسم النفوذ و المصالح.
لقد مزقت السياسة خريطة العالم، و أبادت شعوبا بإسم “الحرية”، و قلبت أنظمة بإسم “الديمقراطية”، و خلقت حروبا أهلية بإسم “حقوق الإنسان”، و مولت إنشاء حركات إرهابية بإسم الدين و المعتقد، و أبادت دولا بالكامل بإسم محاربة هذا الإرهاب الذي مولت في الأساس خلقه، فكيف تحولت أسمى الفلسفات إلى أفتك الأسلحة الفكرية؟؟؟ و من يوجه عمل هذه الدوائر في الخفاء؟؟؟

1) تعريف السياسة… من الفكرة إلى السيطرة:

السياسة في جوهرها، فن إدارة المصالح العامة، و موازنة القوى داخل المجتمع الواحد أو بين الدول، غير أن المفهوم الذي نشأ مع الفلاسفة الأوائل: من أفلاطون و أرسطو إلى إبن خلدون، كان يقوم على العدالة الإجتماعية و الدولية، بتعميم التنظيم و الرؤية الأخلاقية للدولة و التمثلات النبيلة و السامية، إلا أنه اليوم، تحول هذا الفن إلى حرفة للتحكم و الهيمنة و التوجيه، و إلى شبكة متداخلة من المصالح التي تربط الحكومات بالشركات العابرة للقارات، و بالبنوك و شركات التأمين الكبرى، و بالمؤسسات المالية العالمية، التي تمسك بخيوط اللعبة كلها من وراء الستار.

2) من يتحكم في السياسة العالمية؟

ليست الأمم المتحدة، و لا مجلس الأمن، و لا الشعوب هي من يحدد مصير العالم، بل تقف خلف الكواليس قوى إقتصادية عملاقة، تتحكم في الإعلام و المال و السلاح و الطاقة، و تدير السياسة كما تدار مسرحية محبوكة الأدوار.
هذه القوى تعرف اليوم بإسم الإمبريالية الرأسمالية الحديثة، تلك التي لا ترفع علما و لا تمتلك جيشا علنيا، لكنها تمتلك البنوك و التأمينات الكبرى، الشركات النفطية، مصانع السلاح، و المنصات الإعلامية التي تصنع الرأي العام بالبروباجندات الجاهزة و تعيد تشكيل العقول وفق منطقها الإنتهازي و مآربها الوصولية.
فهي التي تختار القادة، و توجه و تمول الإنتخابات الرئاسية لكل الدول، و تدعم الإنقلابات حين تشاء، و تغتال الزعماء الذين يخرجون عن نص سيناريوهاتها المريبة و العجيبة.
هي التي تمول الحروب تارة بإسم “التحرير”، و تارة أخرى بإسم “الردع” و محاربة الإرهاب، لتبيع الأسلحة و تعيد إعمار ما دمرته بقروضها الملغومة.
إنها القوة التي تمسك بخيوط “العالم الموحد” تحت شعار العولمة، و هي في الحقيقة عولمة رأس المال لا عولمة الإنسان.

ثانيا: السياسة كأداة للهيمنة:

ما عادت السياسة في كثير من الدول وسيلة لخدمة المواطن، بل تحولت إلى أداة لشرعنة الفساد، و توريث السلطة، و كبت الإرادات الشابة، الثواقة إلى التحرر من ربقة الإستعباد و الهيمنة.
لقد صارت الأحزاب في كثير من الأقطار مجرد واجهات تتصارع على فتات الكراسي، بدل التنافس على خدمة الوطن ببرامج حقيقية و جادة. فتحول الحكم إلى إرث عائلي أو حزبي مغلق، يمنح فيه المنصب لمن يدفع أكثر و لو لم تكن له كفاءة لا في التسيير و لا في التدبير ليحول بذلك كرسي الأمانة الحزبية بالإراثة كما تورث الأملاك الخاصة.
و ما بين الشعارات البراقة و الوعود الكاذبة و الزائفة، يظل الشاب العربي، و الإفريقي، و الآسيوي، يعيش في هامش القرار العالمي، متفرجا على مصيره، الذي يرسم و يحدد في مراكز القرارات الغربية، حيث تخطط سياسات الغذاء و عقوبات التجويع و الإبادة، و تدار صفقات الطاقة و الإقتصاد، و تقرر أسعار الحبوب و النفط و أنفس المعادن و العملات و يعاد رسم الخرائط حسب أهواء المصالح الإمبريالية.

ثالثا: الإمبريالية الخفية… حين يصبح المال دولة:

الإمبريالية اليوم لم تعد كما كانت جيوشا تحتل و تستوطن فقط، بل صارت بنوكا تثقل كاهل الأمم بالمديونية المذلة و المزعجة و المهيمنة و المقيدة بإملاءات مسيجة، بتكتيك شركات تستعبد العقول، و مؤسسات إعلامية تبرمج الوعي الجماعي و تتحكم في إيراداته بمنطق القطب الواحد.
لتتحكم في القرار من خلال الضغط المالي، و الديون الخارجية، و القروض المشروطة، لتعيد تشكيل الأنظمة عبر ما يسمى بـ”المساعدات الدولية” أو “برامج الإصلاح الإقتصادي” أو “برامج إعادة الهيكلة”
إنها إمبريالية ناعمة الملمس، لكنها قاسية المضمون، تجعل الفقر سلاحا و السياسة أداة و الطاعة عقيدة و التجويع عقابا.

رابعا: نحو وعي سياسي جديد:

لقد آن للشباب أن يدركوا أن السياسة ليست حكرا على المكاتب المغلقة و لا على النخب الفاسدة، بل هي مسؤولية كل مواطن حر يرفض أن يكون رقما في معادلة الغياب.
السياسة الحقة هي فن بناء الأوطان بالإرتقاء بالوعي لا بهدمها، و فن المشاركة لا الإقصاء، و فن التفكير و الإبداع لتحقيق التقدم و الإزدهار لا التبعية و الإستعباد.
إنها وعي و مسؤولية، تبدأ من الكلمة لتنتهي بالفعل، من الصوت الإنتخابي إلى الموقف الميداني، و من النقد إلى المبادرة و من التنظير إلى التفعيل الحقيقي.

خامسا: صرخة الوعي:

يا شباب الأمة…
كفى تصفيقا لزعامات حزبية تصنع في مختبرات الخارج، و كفى إنبهارا بسياسات تبنى على حساب كرامتكم و مستقبلكم.
السياسة ليست لعنة، بل وسيلة شريفة حين تمارس بنزاهة.
لكنها تتحول إلى جريمة حين تباع الإرادات و تشترى الضمائر بسومة مهينة(200,00 درهم).
إن العالم اليوم بحاجة إلى ثورة فكرية، لا ثورة دم، إلى إعادة بناء القيم قبل الأنظمة، إلى تصحيح مسار الإنسانية قبل تصحيح و تغيير الحكومات.
فالعالم لن يتغير ما لم تتغير العقول التي تصنع هاته السياسات.
و لن تستقيم السياسة ما لم ترتبط بالأخلاق، و ما لم يعد الإنسان فيها غاية لا وسيلة و ما لم تكن الديمقراطية تجسيد واقعي لا شعارا أجوف و مزيف.
فلتكن السياسة من جديد مرادفا للحكمة، لا للحيلة؛ و للحق لا للمصالح؛ و للعدالة لا للهيمنة.
ذلك هو الطريق الوحيد نحو ديمقراطية حقة تصنع في العقول قبل أن تكتب في الدساتير.

سادسا: خارطة الطريق نحو نهضة الوعي و الفعل:

المخطط الأول:

*) الثورة الفكرية الهادئة:
-“لا يمكن بناء وطن بوعي مكسور، و لا يمكن تغيير العالم بعقول مستسلمة.”
-تحرير العقول من الهيمنة الإعلامية ب:
•التوقف عن إستهلاك التفاهة المعلبة التي تصنعها منصات الترفيه و الإلهاء.
•بناء وعي نقدي لدى الشباب يمكنهم من تحليل المعلومة قبل تصديقها، و الفكرة قبل مشاركتها.
•تأسيس مبادرات شبابية لتصحيح المفاهيم و نشر الفكر التنويري المعتدل.
*)إستعادة القراءة كفعل مقاومة ب:
-تشجيع النوادي الثقافية في الأحياء و الجامعات.
-إعادة الإعتبار للكتاب كوسيلة نهوض، لا كرمز منسي على رفوف المكتبات.
-توجيه القراء إلى كتب الفكر و السياسة و الإقتصاد التي تفكك البنية الإمبريالية للعالم.
*) بناء وعي سياسي مستقل ب:
-إدخال التربية السياسية و المدنية في المناهج التعليمية.
-إنشاء منصات رقمية مستقلة لتثقيف الشباب في مفاهيم المواطنة، و الحقوق، و المشاركة.

المخطط الثاني:

*) الثورة الثقافية و الأخلاقية:
-“الثقافة لا تبنى بالضجيج، بل بالوعي الجمعي الذي ينهض من داخله.”
-تطهير المشهد الثقافي من التفاهة و الفوضى ب:
•دعم الفن الهادف، و المسرح المقاوم، و الإعلام التوعوي.
•مقاومة موجات “النجومية السطحية” التي تقتل الطموح و تغتال القدوة.
-إحياء قيم الشرف و الكرامة و الإخلاص في العمل ب:
•جعل الأخلاق معيار التقدم، لا المظهر و لا الشهرة المنمقة الجوفاء.
•خلق نماذج واقعية لرموز شبابية ناجحة بجهدها و كدها.
-تقديس العمل و الإنتاج بدل الكلام و الشعارات الفارغة الزائفة ب:
•تحويل الفكر إلى مشروع، و الحلم إلى مبادرة، و المبادرة إلى مؤسسة.
•تشجيع ثقافة التطوع و الإنتاج المحلي و الإعتماد على الذات.

المخطط الثالث:

*)الإصلاح الإقتصادي الشعبي:
-التحرر الحقيقي يبدأ حين تمتلك قوتك بيدك، لا حين تنتظر من يطعمك، و بالرهان على الإقتصاد التعاوني ب:
•تأسيس تعاونيات شبابية للإنتاج الغذائي، و الصناعي، و الخدماتي.
•تشجيع المشاريع الصغيرة و المبادرات الميدانية بدل إنتظار التوظيف.
-تعليم مالي مبكر ب:
•غرس ثقافة الإدخار و الإستثمار في عقول الشباب منذ التعليم الثانوي.
•إنشاء برامج لتعليم مبادئ الإقتصاد و التمويل المستقل.
-مقاطعة الإقتصاد الإمبريالي الإستهلاكي ب:
•دعم المنتوج المحلي و الوطني.
•نشر وعي جماعي بخطورة التبعية الإقتصادية

المخطط الرابع:

*)الإصلاح السياسي المدني:
-السياسة ليست مهنة نخبوية، بل مسؤولية جماعية تبدأ من الشارع لتنتهي في البرلمان
-إعادة تعريف السياسة كمشاركة لا كإحتكار ب:
•تشجيع الشباب على الإنخراط في النقابات و الجمعيات و الأحزاب النظيفة.
•خلق جيل جديد من القادة السياسيين المؤمنين بالعمل الميداني لا بالمصالح الضيقة.
-الرقابة الشعبية على القرار من خلال:
•إطلاق مبادرات مدنية تراقب أداء المجالس المنتخبة.
•جعل الشفافية و المساءلة حقا شعبيا، لا منة من السلطة.
-تجديد الخطاب السياسي ب:
•تحويل لغة السياسة من “الوعود” إلى “البرامج المنجزة”، و من “التخوين” إلى “النقاش الجاد و الهادف”، و من “الزعامة” إلى “القيادة الجماعية الديمقراطية، التشاركية الحقة”.

المخطط الخامس:

*) النهضة الرقمية الواعية:
-من يملك المعلومة يملك السلطة، و من يملك الوعي يملك المستقبل.
-التحرر من الإستعباد الرقمي ب:
•إستخدام التكنولوجيا كأداة معرفة و إبداع، لا كوسيلة تبعية و إدمان.
•تشجيع الشباب على تعلم البرمجة، و التحليل الرقمي، و صناعة المحتوى الهادف.
-بناء إعلام بديل حر و مسؤول ب:
•إنشاء قنوات شبابية مستقلة على اليوتيوب, بإنتاج البودكاست الهادف، بغية فتح النقاشات الفكرية و السياسية الجادة.
•فضح الفساد و الفكر المتطرف و الخيانة الفكرية عبر الكلمة المسؤولة و الصورة الهادفة.

المخطط السادس:

*)إعادة بناء الإنسان:
-النهضة ليست في البنايات، بل في العقول التي تبنيها.
-الإستثمار في التربية قبل البنية ب:
•إصلاح التعليم من جذوره، بتعليم التفكير لا التكرار، الإبداع لا الحفظ النمطي الممل.
•إعادة الإعتبار للمربين الحقيقيين كصناع أجيال لا كموظفين ب:
•إحياء روح الإنتماء للوطن و الإنسانية ب:
•تعليم الأطفال منذ الصغر أن حب الوطن فعل لا شعار، و أن الحرية مسؤولية لا فوضى.
•جعل خدمة المجتمع واجبا مقدسا قبل أي مصلحة فردية.

 

يا شباب الأمة،
إنكم لستم جيل الفشل كما يصورون لكم، أو كما يحاولون إقناعكم به، بل إنكم جيل النهوض و الثورة الفكرية على ما هو سائد، لأنكم إن إستوعبتم رسالتكم و مهمتكم الخطيرة…
كفوا عن مطاردة التفاهة، و إبدؤوا بمطاردة المستقبل…
إزرعوا المشاريع، و إبنوا الفكر، و اصنعوا الإعلام الوطني المستقل عن التبعية لآليات الإمبريالية، و اصنعوا وعيا بناءا هادفا.
فالإمبراطوريات لا تسقط بالسلاح فقط، بل تنهار حين يستفيق وعي الشعوب و كذلك عندما تستنهض همتها و تؤمن بأن من لا يتطور يتدهور و بأنه من لا يتجدد يتبدد.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!