مآلات حقوق النساء في ظل حروب اليوم و عنف الأمس و وجع الجغرافية و إستبداد التناقضات
الحلقة الثانية عشر من سلسلة إحقاق الحق
بقلم ذة: نجاة زين الدين
في زمن تترجى فيه الإنسانية الإرتقاء و التحضر ، تنكسر اليوم مرآة العالم على وجوه النساء،
في زمن يفترض فيه تحقيق العدالة و الكرامة لكل مكونات المجتمعات: نساءا و رجالا، صارت تتساقط فيه القيم و المباديء الكونية للحياة الكريمة لكل البشرية كما تتساقط حدود البلدان، و يتقهقر الأمان كما تتقهقر حقول السلام.
فالمرأة، في هذا العصر الذي يدعي الحضارة، لا تزال تدفع ثمن طيش السياسة، و جنون الحروب، و إستبداد العادات، و جشع الأنظمة، و إنفلات العنف و إمتداده على كل وجودها الإنساني جسدا و روحا…
إنه زمن يعاد فيه تشكيل العالم بالنار، لتحترق معه أحلام النساء، ليعاد نحت الخرائط بالدم، فتنزف معه أصوات الأمهات، و تكتب الفصول بمداد الألم، فتصير المرأة شاهدة و شهيدة و ضحية و وقودا لآلة لا ترحم و لن تتوقف إلا بتوقف جشع الإمبريالية و غزو الرجعية لكل المواقع الحياتية بكل الخرائط العالمية: خاصة الإفريقية و العربية.
أولا: المرأة المغربية… بين مطرقة العنف و سندان الأعراف:
لم تكن المرأة المغربية يوما غريبة عن معارك النضال و الكرامة.
غير أن السنوات الأخيرة أفرزت واقعا معقدا تتقاطع فيه غطرسة العنف مع إستفحال الظواهر الإجرامية، على رأسها التحرش، الإغتصاب، العنف النفسي، المادي، المؤسساتي، و التشهير الإلكتروني.
فهي ما تزال تجلد بسياط:
*)عنف الأزواج الذي يتذرع بالتقاليد ليفرض الوصاية.
*)عنف المجتمع الذي يبرر الإعتداء الذكوري و يحمل الضحية وزر الجريمة.
*)عنف الشارع الذي تحول إلى غابة و فوضى عارمة: بسبب شيوع المخدرات و تنامي الإنحرافات السلوكية و تنوع أشكال العنف في كل زوايا الممارسات، ليكتسي إغتصاب كرامة النساء بصورة يومية تمظهرات كثيرة و متنوعة و ليبقى كشاهد و طعن علني لقيم الأمة و نبل المباديء التي تتشدق بها الدولة بكل المحافل الوطنية و الدولية.
1)عنف المؤسسات التي تتلكأ أحيانا في حماية المتضررات في تطبيق القوانين:
فالمرأة المغربية تواجه اليوم واقعا مريرا تقاس فيه كرامتها بمعايير مختلة:
ثرثرة الذكورية، فراغ الضمير، إنهيار القيم، و صعود خطاب يشرعن السيطرة على جسدها و فكرها و روحها.
و برغم الإصلاحات التشريعية، تبقى الهوة بين القانون و الممارسة فجة و فجوة تنزف صمتا، لتبقي المرأة معلقة بين حقوق ممنوحة و رعاية منقوصة و قوانين مرهونة بشرطية الفكر الرجعي أو مصفدة بتأويلات تجار الدين و تقزيمات الفكر الذكوري المريض.
ثانيا: المرأة الإفريقية… صرخة قارة تستجدي من وأد سياسي ظالم:
*) في النيجر و مالي و نيجيريا و دول الساحل، حيث يشتد جحيم “بوكو حرام” و تجار الدم و حيث تمتد الصحراء بلا نهاية في قلب إفريقيا، حيث ترسم الفواجع بلا حدود، لتقف النساء وحيدات في وجه عواصف الإرهاب. ف“بوكو حرام” لم تكن مجرد حركة مسلحة، بل كانت لعنة سوداء إجتاحت القرى و وصمة عار تأذت منها النساء ب:
**)إختطاف للفتيات و تحويلهن بعد ذلك لسبايا.
**)إغتصاب ممنهج لطمس الهوية و تدمير الوعي.
**)تجنيد قسري للأطفال أمام عيون الأمهات.
**)تهجير قاس، و تجويع متعمد، و قتل بدم بارد.
إنها حرب تستهدف النساء لأنها تعلم أن المرأة هي الجذر:
إن إنكسر الجذر ماتت الشجرة، و إن إنطفأت المرأة خمد نور الأجيال و تشردمت الإنسانية.
2) في السودان… حين يصبح الجسد ساحة معركة:
فالسودان اليوم يذرف دمعا لا ينضب. و المرأة هناك ليست ضحية حرب فقط، بل ضحية سباق بين أطراف لا ترى فيها سوى غنيمة و سبية.
فالسودانيات يتعرضن يوميا: لإغتصاب جماعي يستخدم كسلاح للإذلال، و للقتل و الإختفاء القسري، و لنهب البيوت و تشريد الأسر، و للمجاعة التي تضع الأم في حيرة الإختيار: بين أي أبنائها يبقى على قيد الحياة و أيهم يضحى به!!!و ما أصعبه من إختيار.
هناك، تتحول الأنثى إلى شاهد حي على جريمة لا تتوقف، و إلى ذاكرة محروقة تنقل للعالم ما فعله البشر بالبشر لتبقى بذلك جسدا بلا روح في إنهيار نفسي و معنوي يصعب لكلمات الوجود بأكملها علاج جراحه.
ثالثا: المرأة العربية… فوق ركام الحروب و تحت رماد السياسة الملغومة و المسيرة في الخفاء بخيوط الإمبريالية:
1) المرأة السورية… وجع وطن ممزق:
ترزح المرأة السورية منذ أكثر من عقد تحت ما لا تحتمله الجبال:
تشرد، فقدان، إغتصاب، حصار، موت، إعتقال، و فقدان للمأوى و للطمأنينة و للإستقرار.
فلقد تحولت مخيمات اللجوء إلى قبور مؤجلة،
و غدا جسد الأنثى ورقة مساومة في صفقة حرب لا تنتهي.
و مع ذلك، لا تزال السورية تقف على الأطلال بكل تحدي:
تربي، تداوي، تبكي، و تصبر و تقاوم…لتتشكل بذلك إمرأة من رماد النهار و ظلام حلكة الليل.
2) المرأة العراقية… بين ويلات الإحتلال و براكين الطائفية اللامنتهية:
دفعت المرأة العراقية ثمن الإحتلال، ثم ثمن الإرهاب، ثم ثمن الصراعات السياسية اللامتوقفة، فتعرضت بذلك:
*)للسبي و البيع في أسواق داعش،
*)للإغتصاب الجماعي،
*)للنزوح القسري،
*)و للمعاناة القاسية بسبب الفقد المتكرر: زوج، إبن، بيت، وطن.
و مع ذلك، إستجمعت النساء في العراق قوتهن، لينهصن من الركام ليعدن بناء الحياة، رغم أن الجراح لم تندمل، و الأرواح لم تنج بالكامل، مادامت عالقة بين صفحة هموم الماضي و آلام الحاضر.
3) المرأة اللبنانية… تستنهض همتها من ظلم الحروب ليبقى قلبها بين الركام:
فهي تعيش بين: إنهيار اقتصادي، فساد مستشري،
و إنفجارات متكررة دمرت العاصمة و كل البلاد، و إنقسام سياسي لا يعترف بأن للأم نصيبا من الأمن و حقوقا مشروعة في الإستقرار، و مع ذلك، بقيت المرأة في لبنان شمعة في عتمة الدولة المشتتة: تزرع الحياة رغم كل موت عالق حولها و يخنق أنفاسها بصورة يومية.
رابعا: المرأة الفلسطينية… الوجع الذي صار عنوانا للأمة و وصمة عار في جبين كل الإنسانية:
فهنا، ينتهي العالم، و يبدأ الألم الحقيقي و المر، فالمرأة الفلسطينية ليست مجرد ضحية حرب، بل هي النهار الذي يقف في وجه الليل،
في ظل الإحتلال الصهيوني الغاشم، لتتصدر المرأة الصفوف:
كشهيدة تشيع على أكتاف الوطن المجزأ بصراعات داخلية و خيانات خارجية، أو كأم تبحث بين الركام عن أثر رضيع مفقود أو كأسيرة تهان في السجون و تمتهن كرامة أمة بالكامل، عندما تمتهن كرامتها بالإغتصاب المتكررة و العنف المادي و النفسي اللامقبول و اللاإنساني عندما تحرم من العلاج أو كزوجة تودع رفيق العمر عندما يودع خلف القضبان أو كطفلة تقصف قبل أن تحفظ جدول الضرب و لازالت البراءة تستوطن حركاتها و سكناتها أو كناشطة حقوقية أو سياسية تلاحق بالآلة الفكرية الصهيونية لأنها قالت: “لا” كشيرين أبو عقلة،
لقد مارس الإحتلال الصهيوني الإسرائيلي على المرأة الفلسطينية كل أصناف القهر و أنواع الظلم:
*)التعذيب داخل السجون،
*)الإهانة الممنهجة،
*)القصف العشوائي،
*)الإغتيال الجماعي أمام الأبناء،
*)الإعتقال الإداري بلا تهمة،
*)حرمان الجرحى من العلاج،
*)الحصار الذي يسرق الهواء قبل الطعام.
فالإحتلال لا يستهدف المرأة لأنها ضعيفة،
بل لأنها القلب الذي يضخ الصمود في شرايين الشعب.
فهي الأم و الأخت و الزوجة و الإبنة فهي البوصلة العامة لعطاء لا ينضب و لتعبئة طويلة الأمد ضد إستيطان غاصب و غاشم…
و هي الجدار المنيع الذي يحاولون هدمه بكل الصيغ و أشكال التنكيل كي يتداعى البيت كله. و مع حرب الإبادة الأخيرة، لم يعد الألم كلمة تقال،
بل صار صرخة تبحث عن آذان لم تصيبها السياسة المنافقة للإمبريالية بالصمم،
حين صار الدم لغة لا يقرؤها إلا أصحاب الضمير و لا يتظاهر من أجلها الا أصحاب الحس الإنساني الحقيقي…
فحين تستباح النساء… يستباح العالم كله، لأن معاناة النساء ليست هامشا في كتاب العالم…
إنها رأس الصفحة، و بداية كل فصل.
فالمرأة ليست “جسدا ينتهك” و لا “صوتا يقمع”،
بل هي ذاكرة الوطن، و شريان المجتمع، و معملا للقيم.
و إذا أرتهنت المرأة، إرتهنت الإنسانية؛
و إذا إنكسرت المرأة، إنكسر أفق العالم؛
و إذا صمت العالم عن صراخ النساء،
فإنه يوقع شهادة وفاته الأخلاقية.
فهذه ليست مجرد شهادات أو تقارير…
إنها صرخة إنسانية تهز التراب:
إرفعوا الظلم عن النساء،
أعيدوا للعالم بوصلته،
أعيدوا للإنسانية وجهها.
فالمرأة ليست نصف المجتمع…
إنها كله حين ينهار،
و نصفه حين ينهض،
و روحه حين يتألم و صوته حين يصرخ في وجه الظلم و الحيف و الإستغلال حين يصرخ مطالبا بالعدالة و المناصفة و المساواة.





















