الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

إفريقيا لا تلدغ من الجحر مرتين: رسالة إلى الضمير الإفريقي في زمن الفتنة المصطنعة

( الحلقة الخامسة من سلسلة شذرات فكرية )

 

 

بقلم : نجاة زين الدين

 

 

في ظل الأحداث المتصاعدة التي تشهدها بعض المدن المغربية، من توترات عابرة بين بعض المواطنين المغاربة و بعض أبنائنا الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، تطفو على السطح حملات تسعيرية و تحريضية خبيثة، تدار من وراء الستار بأيادي خفية، لتزرع بذور الفتنة و تغذي الإنقسام بين أبناء القارة الواحدة…

 

إن ما يحدث اليوم ليس سوى مشهد آخر من مشاهد الحرب الناعمة التي تشنها قوى خارجية، أستثمرت لعقود طويلة في تمزيق إفريقيا من داخلها، عبر إذكاء نار النزاعات العرقية و الإثنية و الطائفية، لتبقي القارة أسيرة التخلف و الإحتراب الداخلي، لتواصل نهب خيراتها و السيطرة على ثرواتها.

 

أيها الإخوة و الأبناء القادمون من الجنوب،
أيها السائرون في دروب الكرامة، و الحالمون بالإلدورادو الكاذب…

 

إعلموا أن المغرب لم يغلق في وجوهكم الأبواب، بل فتح صدره و أرضه و فضاءه، و إستقبلكم بمودة و تضامن، كما فعلت أرض القارة دوما مع أبنائها. فأعينوا هذا البلد، الذي إحتضنكم، على أن يظل آمنا مستقرا، و أعينوا أنفسكم على الإرتقاء بالفكر و السمو بروح الإنتماء و هوية القارة الضاربة في التاريخ منذ قرون عديدة، لا بالإستقواء و العنف و لا بمحاولاتكم البائسة بفرض لغة القوة و اليد الحديدية في أبسط الحوارات…تعلموا النقاش الحضاري و إحترموا الإختلاف و لا تجعلوا منه بؤرة خلاف دائمة…

 

✦ مرحبا بكم في المغرب، لكن لا تجعلوا منه ساحة للإنفلات و الفوضى:

 

نعم مرحبا بكم ببلدكم الثاني، لكن لا تكرسوا سلوكات تسيء إلى أنفسكم قبل أن تسيء إلى من إستضافكم،
لا تردوا الكرم بالإساءة، و لا الإنفتاح بالتعدي،
فالمجتمعات لا تبنى بالفوضى، و لا تصان بالإستعلاء، و لا تكافأ الأيادي البيضاء بالجحود و لا بنكران الجميل…
لهذا و ذاك إحترموا عادات هذا البلد و نظافته و نظامه الداخلي و مجاله العام و لا تفرضوا قوانين الغاب و لا أنماط العيش المتوحشة التي عانت بلدان قارتنا من ويلاتها في بلدانها لأمد طويل بسبب الحروب و النزاعات الأهلية التي لم تنتج سوى الخراب، و لم تخلف سوى بنيات تحتية مهترئة دون المستوى و الأيتام و الأرامل و الخراب و الدمار…

 

✦ لا تنسوا أن القوى الإستعمارية التي إستعمرت قارتنا لم تدخل من أبواب السلاح أولا، بل من ثغور الإختلاف بيننا، من تفكك الصف الداخلي، و من حماقات الجهلة و أطماع الإنتهازيين و من مرتزقة الأوطان…

و أنتم أيها المغاربة،
لا تسقطوا في فخ الكراهية المدفوعة الأجر، لا تجعلوا من حادث فردي ذريعة لحقد و صراع جماعي.
التمييز و العنصرية لا يصنعان وعيا ولا أمنا، بل يسقطان منظومة كل القيم و يمزقان شرايين الوطن، و يحققان ما لم تحققه ترسانة العدو بسلاحه و تدميره و قتاله المباشر لنا…فلا تكونوا لقمة سائغة بهذه البساطة المريبة…

 

✦ المغرب ليس بلدا محايدا، بل هو بلد له سيادته، و له كرامته، و له تاريخه الحافل بالنضال ضد الإستعمار، و قد قدم التضحيات  الجسام من أجل الحرية، و ساهم في دعم قضايا إفريقيا الكبرى، من جنوب إفريقيا إلى أنغولا، و من ناميبيا إلى الكونغو…
لهذا و عليه، فإن من يظن أن المغرب سيكون ساحة صراع إثني أو منصة لصناعة العنف و الإنتقام المجاني فهو واهم…
نحن بلد إفريقي الإنتماء، إنساني الوجدان، حر القرار مؤمن بكونية الإنسان و بحرية المعتقد، و متصديا للوبيات الصراع كيفما كانت طبيعتها و لكل التدخلات الخارجية في سيادته الداخلية…

 

يا أبناء إفريقيا…

إستفيقوا قبل أن تحرق خرائطنا من جديد، تأملوا كم من الثروات نمتلك،
كم من الذهب و النفط و الفوسفات و الماس و اليورانيوم، ثروات تختزنها أرضنا، كم من أنهار و جبال و غابات و مناخات خصبة، لكننا لم نجن من كل ذلك سوى القتل، و الفقر، و النزوح، و التبعية!
أتدرون لماذا؟؟؟؟
لأننا لم نحسن الإختلاف، لم نحسن العيش المشترك،
سقطنا في متاهات الطمع و سوء الفهم و إحتقار الآخر و إدعاء إمتلاك المطلق، فأضعنا بوصلة الإنتماء الواحد، فصرنا قبائل متناثرة و مشاريع دول فاشلة و تشردمات مجزأة…

 

✦ فلنعد إلى العقل و سلطته، و للضمير و هيبته:

لندرك أن يدا واحدة لا تصفق، و أن نهوض إفريقيا لا يكون إلا بوحدة شعوبها و تضامنها الحقيقي.
فالمغرب بلدكم كما هو بلدنا، لكن الكرامة لا تمنح لمن يخل بالنظام، و الأمان لا يعطى لمن يهدد السلام، و المواطنة لا تهدى لمن يركب أمواج الفوضى لتحقيق مكاسب فردية وضيعة و مآرب أنانية بكل وصولية.

 

أيتها القارة الجريحة…
لا تسقطي مرة أخرى في الفخ، و لا تجعلي من أرضك الطاهرة وقودا لحروب داخلية مجانية، لتغذية أطماع الآخرين…
أرفضي الإستعمار، أيا كان لونه أو إسمه: غربيا كان أو صينيا أو روسيا أو صهيونيا…فكلهم سواء إن تسلطوا… و إن أستبيحت أوطاننا، فهم شركاء في الجريمة.
إفريقيا… آن لك أن تنهضي.
آن لك أن تتحدي.
آن لك أن تؤمني أن قوة الأمة في وحدتها، لا في إقتتال أبنائها.
و السلام على من سكنه نور البصيرة،
و آمن أن الحرية تبدأ من إحترام الذات و إحترام الآخر.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!