“عنف، انتقام، وتعميم… من المسؤول عن إشعال الفوضى في Torre Pacheco ؟”
فاطمة الزهراء فراتي – برشلونة
ما إن انتشر مقطع فيديو يُظهر اعتداء مفترض على رجل مسنّ في بلدة Torre Pacheco التابعة لإقليم مورسيا بإسبانيا، حتى تحوّلت الواقعة إلى شرارة أشعلت غضبًا واسعًا، سرعان ما تطور إلى أعمال انتقام وعنف استهدفت مهاجرين مغاربة وممتلكاتهم. وبحسب الروايات الأولية، فإن الشبان المتورطين في الحادثة ينحدرون من أصول مغربية، الأمر الذي استُخدم كذريعة للتعميم، وتأجيج خطاب الكراهية.
غير أن ما وقع يتجاوز كونه حادثة اعتداء معزولة، إذ يُفترض التعامل معه كأحد تجليات أزمة أعمق ترتبط بضعف الاندماج الاجتماعي، وتراكم التوترات داخل أحياء تعاني من التهميش والإقصاء. فالاستجابة العنيفة والجماعية لحادث لم تُحسم بعد تفاصيله، تكشف عن قابلية خطيرة لتجاوز القانون والانزلاق نحو منطق الانتقام الجماعي، بما يحمله من تهديد لمبادئ العدالة والسلم الأهلي.
من هذا المنطلق، تبدو الحاجة ملحّة إلى التمييز بين المسؤولية الفردية والجماعية. فمن جهة، يتعيّن التحقيق في الحادث ومحاسبة المسؤولين عنه، أياً كانت خلفياتهم، في إطار القانون دون تعميم أو تحامل. ومن جهة أخرى، لا بد من التصدي لمحاولات استغلال الواقعة لتأجيج الخطاب العنصري، الذي يربط بين الجريمة والانتماء الثقافي أو العرقي، في خلطٍ خطير يُضعف أسس العيش المشترك ويزرع بذور الكراهية في المجتمع.
ولعل أخطر ما في هذه الأحداث هو دور وسائل التواصل الاجتماعي، التي ساهمت في تأجيج المشاعر من خلال تداول مقاطع مبتورة، ومعلومات غير موثوقة، مما أدى إلى تضخيم الغضب الشعبي بدل تهدئته. وهنا يُطرح تساؤل مشروع: أين الإعلام المسؤول؟ وأين خطاب التهدئة من قبل السياسيين بدل الاستثمار في الفوضى؟
إن أحداث Torre Pacheco ليست مجرد حالة شغب او فوضى عابرة، بل مؤشر واضح على حالة احتقان اجتماعي تتطلب معالجة عميقة، لا مجرد إدانة سطحية. إنها تضعنا أمام سؤال جوهري: هل نريد مجتمع يُحتكم فيه إلى القانون، أم نرضخ لانفعالات جماعية تُشرعن منطق الانتقام؟ ففي زمن تتصاعد فيها وتيرة الاستقطاب، تبقى الحاجة ماسّة إلى خطاب عقلاني ومتّزن، لا يُبرّر الجريمة، لكنه في الوقت نفسه يرفض توظيفها ذريعة للتحريض ضد فئة معينة، أو لهدم أسس الثقة والعيش المشترك.
وبصوت كل مهاجر يشعر اليوم بثقل هذا التوتر، لا نطلب سوى عدالة منصفة، تحاسب الجاني وتحمي البريء، وتمنح الجميع حق الأمان في وطن اختاروه للعيش بكرامة.