هل تغلب المغرب على ظاهرة الفقر كما يدعي المسؤولون؟
عبدالسلام المجلاوي/كندا
“يصف الأستاذ نجيب أقصبي الوضع الاقتصادي المغربي في 2025 بأنه يعاني من هشاشة كبيرة وعدم تحقيق نمو حقيقي ومستدام”
سأنطلق من هذه المسلمة لأستاذ الاقتصاد المناضل والباحث الذي لا يمكن لأحد الطعن في كفاءته وموضوعيته في تحليل الأمور.
المغرب يمر بأوضاع اجتماعية واقتصادية وحقوقية متأزمة وذلك منذ عقود رغم بعض التطور على مستوى البنية التحتية والمشاريع الكبرى من طرق وملاعب وبنايات تنافس العواصم الدولية الكبرى، لكن الجانب الإنساني والاجتماعي خاصة في البوادي والمناطق النائية لم يعرف اي تطور حتى في مستواه الادنى. حيث تعمقت مظاهر التفاوت الاجتماعي والاحتقان الاجتماعي، وسط تفشي فساد مالي واسع النطاق يعكس استغلال المال العام والتهرب الضريبي من قبل مسؤولين على تسيير الشأن العام وبعض رجال الأعمال والشركات الكبرى المستفيدة من الاحتكار والتسيب السلطوي، مع ضعف تدخل المؤسسات الرسمية وإشكالات سوء الحوكمة مما يهدد بحدوث “سكتة قلبية حقيقية” اجتماعية واقتصادية وسياسية بالبلاد.
وكيف يكون الكلام ذي مصداقية وموضوعية، التطرق لبعض المظاهر كما يلي:
الأوضاع الاجتماعية والحقوقية الحالية
يشهد المغرب أزمة اجتماعية واقتصادية حادة تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، انتشار الفقر، وتدهور القدرة الشرائية، إضافة إلى ضعف الحماية الاجتماعية ومؤسساتها التي توصف بـ”شبه مشلولة”. مع اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، خصوصاً في المناطق المهمشة التي تفتقر الى ابسط شروط المعيشة كالماء الصالح للشرب مثلا، ويتجلى في استياء شعبي من تراجع دور الدولة الاجتماعي وتحالفها الضمني مع مصالح الطبقة الاحتكارية الكبرى، مما يقود إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي دون وجود آفاق تنموية واضحة.
على الصعيد الحقوقي، نسجل مع مختلف الخبراء والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، تحديات عدة تتطلب معالجة اوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تحسين أوضاع الفئات الهشة كالنساء والأطفال وذويهم الاحتياجات الخاصة، وضمان الحريات الديمقراطية والحقوق الفردية والجماعية، مع ضرورة تفعيل الإصلاحات القانونية والمضي قدماً في إصلاح القضاء بالتشاور مع كل الفاعلين من قضاة ومحامون ومجتمع مدني.
ظاهرة استغلال المال العام والتهرب الضريبي
تفشى استغلال المال العام في المغرب من خلال عمليات نهب وتبديد واسعة، حيث تنشط شبكات فساد مالية مع غياب الرقابة الفعالة، وسط مشاريع قوانين مثيرة للجدل تهدف إلى تقليص صلاحيات جمعيات المجتمع المدني والمدافعين عن المال العام في ملاحقة الفاسدين، ما يعد تراجعاً في حماية المال العام وخطوة تهدد الشفافية والمساءلة. وما يعرفه ملف متابعة رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام (الاستاذ محمد الغلوسي) احسن دليل على سياسة تكميم الافواه الحرة والتشجيع على الفساد والمفسدين.
وفي هذا الاطار تحاول المديرية العامة للضرائب القيام بحملات افتحاص ضد بعض الشركات (التي لا تتوفر على حصانة مخزنية) يُشتبه في تلاعبها بالنفقات وتهربها من الضرائب عبر فواتير وهمية لتقليص صافي الأرباح الخاضعة للضريبة. واذ نشجع هذه المبادرات فان ما يجب القيام به هو محاربة الرشوة في هذا الاطار وتعميم المراقبة لان الإفلات من الضرائب يعد آفة كبرى تقوض أسس العدالة الجبائية وتمول الفساد، حيث تشير تقارير عدة إلى أن المغرب يفقد مليارات الدولارات سنوياً بسبب هذه الظاهرة الخطيرة اضافة الى الأموال الطائلة المهربة الى الخارج من طرف كبار المليارديرات.
ضعف التدخل الحكومي وسوء الحوكمة
رغم الوعود المتكررة بإصلاح التعليم والصحة والفلاحة وتحسين الحماية الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن الأداء الحكومي يعاني من تراكمات بنوية وأزمات متجددة، مع غياب إرادة سياسية فعلية لتغيير الواقع السياسي ولاقتصادي والاجتماعي، وتحكم محدود في الفساد المالي، وفشل الحاكمين في لمعالجة الاختلالات الهيكلية، إذ تسود الممارسات التي تكرس تحالف المؤسسات الحكومية مع مصالح الرأسمال المتخلف وتعمق الفوارق الاجتماعية والطبقية.
وبناءً على ذلك، فإن الحسابات الضيقة السياسية والاقتصادية وتشجيع المصالح الخاصة للاستحواذ على للمال العام والتهرب الضريبي، إلى جانب ضعف الشفافية وعدم تمكين المجتمع المدني من أدواره الرقابية، تخلق مناخاً غير مستقر يهدد الاستقرار الاجتماعي ويعرض البلاد لخطر أزمات مالية واجتماعية متفاقمة يصعب تجاوزها دون إصلاح شامل وجذري. خاصة مع التحديات التي نعرفها على المستوى الجهوي والدولي وسيادة قانون الغاب والغلبة للأقوى. فلا مناص من تعزيز الجبهة الداخلية باحترام الحقوق العامة والخاصة وتفتح ديموقراطي حقيقي وتشجيع الشباب على تبوء المكانة اللائقة بهم اقتصاديا وعلميا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. وهنا سأختم بتأكيد الدعوة الى اطلاق سراح شباب الريف وباقي معتقلي الرأي والمعارضين السلميين. وخلق مناخ سياسي يساعد على التنمية الحقيقية وبناء مغرب قوي على جميع المستويات.