الطفولة تحت الإحتلال الإسرائيلي نزيف لا يتوقف و ضمير عالمي يتهاوى
الحلقة التاسعة من سلسلة شذرات فكرية
بقلم ذة: نجاة زين الدين
في الوقت الذي تنشغل فيه الدول بإحياء الأيام الأممية الحقوقية لمناهضة العنف ضد المرأة و الطفل، يسيل في فلسطين دم طفل صغير، نحيل، لا يكاد يملك من الدنيا سوى إبتسامة تغتال قبل أن تكتمل…ففي الأرض التي كان من المفترض أن تكون مهدا للأمل، تحولت الطفولة إلى أيقونة للظلم، و إلى شاهد على إنهيار منظومة القيم الإنسانية أمام الآلة الإستعمارية الوحشية التي لا تعرف الرحمة.
1)طفولة فلسطينية تحاصر بالموت:
منذ بداية الإحتلال الإسرائيلي، و الطفل الفلسطيني يعيش في واقع أبعد ما يكون عن معنى الطفولة.
بيت يهدم، مدرسة تقصف، ملعب يحول إلى أنقاض، و أسر تتفكك بين شهيد و معتقل و مهجر.
يكبر الطفل الفلسطيني قبل أوانه، يتعلم لغة الخوف قبل الأبجدية، و يعرف أسماء الأسلحة قبل أسماء الكواكب.
إن الإحتلال الغاصب لا يكتفي بإنتهاك الأرض، بل يطارد حتى ملامح البراءة في وجوه الأطفال؛ فكم من طفل خسر عينه و يده و رجليه برصاصة قناص أو بدبابة حرب ظالمة؟ و كم من طفل حرم من والديه في سجن طويل بلا تهمة؟ و كم من صغير شيع أهله قبل أن يتذوق معنى الحياة؟
2)العدائية الصهيونية: تربية مقصودة لا حادث عابر:
في الجانب الآخر، داخل المجتمع الإسرائيلي، تنشأ طفولة تروض على الحقد، تربى على روايات مشوهة، و تلقن منذ سنواتها الأولى بأن الفلسطيني «عدو» يجب القضاء عليه.
فتقدم المدارس روايات إنتقائية، تشوه التاريخ، و تزرع في وجدان الأطفال الإسرائيليين فكرة التفوق العرقي.
أما في المخيمات الصيفية التي يفترض أن تكون فضاء للعب، يتحول الأطفال الإسرائيليون إلى “جنود صغار”؛ يحملون السلاح البلاستيكي في البداية، ليحملوا الحقيقي لاحقا.
يتلقون تدريبات حقيقية، يعيشون محاكاة حربية، يتشربون لغة الكراهية، و يتعودون مشهد السلاح كما يتعود أطفال العالم اللعب و المرح.
فهذه التربية ليست مجرد إنحراف عابر، بل مشروعا مبرمجا و ممنهجا، يهدف إلى صناعة جيل كامل مستعد لتكريس الإحتلال، جيل يرى في الفلسطيني هدفا مشروعا، و في الأرض الفلسطينية «غنيمة» يجب الإستيلاء عليها، و في الإعتداء على المسنين أو قتل الأطفال «حماية للأمن».
3)طفولة يزج بها في حرب إستعمارية لا صلة لها بالإنسانية:
يلقى بهؤلاء الصغار في ساحات حرب ليست لهم؛ حرب إستعمارية غير متكافئة، تجرد الطفل الإسرائيلي من إمكانية أن يكون إنسانا طبيعيا.
فبدل أن يتعلم إحترام الحياة، يتعلم فنون القتل.
و بدل أن يدرس الفلسفة و الأدب، يدرس جغرافية المستوطنات و كيفية توسيعها.
و بدل أن يكبر على ثقافة السلام، يكبر على عقيدة الإقصاء و التفوق العنصري.
فبهذه الطريقة، يعاد إنتاج دائرة العنف:
طفل مستعمر يقتل… و طفل مستعمر يقتل.
4)كيف يمكن للعالم أن يحلم بسلام مستقبلي في ظل هذه الوحشية؟؟؟
كيف يمكن للبشرية أن تتحدث عن مستقبل آمن، و إسرائيل تدخل الطفولة في ماكينة حرب مختلة الموازين؟
كيف يمكن بناء عالم خال من العنف، و جيل كامل يلقن فلسفة الدم منذ نعومة أظافره؟
كيف نثق بمستقبل تغرس فيه بذور الكراهية في عقول الصغار إلى حد السخرية من قتل الأطفال الفلسطينيين؟
كيف يمكن لحضارة أن تنهض بينما أطفال يدمرون في غزة و الضفة، و يهجرون في العراق و سوريا و يجوعون و يدبحون في اليمن و السودان و تشاد و النيجر؟
الطفولة العربية كلها أصبحت ساحة مفتوحة للقتل، إما بصواريخ أو حصار أو مجاعة أو تهجير.
5)بين طفولة مقتولة و طفولة قاتلة… تضيع إنسانيتنا:
الواقع اليوم يلخص مأساة كبرى:
هناك طفل فلسطيني يسحق تحت الركام، و هناك طفل إسرائيلي يصفق لهذا الدمار، لكن تسحق طفولته بدوره منذ تم الزج به في صراع لا إنساني.
هذه ليست مصادفة، بل نتيجة تربية متطرفة تحول الطفولة إلى وقود حرب، و تحول «التعليم» إلى «تجييش»، و «الأمن» إلى «قتل»، و «الدفاع عن النفس» إلى «إبادة منظمة».
وما دام الإحتلال الإسرائيلي قائما و تبرر همجيته بكل البروباجاندات الكاذبة و المحرفة و المزيفة، ستبقى الطفولة الفلسطينية الضحية الأولى، و الطفولة الإسرائيلية الآلة التي تصنع على مقاس الحرب المستمرة و اللامتوقف إلى أن يتم الهيمنة على كل الأراضي العالمية و كل مواقعها الإستراتيجية.
6)إلى متى سيستمر الصمت؟
إلى متى سيظل العالم عاجزا، أعمى أمام هذا التناقض المخجل؟؟؟
إلى متى ستبقى شعارات حماية الطفولة ترفع في المؤتمرات بينما أطفال البشرية يمزقون و يقتلون و يدبحون و يجوعون و يهجرون بلا رحمة؟؟؟؟
إلى متى ستبقى المواثيق الدولية تداس تحت أقدام المستوطنين و المحتلين و المستعمرين الجدد تارة بإسم محاربة الإرهاب و تارة أخرى بإسم قوانين المنتظم الدولي الغريبة؟؟؟
إلى متى ستظل الطفولة فقط رقما في بيانات الأمم المتحدة، لا إسما و لا وجها و لا قصة و لا وجودا إنسانيا مفعلا؟؟؟
7)صرخة ضمير… لعلها توقظ العالم:
إن الحديث عن الطفولة اليوم ليس رفاهية فكرية، بل معركة أخلاقية.
علينا أن نقول للعالم بصوت عال:
لا سلام سيولد من قلب الكراهية.
لا أمن سيولد من طفولة تحمل السلاح.
لا مستقبل سيولد من جيل يتربى على الحقد.
فلسطين ليست قضية جغرافية فقط، بل قضية قيم، و إمتحان لضمير العالم.
و لن يكون العالم إنسانيا حتى تحمى طفولة فلسطين، و طفولة العراق و سوريا و اليمن و السودان و تشاد و النيجر و مالي، إلخ… حتى يعود الطفل طفلا لا جنديا قبل أوانه
لقد بلغ الألم مداه، و وصل إختناق الأرض بدماء الأبرياء إلى نقطة لا يمكن للبشرية أن تتجاهلها. ففي زمن صار فيه صراخ الأطفال أعلى من خطابات السياسيين، لا يمكن للعالم أن يستمر في دفن رأسه في رمال المصالح و وصولية الكراسي.
لذا، فإن حماية الطفولة الفلسطينية، و طفولة كل شعوب العالم المقهورة، تتطلب تحركا عالميا عاجلا، مبنيا على إرادة حقيقية لا على بيانات بروتوكولية يتيمة و باهتة.
و فيما يلي سأضع خارطة حلول موجهة إلى كل قادة و صانعي القرار بكل العالم و إلى كل المنظمات الدولية، و كل من لا يزال في صدره بقية او ذرة من الإنسانية:
*) إنشاء آلية دولية مستقلة لحماية الأطفال تحت الإحتلال:
أتصورها آلية لا تخضع للفيتو و لن تكون تابعة للقوى الكبرى، تعمل تحت إشراف هيئة أممية مستقلة، و تكون مهمتها:
#توثيق جرائم الإعتداء على الأطفال.
#محاسبة المسؤولين عنها قضائيا.
#فرض عقوبات مباشرة على كل من يشارك في قتل الأطفال أو في تجنيدهم أو في التنكيل بهم.
فتوصيات هذه الآلية ينبغي أن تكون ملزمة، لا مجرد تقارير تطوى في الأدراج لتنسى مع مرور الأيام.
*) وقف توريد السلاح للدول التي ترتكب به جرائم قتل ضد المدنيين:
لا يعقل أن يندد العالم بقتل الأطفال ثم يواصل تزويد القاتل بالأسلحة
لذلك، يجب:
#تجريم تصدير السلاح إلى إسرائيل و كل الجهات التي تستعمله ضد الأطفال و المدنيين.
#وضع شروط دولية أخلاقية تمنع بيع السلاح لمنتهكي حقوق الإنسان.
#إعتبار قتل طفل واحد سببا لوقف الدعم العسكري فورا.
*) دمج التربية على السلم و السلام في المناهج الدولية، و مراقبة المناهج التي تبث الكراهية، فمن أخطر جرائم الإحتلال أنه يربي طفولته على الحقد، و لهذا يجب:
#إنشاء لجنة دولية لمراجعة المناهج المدرسية التي تربي الأطفال على العنصرية و التفوق العرقي.
#فرض عقوبات تعليمية و دبلوماسية على الدول التي تزرع الكراهية في نظامها التربوي.
#إلزام المدارس في مناطق النزاع بتعليم مبادئ السلام و الحقوق المتساوية. نشر قوات حماية(* دولية في المناطق المحتلة لحماية الأطفال و المدنيين على أن لا تكون قوات قتالية، بل قوات مراقبة و حماية، تعمل على:
#منع إعتداءات المستوطنين.
#حماية المدارس و المستشفيات.
#ضمان مرور آمن للأطفال و النساء.
و هذه الخطوة ليست خيارا… بل ضرورة لإنقاذ ما تبقى من الحياة.
*) محاسبة الإحتلال على جرائمه الحربية عبر محكمة جنائية دولية فعالة و صادقة و شريفة و لا تخاف لومة لائم في تطبيق النصوص و القواعد القانونية الدولية.
#لا سلام بلا عدالة.
و ما لم يحاسب القاتل على جرائمه، سيظل الدم يسيل.
لذا يجب:
#تفعيل ملفات التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الأطفال.
#إجبار الدول الكبرى على إحترام إستقلال القضاء الدولي.
#تجريم قادة الإحتلال و المنفذين و المحرضين دون مجاملة سياسية.
*) دعم الطفولة الفلسطينية عبر برامج إعادة التأهيل النفسي و التعليمي:
فالطفل الفلسطيني الذي عاش الرعب لا يكفي أن نخرجه من تحت الركام… بل يجب:
#توفير رعاية نفسية عاجلة له.
#إعادة دمجه في التعليم.
#تقديم منح تعليمية خارج مناطق القصف.
#دعم أسر الأطفال الشهداء و المعتقلين.
فهذه مسؤولية عالمية، لا تفضلا و لا إحسانا.
*) تشكيل تحالف دولي لإنهاء الإحتلال بصورة نهائية لا إدارته في كواليس الخفاء و في إجتماعات الظلام:
إن السلام لا يصنعه من يشرف على إدارة الإحتلال، و لا من يقدم الدعم له في العلن أو في الخفاء بل من يعمل على إنهائه بصورة كاملة، و التحالف الإنساني المقصود هو:
#مجموعة دول مستقلة عن نفوذ القوى الكبرى، لتعمل سياسيا و قانونيا لفرض إنهاء الإحتلال بصورة نهائية.
#تجمد العلاقات مع الإحتلال حتى يتوقف عن قتل الأطفال.
#تشجع بلدان العالم على إتخاذ مواقف للمقاطعة الحقيقية لا تلك الصورية المزيفة.
#إعادة تعريف الأمن الإنساني في العالم، بحيث لا يمكن للعالم أن يعيش بأمان بينما جزء منه يذبح و يهجر و يجوع.
و لذلك يجب:
-إدراج حماية الطفولة كمعيار أساسي لأي علاقة سياسية أو إقتصادية.
-ربط المساعدات الدولية بإحترام حقوق الطفل/ مواطن الغد/ مسؤول الغد….
-إعتبار الطفل خطا أحمر، لا يجوز تجاوزه بأي ذريعة.
#صياغة ميثاق عالمي جديد يحظر تجنيد الأطفال و تربيتهم على الكراهية، ميثاق يوقعه كل قادة و شعوب العالم، لتكون بنوده على الشكل التالي:
-تجريم تدريب الأطفال عسكريا أينما كان ذلك يعني بكل الخريطة العالمية.
-تجريم المؤسسات التعليمية أو الدينية التي تحرض على الكراهية كيفما كان الدافع: إيديولوجي أو عقائدي…
-فرض رقابة دولية على المعسكرات التي تعد الأطفال ليكونوا جنودا.
-إعتبار التربية على الحقد جريمة إنسانية لا تقل عن القتل المباشر.
*) إطلاق حركة عالمية للضمير الإنساني و لكن لن تكون منظمة خاضعة أو مسيرة بإملاءات خارجية، بل تيارا عالميا مستقلا:
#يضم مثقفين و إعلاميين و قادة رأي.
#يفضح جرائم الإحتلال بكل شجاعة و مصداقية و يواجه الروايات المزيفة بالحقائق الدامغة.
#يعيد تعريف الإنسانية بإعتبار العدالة شرطا للسلام.
فهذه الحركة يمكن أن تكون بداية ميلاد ضمير عالمي جديد، لا يخضع لإبتزاز القوى السياسية الكبرى التي تتعارك مع كل شعوب العمل، بغية التحكم في رقابها و لا يقبل إبتلاع الحقيقة في إجتماعات التواطؤ في جنح الظلام.
كلمة أخيرة… لعلها تصل إلى كل الضمائر: الحية و الميتة و من تدعي الصمم:
إن العالم لن ينهض من سباته إن لم يدافع عن طفولة تتعرض للإبادة.
و لن تقوم للإنسانية قائمة إن تركت طفلا يقتل أمام كاميرات العالم دون أن يتحرك ضمير واحد.
و لن يعرف البشر معنى الأمان ما دام طفل في فلسطين يستيقظ على صوت قنبلة لا على صوت أمه.
إن إنقاذ الطفولة ليس عملا خيريا… بل واجبا أخلاقيا، و شرطا أساسيا لإستمرار الإنسان نفسه.





















