الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

قمة الدوحة المهينة و ذبح القضية الفلسطينية: منح لترخيص تجبر و إستبداد و غطرسة الكيان الإسرائيلي:
(الجزء الأول)

الحلقة السادسة من سلسلة “إحقاق الحق “

 

 

 

بقلم: نجاة زين الدين ـ المغرب

 

 

تعود القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى واجهة القمم العربية الإسلامية الصورية، مع قمة الدوحة الطارئة، التي إنعقدت في سياق إعتداء إسرائيلي مباشر على دولة قطر، بإغتيال خمسة من قادة المقاومة الفلسطينية في أراضيها، و قد وصفت هذه الضربة بأنها ليست فقط إستهدافا للمقاومة، بل رسالة إستخفاف بسيادة دولة خليجية لها حضورها الدبلوماسي و وزنها الإقليمي.

و مع إنعقاد هذه القمة بحضور ملوك و رؤساء و أمراء و قادة سياسيين من مختلف الدول العربية و الإسلامية، تعالت الأصوات بالإدانة و الشجب كالعادة، و كثرت البيانات النارية الإستنكارية كما كان متوقعا، لكن النتيجة لم تختلف عن سابقاتها: كلمات بلا أفعال، بيانات بلا آليات و لا تنزيل، صرخات بلا مخالب و لا مواجهة صريحة و فعلية، لتتواصل بذلك رحلة “ذبح القضية الفلسطينية” على موائد التواطؤ الدولي و العجز السيادي للدول العربية و الإسلامية.

 

1) وقائع القمة:

 

أستهلت القمة كالعادة بالتصفيق و بكلمة رئيس الدولة المنظمة فكانت بذلك

كلمة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر ملهبة لمشاعر الحاضرين، حيث أكد خلالها أن الإعتداء الإسرائيلي يمثل خرقا خطيرا للأعراف الدولية، و عدوانا سافرا و غادرا على دولة وسيطة تسعى إلى إيقاف نزيف الحرب بالحلول السلمية بوساطة مساعي إنسانية؟، كما دعا إلى تحرك فعلي لا يكتفي بالتصريحات و التنديدات، بل يفضي إلى قرارات ملزمة توقف إسرائيل عند حدها…الخ، و لغرابة الموقف حين إنتهت على غرار شاكلاتها السابقة، بل زادت الطين بلة و منحت ترخيصا للكيان المحتل للتمادي في تقتيله و تجبره و تعنته….

أما كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي شدد بدوره على أن إستمرار العدوان الإسرائيلي يقوض فرص السلام، و عن أي سلام يتحدث بالله عليكم في ظل التقتيل و التجويع و الإبادة و التهجير القسري؟؟؟ كما أنه صرح و يا للعجب بأن أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية محكوم عليها بالفشل؟، كما دعا بدوره إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، مؤكدا أن مصر لن تقبل بتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم بهذه السهولة…و…الخ…

 

كلمات قادة آخرين:

بعض الزعماء العرب كرروا الدعوة لمراجعة مسار التطبيع مع إسرائيل، بعد أن أظهر عجزه عن حماية أبسط الحقوق للفلسطينيين العزل.
في حين إكتفى ممثلون عن دول إسلامية (إيران، تركيا، ماليزيا، باكستان) بالتحدث بلهجة أكثر حدة، محذرين من أن الصمت على هذه الجرائم يشرعن إستمرارها.
أما ملوك و أمراء الخليج فلقد حاولوا التوفيق بين الإدانة و الحرص على عدم التصعيد المباشر مع الحليف الصهيوني/ الأميركي، حفاظا على دور الوكالة التفويضية لشراء المزيد من الأراضي لصالح الكيان بدعوى الإستثمار و الدعم الإماراتي للكثير من الدول العربية؟.

 

 البيان الختامي:

و لقد جاء البيان الختامي بصياغة قوية لفظيا لكنه فضفاض عمليا: إدانة صريحة للعدوان الإسرائيلي، تحذير من خطر سياساته على السلام المنظر له، و الدعوة إلى مراجعة الإتفاقات و العلاقات معه.
لكن البيان لم يتضمن أي قرارات ملزمة كقطع العلاقات، أو وقف التعاون الإقتصادي، أو حتى التحرك الفعلي في مجلس الأمن و المحاكم الدولية بآليات ضاغطة من خلال المطالبة بتنفيذ نص الأحكام الصادرة ضد بنيامين نتنياهو و وزير أركانه الحربية الذين أدينا بأحكام جرائم ضد الإنسانية، أو توقيف التطبيع كإجراء إستعجالي دون محاباة و أسفااااه و لا تبني طرح المقاطعة لكل المشاريع الإسرائيلية و الأمريكية و الغربية الداعمة له داخل هذه الدول و بكل العالم لشل حركيتها الإقتصادية و إلحاق الضرر بإستثماراتها التي تبلغ التريليونات من الدولارات بكل القطاعات دون إستثناء: المعلنة منها و المتسترة وراء النفاق السياسي المعتمد من الجميع.

 

2)القمم السابقة: سجل طويل من الفشل و المهانة للسيادة العربية و الإسلامية:

 

لم تكن قمة الدوحة إستثناءا، بل كانت حلقة جديدة في سلسلة طويلة من القمم التي ولدت على أنقاض الدم الفلسطيني ثم ماتت بلا أثر فعلي و لا إجراء عملي:
فمنذ المجازر الصهيونية الأولى في فلسطين و ما تبعها من نكبات متتالية، توالت المؤتمرات و القمم العربية و الإسلامية، المستنكرة و الشاجبة لتدارس المأساة الفلسطينية، فإنعقدت قمة القاهرة سنة 1964 لتأسيس الموقف العربي الموحد!!!، ثم قمة الخرطوم سنة 1967 عقب الهزيمة و المجازر لتعلن لاءاتها الثلاث( لا صلح مع إسرائيل، لا إعتراف مع إسرائيل و لا تفاوض مع إسرائيل)، تلتها قمم الرباط و الجزائر في السبعينيات لترسيخ الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينيه، فيما شهدت الدار البيضاء و بغداد و عمان لقاءات متكررة على وقع مذابح تل الزعتر و صبرا و شاتيلا و دير ياسين، و مع إندلاع الإنتفاضتين و ما رافقهما من مجازر جنين و غزة، إلتأمت قمم القاهرة و بيروت و الدوحة و الرياض في مطلع الألفية الجديدة، وصولا إلى القمم الأخيرة التي إنعقدت في ظل الحروب الإسرائيلية على غزة، و رغم هذا الزخم من الإجتماعات، ظلت المخرجات في معظمها شعارات تضامن لم ترق إلى فعل يوقف آلة القتل و ذبح الفلسطينيين المستمر لغاية الساعة على مرأى و مسمع كل المنتظم الدولي، الى أن وصل إلى 65000 قتيل أغلبهم أطفال و نساء و شيوخ، في أكبر إبادة وحشية ضد الإنسانية

 

  • قمة القاهرة2000: عقدت بعد إندلاع الإنتفاضة الثانية، إنتهت بتوصيات عامة لم تنفذ.
  • قمة بيروت 2002: أطلقت مبادرة السلام العربية، لكن إسرائيل إستقبلتها بمجزرة جنين و رفض مطلق، بسبب الغطرسة الصهيونية المتجبرة.
  • قمة الدوحة 2009: جاءت هذه القمة على وقع حرب غزة الأولى، و إكتفت ببيانات تنديدية كعادتها دون أي مستجد يسجل.

 

كما عقدت قمم إستثنائية لاحقة في كل من مكة، عمان، الرباط، تونس و الجزائر… كلها سجلت بيانات قوية لفظيا، بلا قوة تنفيذية و لا تفعيل إجرائي على أرض الواقع، ليستمر العبث السياسي العربي بالقضية المصيرية و مفتاح الإستقلال العربي من التبعية الإقتصادية للصهيونية/ الأمريكية، التي تتلاعب بسيادة كل هذه الدول بوعدها و وعيدها الذي لم ينته و لن ينته إلا بثورة حقيقية ضد ظلمها و تعنتها.

 

إن هذا النمط المتكرر جعل من القمم العربية و الإسلامية “منابر خطابة” أكثر منها “مراكز قرار”، و هو ما يفقدها هيبتها و يعطي لإسرائيل يقينا بأن العرب لن يتجاوزوا الخطوط الحمراء في مواجهة حقيقية لبؤسهم المتردي بقرارات فاعلة، و التي فقدوا من خلالها ما تبقى من قطرات ماء وجههم بسبب تأذيتهم بكل جبن لأدوار مسرحية في لقائهم هذا، الذي إكتفى بتعزيز إستسلامهم الهجين السابق للكيان المحتل من خلال محاكاة التطبيع، و فتح ابواب بلدانهم على مصراعيها: جوا و بحرا و برا، لتكون إما مستقبلة للوفود الإسرائيلية بحفاوة أو بمنح فضاءات موانيئها لتكون ممرا لسفن العدو المحملة بالسلاح و العتاد أو تسخير أراضيها كقواعد عسكرية لإنطلاق بارجاته أو طائراته الحربية، و مع كامل الأسف، فكل هذا لا يؤكد بالملموس إلا إزدواجية مواقف القيادات السياسية العربية و الإسلامية التي لا تتجرأ على الحسم في قرارات و إجراءات واقعية و فعلية لإنهاء وجود كيان محتل و غاصب فوق أراضيها.

 

3)أسباب الفشل المتكرر:

 

ـ  غياب الإرادة السياسية المشتركة: كل دولة تنظر للقضية الفلسطينية من زاويتها الخاصة: بين من يعتبرها “قضية مركزية” و بين من يتعامل معها كورقة ضغط لتصفية ملفاتها الداخلية و الخاصة أو ملف ثانوي لا يثير إهتمامات أولوياتها السيادية السياسية.
ـ  هيمنة الحسابات الأمريكية على الأجندات الداخلية: كثير من الدول تخشى فقدان دعم واشنطن لملفاتها الخاصة أو مواجهة عقوباتها الإقتصادية و السياسية المتغطرسة.
ـ التطبيع العلني و المستتر: بعض الأنظمة لم تعد ترى في فلسطين “قضية” بقدر ما تراها عبئا على مشاريعها الإقتصادية و السياسية، مقابل مصالحها الضيقة
ـ عجز المؤسسات العربية و الإسلامية: منظمة التعاون الإسلامي و جامعة الدول العربية فقدتا منذ عقود أي قدرة على فرض آليات ملزمة للكيان المحتل بسبب توالي مواقف الإستسلام الهجينة للقيادات العربية و الإسلامية التي باعت بلادها و شعوبها في مزاد علني، مكشوف دفاعا على مصالحها الضيقة و كراسي سلطتها اللاديمقراطية.
ـ التشرذم العربي الداخلي: صراعات إقليمية – خليجية، عربية – عربية – تجعل من المستحيل الخروج برؤية موحدة، بسبب التصدعات الصبيانية و المريبة المصطنعة حول الحدود التي صنعها الإستعمار القديم، ليجدد دم حضوره حاليا، للإستمرار في إستنزاف خيرات كل الدول العربية و الإسلامية و نهب مواردها.

ـ الغطرسة الإسرائيلية و الدعم الأميركي:
العدو الإسرائيلي يدرك جيدا أنه :
* لن يتعرض لأي عقوبات ستفرض عليه آنيا أو مستقبلا، لأنه متأكد من ذلك، مما يتجسد في الخطابات التهكمية للقادة العسكريين الإسرائيليين المهينة و الفاضحة لمكامن الخلل و التصدع بكل وقاحة و إزدراء
* لا يوجد أي قرار عربي حقيقي و حاسم سينفذ.
* الدعم الأميركي ثابت، سياسيا و عسكريا و إقتصاديا.

 

لذلك و عليه، يستمر في:
* المجازر اليومية في غزة: بقصف المستشفيات، تدمير البيوت فوق ساكنيها، إستهداف الأطفال و النساء و الشيوخ.
* الإغتيالات النوعية: داخل فلسطين و خارجها، بلا حسيب و لا رقيب.
* التوسع الإستيطاني في الضفة الغربية و القدس.
* تسويق روايته الإعلامية بأن كل ما يفعله مجرد دفاع عن النفس.
.

 

5) بين العجز و الكرامة:

 

قمة الدوحة لم تختلف عن سابقاتها، بل أكدت أن القضية الفلسطينية تذبح مرتين: مرة بسكاكين الغدر و مرة بالآلات الحربية للإحتلال الإسرائيلي الغاشم، و مرة أخرى بصمت و عجز العالمين العربي و الإسلامي، اللذين لا يخجلا من تذبذب مواقفهما الغريبة، و التي تمزق قلوب شعوبهما التي تبقى بدون حول و لا قوة في مواجهة آلة الغطرسة الصهيونية و تساهم في إسقاط المزيد من الشهداء بأرض الرباط و الكنانة، في حين تأتي مواقف شجاعة و جريئة من رؤساء و شعوب دول غربية(إسبانيا، بلجيكا..).

إن الكيان الإسرائيلي سيواصل تقتيله و تجويعه و إبادته للشعب الفلسطيني، مدعوما بأميركا الإمبريالية و كل الدول الغربية المبنية على الإستغلال و النهب و الإستنزاف، ما دام العرب و المسلمون يكتفون ببياناتهم النارية الإستنكارية و خطاباتهم الإنشائية المقتصرة على الشجب و التنديد، وحده الفعل – فعل المقاومة، فعل المقاطعة، فعل المقاضاة الدولية – كفيل بكبح هذا الكيان الغاصب.

و يبقى السؤال معلقا: إلى متى ستبقى فلسطين تنزف بينما قاعات القمم تكتفي بالتصفيق للبيانات الختامية البئيسة المتواطئة في سيناريوهات مسرحية مريبة و مملة؟

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!