الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

العنف ضد المرأة في المغرب: نزيف إجتماعي يتعمق… و خارطة طريق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

“شذرات فكرية” الحلقة العاشرة

 

 

 

بقلم ذة: نجاة زين الدين

 

 

يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تصاعدا مقلقا في معدلات العنف الموجه ضد النساء، في ظل التحولات الإجتماعية الحادة و الضغوطات الإقتصادية الخانقة و التوثرات النفسية التي تتعمق في صمت، حتى أصبح العنف اليوم معضلة بنيوية لا حادثة ظرفية، فالأرقام الصادرة عن الهيئات الرسمية و الحقوقية تكشف أن واحدة من كل ثلاثة نساء مغربيات تتعرض لشكل من أشكال العنف( الجسدي المادي، النفسي، المعنوي، الإقتصادي، الرقمي…)، وأن العنف داخل الفضاء الأسري أصبح أعلى أشكاله إنتشارا، مما يعكس خللا عميقا في البنية الثقافية و الإجتماعية.

 

أولا: المعطيات و الأرقام… حين تتحول الظاهرة إلى خطر مجتمعي:

تشير التقارير الوطنية الحديثة إلى أن نسبة العنف ضد النساء تتجاوز 50% في بعض الفئات العمرية، و أن العنف النفسي يحتل الصدارة، يليه العنف الجسدي، ثم الإقتصادي، فالجنسي.
كما أن الأطفال الذين يعيشون داخل أسر عنيفة ليسوا مجرد متفرجين، فنصفهم تقريبا يصاب بإضطرابات نفسية واضحة:
-قلق دائم
-نوبات خوف
-صعوبات في التركيز
-إضطرابات في النوم
-تراجع الثقة بالنفس
-نزعات عدوانية أو إنسحابية
فهذه الأعراض كلها ليست بسيطة، بل تتحول مع الزمن إلى تشوهات في الشخصية و سلوكيات معقدة قد تمتد لسن الرشد أو إلى ما بعد ذلك، فتعيد إنتاج العنف في جيل جديد.

 

ثانيا: التأزم النفسي للنساء المعنفات:

المرأة التي تتعرض للعنف، سواء كان جسديا أو نفسيا أو إقتصاديا، تعيش حياة داخل قفص مغلق.
تتكرر لديها مظاهر مثل:
-الشعور بإنعدام الأمان
-الإكتئاب المتقدم
-الإنهيار العصبي
-زعزعة تقدير الذات
-جلد الذات و الشعور بالذنب
-العجز عن إتخاذ القرار
-الإحساس بأن المجتمع يخذلها
من هنا يتبين لنا مليا بأن العنف ليس مجرد فعل لحظي، بل عملية هدم بطيئة للذات، تسلب فيها المرأة معنى الكرامة و الطمأنينة و الحق في العيش بسلام داخل بيتها، خاصة إذا لم تتلقى الدعم النفسي و المعنوي من عائلتها.

 

ثالثا: الأسباب العميقة وراء تفاقم الظاهرة:

رغم وجود قوانين لردع الظاهرة بغية الحد منها، إلا أن تفشي العنف يكشف عن أسباب بنيوية:

1) بنية ثقافية ذكورية راسخة:

ما زال جزء من المجتمع يفهم السلطة الأبوية كحق مطلق في السيطرة، فيبرر العنف كوسيلة “تربية”.

2) هشاشة إقتصادية تجعل المرأة رهينة:

عندما تفقد المرأة إستقلالها الإقتصادي، تصبح محتجزة داخل دائرة القهر لأنها لا تمتلك بدائل.

3) ثغرات قانونية تعيق الحماية:

قانون 103.13 رغم أهميته، إلا أنه يواجه ضعفا في:
-آليات التنفيذ
-التبليغ
-الحماية الفعلية
-التكفل القضائي و الإجتماعي
-سرعة التدخل

4) غياب التكفل النفسي:

معظم النساء يخرجن من العنف و هن مكسورات نفسيا دون مرافقة علاجية… فيعدن للسقوط في الحلقة نفسها.

5) التطبيع الإجتماعي مع العنف:

لا تزال بعض العقليات ترى أن العنف «خلافا عائليا» لا «جريمة»، مما يشجع المعتدي و يخرس الضحية، إن لم يحاول الزوج تحوير الأسباب و تبرير العنف بتفسيرات واهية و بئيسة.

 

رابعا: مقارنة مع تشريعات عربية و غربية:

لإضاءة الصورة، من المفيد قراءة وضع المغرب بالمقارنة مع تجارب أخرى:

1) في العالم العربي:

*)تونس: تعد من الدول الأكثر تقدما بتشريع قانوني قوي سنة 2017 يشمل التكفل و الحماية و مراكز الإيواء.

*)الأردن: طور “قانون حماية الأسرة” لكن ما زالت الأعراف تعرقل التنفيذ على غرار الكثييييير من الدول العربية.

*)مصر: تواجه العنف بقوانين متعددة لكنها تعاني ضعفا في الشق الوقائي و مساطر التنفيد.
من هنا يتبين لنا أن أغلب الدول تتوفر على قوانين دون آليات فعالة، مع إستمرار هيمنة العقلية الذكورية، و هذا هو القاسم المشترك الغالب بين كل الدول العربية كما أسلفت.

2) في الدول الغربية:

فرنسا و إسبانيا: *)تعتمد خططا صارمة لحماية الضحية خلال 24 ساعة، و توفر مساكن محمية، تفرض عقوبات قاسية، و تؤمن مواكبة نفسية و إعادة إدماج النساء ضحايا العنف إقتصاديا و إجتماعيا.

*)كندا: تعتمد نموذجا متعدد المؤسسات يشمل الأمن، القضاء، الصحة، و العمل الإجتماعي في بنية موحدة.
من هنا يتضح لنا بأن الحماية الفورية، و التطبيق الشامل للقوانين دون تمييز جنسي، بالإضافة إلى التنفيذ السريع للأحكام مع التكفل النفسي الإلزامي يجعل نسبة العنف الممارس ضد المرأة ضئيلا مقارنة مع وضع الدول العربية.
و بأن المشكل في المغرب ليس غياب القوانين فقط، بل ضعف تنفيذها بسبب:
-التطبيق
-المرافقة
-التبليغ
-سيطرة و هيمنة العقلية الذكورية
– غياب التمكين الإقتصادي للمرأة
– الطريقة المهينة التي يتم بها التعامل مع المرأة المعنفة الضحية داخل مخافر الشرطة و عند الدرك الملكي.

 

خامسا: خارطة طريق واقعية لمواجهة ظاهرة العنف ضد المرأة:

تفيذ حلول جدية1 يجب الإنتقال من “خطاب النوايا” إلى “المقاربات العملية” عن طريق:
*) التمكين الإقتصادي الفعلي للمرأة
*)برامج تشغيل موجهة و ممولة لصالح النساء
*)دعم المقاولات النسائية
*)منح و قروض بدون فوائد للنساء المعنفات

2) تعزيز الوحدات المتخصصة للشرطة و القضاء المكلفة بتحليل و تتبع ملفات قضايا العنف المبلغ عنها بتوفير:
*)وحدات إستقبال نسائية مهنية
*)قضاة مختصون
*)سرعة البت في قضايا العنف الأسري

3) بناء شبكة دعم نفسي و إجتماعي لصالح النساء من خلال:
*)إدماج علماء النفس في مراكز الشرطة و المستشفيات و المحاكم
*)مرافقة علاجية تمتد بعد الحكم و ليس قبله فقط

4) حماية الأطفال قانونيا و نفسيا من خلال:
*)إعتبار الطفل ضحية مباشرة للعنف الأسري
*)إدراج التربية الوجدانية في المدارس
*)تكوين الأطر التربوية لإكتشاف الأطفال المعنفين

5) إصلاح تشريعي يشمل:
*)مراجعة القانون 103.13
*)تشديد العقوبات على العنف النفسي و الإقتصادي
*)سن حماية عاجلة شبيهة بالنماذج الأوروبية

6) حملات توعوية عميقة لا مناسباتية بواسطة:
*)برامج إعلامية مستمرة
*)إدماج خطاب المساواة في المناهج الدراسية
*)إعادة بناء المخيال الجماعي حول صورة المرأة

 

من هنا يتضح لنا أن العنف ليس قدرا، بل نتيجة ثقافة مجتمعية غير عادلة و هشاشة إجتماعية و إقتصادية و فراغ قانوني تنفيذي في الحماية.
و حين تهان المرأة، ينهار معها بنيان الأسرة و المجتمع من الداخل، و يكبر جيل من الأطفال المرتبكين و الخائفين و المشوهين وجدانيا.
إن دعم المرأة ليس شعارا، بل ضرورة لإنقاذ المستقبل.
و المغرب، بقوانينه و مؤسساته و إرادة مجتمعه المدني، قادر على بناء نموذج رائد… إذا تحرك الجميع قبل أن يتحول العنف إلى عرف جديد لا يمكن التراجع عنه.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!