مقدمة في كتاب ” فريضة الغضب” للشاعر اليمني أحمد النظامي
بقلم الشاعرة والمترجمة اللبنانية البرازيلية تغريد بو مرعي
إنَّ الشعرَ المقاومَ هو صوتُ الشعوبِ المقهورة، وصدى أنينِ الأوطانِ المجروحة، وحالةُ رفضٍ ضدّ الظلمِ والطغيانِ والاستبداد. هذا النوع من الشعر يخرجُ من قلوبٍ نابضةٍ بالحياة، متشبّثةٍ بالحرية، ترفض الخضوعَ وتتمسّك بحقّها في الكرامة والاستقلال. في ظل الحروبِ والصراعات، يأتي الشعر المقاوم ليحفظ الذاكرة، وليكون سلاحًا يُقاوِمُ بأسلوبٍ سلميّ ولكنه عميق. حيث إن الكلمات لها قوتها وسحرها، فهي تستفز المشاعر وتُحيي الأمل وتغذي العزيمة. الشعر المقاوم ليس مجرد كلمات تُلقى، بل هو رسالةٌ مقدسةٌ تعبرُ عن أحلام وتطلعات الشعوب، وعن إرادتهم في التحرر من القيد وتحقيق العدالة.
بين أيدينا اليوم ديوان “فريضة الغضب” للشاعر أحمد النظامي، الذي يحوي ثلاثين قصيدةً تتغنّى بغزة وتروي قصتها المليئة بالصمود والألم والأمل. هذه المجموعة الشعرية هي أكثر من مجرد كلمات، فهي تجسد ملامحَ حياةٍ محاصرة، لكنها مفعمة بالإرادة؛ وتنقل أصوات أطفالٍ يحلمون بسماء صافية، وأمهاتٍ فقدن أحبةً وأبطالٍ يتحدّون الصعاب رغم القسوة.
في هذا الديوان نجد القصائد تنبض بروح المقاومة الفلسطينية، وتغوص في تفاصيلٍ مؤلمةٍ للمعاناة اليومية لأهل غزة، من “وطن سماوي الدموع” إلى “أطفال غزة عليهم السلام” و”البئر يجمعنا”. إنَّ كلَّ قصيدةٍ من هذه القصائد هي صورةٌ مصغرةٌ عن واقعٍ مؤلم، لكنها تزرع في القلب بذورَ الأمل وتؤكد أنَّ الغضبَ فريضةٌ حين يُغتصب الحق ويُهان الكرامة.
“فريضة الغضب”، هذا العنوان الذي يحمل بُعدًا عميقًا، يوحي بأن الغضب ليس مجرد انفعال، بل هو واجبٌ مقدس في وجه الظلم والاستبداد. يعبّر العنوان عن رفض الصمت والتواطؤ، مؤكدًا أن الغضب هو قوةٌ تدفع الإنسان للتغيير واستعادة الحق المسلوب. بهذا المعنى، يصبح الغضب أداةً للكرامة والمقاومة، وسلاحًا نبيلًا للتمسك بالعدالة.
تُعبّر قصائد أحمد النظامي عن صوت الحق والكرامة، وتُجسد أنين القدس وألم غزة وعزة الشعب الفلسطيني، لتكون شهادةً قوية على الصمود في وجه القهر. في قصيدة “أمة العُرب والهبوط عن القدس”، نجد دعوة للتأمل في فقدان الأمة العربية لقيمتها وسط هذا التخاذل. الشاعر يُذكّر الأمة بقدسها الغالي الذي ما زال مرتبطاً بها وبأن العودة للمجد تتطلب إرادة حقيقية، فيدعو لإعادة شحذ القوة والنهوض من تحت ركام الخذلان.
أما في “أرضٌ تلد النجوم”، فإن الشاعر يُرينا صورة الصبي الفلسطيني كنموذج للشجاعة والإصرار، وكأن هذا الطفل هو البذرة الحية لروح المقاومة. يرسم الشاعر صورة مشحونة بالبطولة، حيث يعلو الحلم بالشهادة عن كل الطموحات الشخصية، ويُجسّد هذا الصبي الصغير المعاني الكبرى للحرية.
تتّحد القصيدتان في تصوير الصمت العالمي والتجاهل لمعاناة الشعب الفلسطيني، مُظهرين موقف الأمة العاجز، لكنهما في الوقت ذاته تزرعان الأمل في نفوس القرّاء، وتدفعان للتفكير في مسؤولية الإنسان تجاه ما يجري.
نحن تغريد بو مرعي ، شاعرة وأدبية ومترجمة من لبنان ومقيمة في البرازيل، كان لنا شرف كتابة مقدمة ديوان”فريضة الغضب”، بدعوة كريمة من الشاعر المبدع أحمد النظامي، شاكرين له دعوته وكلماته التي تسعى لإيصال صوت من لا صوت لهم إلى العالم أجمع.
هذا الديوان يأتي تلبية لمبادرة الشاعر والإعلامي القدير اسماعيل حسانين أحمد القيّمة في دعوة الشعراء للكتابة عن غزة وطباعة كتبهم مجانًا، إيمانًا منه بقوة الكلمة وأهمية إيصال معاناة شعب غزة إلى العالم. هذه المبادرة ليست فقط دعمًا ماديًا، بل هي دعمٌ معنويٌّ كبيرٌ يُلهِمُ الشعراء ويمنحهم الحافزَ لمواصلة رسالتهم في التعبير عن هموم أوطانهم