إلى متى ستظل التوجيهات الملكية، حبيسة الأدراج وملفوفة بغبار التسويف الإداري؟
بقلم: ذ نجاة زين الدين
إلى متى ستظل التوجيهات الملكية، بكل ما تحمله من رؤية إستشرافية وإرادة إصلاحية صادقة، حبيسة الأدراج وملفوفة بغبار التسويف الإداري؟
أليس من الغريب أن تظل كلمات الملك الواضحة كالشمس تتعثر في دهاليز البيروقراطية والمصالح الضيقة للأجندات الحزبية؟
لماذا تتكرر الوعود بتجويد التعليم وتعميم التغطية الصحية والدعم الإجتماعي، بينما يظل المواطن ينتظر على رصيف الأمل بدون جدوى؟؟؟
كيف يعقل أن ترفع الميزانيات وتضاعف الإعتمادات، دون أن يلمس الشعب أثراً فعلياً في واقعه المعيشي؟؟؟
ومن يفشل هذه التوجيهات السامية في كل مرة؟؟؟؟ هل هي الحكومة، أم الإدارة، أم غياب الضمير الوطني؟
ثم إلى متى سيبقى الفساد ينهش جسد الوطن، والمقاولات الصغرى تخنق وتحبط عزائمها تحت وطأة المحسوبية والزبونية؟
ألا يحق للمغاربة أن يتساءلوا: متى سيستفيدون فعلاً من خيرات بلادهم، لا قولاً بل فعلاً؟
وهل سيكون جيل الشباب الجديد، جيل “Z”، هو شرارة التغيير الحقيقي التي ستحول الخطابات إلى إنجازات، والتوجيهات إلى واقع مشهود؟
-1) تعليمات مضمون التوجيهات الملكية:
من خلال عدد من خطب ورسائل ومراسيم الملك محمد السادس عفاه الله وشفاه، تتبلور مجموعة من التوجيهات الأساسية في مجالات التعليم، الصحة، الدعم الإجتماعي، وتمكين المقاولات الصغرى والمتوسطة، ويمكن تلخيصها كالتالي:
- في قطاع التعليم:
كرس الملك محمد السادس أولوية التعليم كرافعة للتنمية البشرية، وجاء في أحد خطاباته بمناسبة إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة بالرباط يوم 9/10/2020…
«إننا نحرص دائماً على تلازم تحقيق التنمية الإقتصادية بالنهوض بالمجال الإجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين، لذلك دعونا لتعميم التغطية الإجتماعية لجميع المغاربة.»
كما أكد في مضمون رسالته الموجهة إلى المشاركين في اليوم الوطني حول التعليم الأولي بتاريخ 18/7/2018 على أن التعليم الأولي يشكل قاعدة المدرسة الجديدة، وجعل من مكافحة الأمية هدفاً وطنياً.
وكلف الحكومة بإصلاح المنظومة التربوية، بتحسين الجودة، وبتكافؤ الفرص، والإرتقاء بالبعد النوعي للقضاء على البون الإجتماعي والمجالي، لينعم الجميع بمستوى العيش الكريم الذي يطمح إليه جميع المغاربة.
- في قطاع الصحة والدعم الإجتماعي:
ورد في خطاب الملك بمناسبة إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية:
«… ووجهنا الحكومة لتنزيل هذا البرنامج (للتغطية الإجتماعية) وفق تصور شامل… ويجب أن يتم تفعيله بطريقة تدريجية… كما ينبغي أن يشكل نموذجاً ناجحاً… وندعو الحكومة إلى إعطاء الأسبقية لعقلنة ونجاعة برامج الدعم الإجتماعي الموجودة حالياً، لتأمين إستدامة وسائل التمويل.»
كما تم إطلاق «برنامج الدعم الإجتماعي المباشر» الذي يستهدف تحسين مستوى معيشة آلاف الأسر، بتوجيه ملكي صريح، إلا أن التنزيل تعثر مرة أخرى في زاوية ما؟؟؟ مع كامل الأسف، وحددت الإستفادة منه في سياق معايير المؤشر التي وكل أمر ضبطها مرة أخرى للمقدم وللشيخ وللقائد، والذين نعرف جيداً طرق إشتغالهم وآلياتهم العملية في تقرير مصير الإستفادة!!!
أكيد في كل قاعدة يوجد الإستثناء، إلا أن السواد الأعظم لا يشتغل بضمير، مع الأسف الشديد…
- في دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة:
دعا جلالة الملك إلى تبني مقاربة تنموية ترابية مدمجة لدعم التشغيل وتثمين المؤهلات الإقتصادية الجهوية، بتقوية الخدمات الإجتماعية، إلى جانب دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة كرافعة أساسية للنمو. وهنا مرة أخرى لم يكن التطبيق للتعليمات في الموعد، لأن تعميم الإستفادة شابته بدوره مثبطات غريبة وعجيبة، بحيث ساد فيها منطق المحسوبية والزبونية، فكان من نتائجها ما كان…
- من جهة الميزانيات:
فلقد كان التوجيه الملكي في الخطاب الأخير بمثابة إشارة نوعية وإستثنائية برفع التأهيل المالي لهذه القطاعات الحساسة: التعليم، الصحة، الدعم الإجتماعي، النهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، ضمن إطار حكامة سليمة، في ظل شفافية واضحة وإنصاف حقيقي مع ضمان إستدامة التمويل.
مثال من التوجيهات الملكية:
«… نؤكد على ضرورة إعتماد حكامة جيدة لهذه المشاريع … وأن يتم وضع آلية خاصة للتتبع والتقييم…»
ولكي لا تكون التوجيهات هذه المرة مجرد تعليمات دون تتبع ولا تقصي بعد الإنجاز، فلقد تم تأثيتها بإلزامية المحاور التنفيذية من خلال زيادة الإعتمادات، وتبني إصلاح في المنظومات، بالحكامة الرشيدة والمسؤولة، مع التأكيد على إستهداف الفئات الأكثر هشاشة، لمواكبة التحول الإقتصادي من أجل تجاوز الأزمة الإجتماعية الخانقة لكل الفئات المسحوقة بالبلاد.
-2) لماذا تتعثر هذه التوجيهات في كل مرة، بعد كل قرار ملكي بالرغم من وضوح رؤيتها وطرحها؟ ولماذا لا ترى النور بالشكل المطلوب؟
فبالرغم من وضوح التوجيهات الملكية، إلا أن الواقع المغربي يشهد تأخراً في التنفيذ أو نتائج دون مستوى تطلعات إنتظارات الشعب المغربي، وتوقعات ملك البلاد لعدة أسباب، نرصد بعضها فيما يلي:
- ضعف الحكامة وترهل الإدارة العمومية:
تشير الدراسات إلى أن ضعف الكفاءة الإدارية، وترهل سرعة المبادرة الإنجازية، والبيروقراطية المحكومة بالأجندات الحزبية الضيقة، وغلو الأنا، ومحدودية الرقابة، تضعف نزوع الإصلاحات إلى التنفيذ الفعلي، دون نسيان آثار الفساد الريعي الذي يسلب المواطن المغربي حقوقه بإلتفاف مدبري الشأن العام عليها، وتحويل الإستثمار العمومي إلى إستثمار خاص بكل أنانية ساحقة لكل الفئات والجماهير الشعبية.
- غياب الإستمرارية وتسويف الآليات التنفيذية:
فالتوجيهات تأتي من القمة، لكن تحويلها إلى برامج واضحة مدعمة بآليات متابعة وتقييم ليست دائماً فعالة، بحيث تركت دائماً للمحافظة على الزخم الشكلي، ولم تسع إلى تفعيل الضمير الوطني في الإنجاز. فجلالة الملك خصص في خطابه تأكيداً على «وضع آلية خاصة للتتبع والتقييم»، لأنه يدرك جيداً مواقع الخلل ويفهم إستهتار المشرفين على التنزيل والأجرأة.
- تمويل غير كافٍ أو غير مهيكل:
رغم الحديث عن رفع الإعتمادات، فإن العائق المالي يبقى قائماً، خاصة في القطاعات التي تحتاج ضخاً مالياً مستمراً أو موارد بشرية وتقنيات هائلة (التعليم، الصحة).
- مشاكل المقاولات الصغرى وتعثر النسيج المقاولاتي:
على الرغم من الدعم، فإن المقاولات الصغرى والمتوسطة تواجه صعوبة في الولوج إلى التمويل، والإستفادة الحقيقية من برامج الدعم، بسبب غياب هيكلتها القانونية وضعف شرح هذه البرامج بما يكفي لكي تتضح الرؤية لدى الفئات المستهدفة منها، مما يضعف دورها في النمو، وبالتالي يقلل من فعالية الإستفادة من التوجيهات المرتبطة بها.
- المناخ السياسي والإجتماعي والضغط الشعبي:
فالتوجيهات الملكية تأتي كإستجابة رشيدة وحكيمة في سياق إحتجاجات شبابية/شعبية كإحتجاجات جيل Z، لكن غياب الثقة في قرارات الحكومات المتعاقبة وتسويفها اللامفسر في تعاطيها مع كل التوجيهات الملكية، يزيد من الإحتقان والضغط الشعبي على الحكومة لكي تسرع في تنفيذ وأجرأة التنزيل بصورة إستعجالية. لكن غياب التحضير المسبق الكافي وإنعدام منهجية الإصلاحات الهيكلية الناجعة، قد يعيق تحويلها إلى أمر واقع مرة أخرى، بالرغم من حزم الملك الملحوظ في تعليماته هذه المرة والذي نأمل منه الخير…
- فساد وإنتفاء الشفافية:
إحدى المعيقات الرئيسية هو أن الفساد ينتقص من فعالية الإنفاق العمومي، ويهمش المكون الأساسي للعدالة الإجتماعية، في ظل عدم محاسبة واضحة أو عقاب فعال لكل الفاسدين الذين يتمسكون بكل عنجهية بمواقفهم وبرامجهم المخطئة ولا يعبؤون بالكل بمصير البلاد ولا عذاب وقهر العباد.
- غياب التنسيق بين الفاعلين ومدى تداخل السياسات:
التوجيهات تتعدد وتشمل الكثير من القطاعات (تعليم، صحة، دعم إجتماعي، مقاولات صغرى ومتوسطة)، لكن التنسيق بين الوزارات والمؤسسات، والجهات المسؤولة جهوياً ليس دائماً محكماً، مما يؤدي إلى تأخيرات أو تضارب الأولويات بسبب تضارب المصالح وسطوة الأنا على المصلحة العامة للوطن، والزج بمصلحة هذا الأخير في خندق التنافسية الغير الشريفة بين الأحزاب ومقايضة المواطن في حقوقه بإلزامية تصويته على البرامج الحزبية الغير الواضحة والمنفصمة عن الواقع، لدرجة أنه تم إعتبار الدعم الإجتماعي المقدم إلى الشعب في مناسبات سابقة بمثابة دعم حزبي، في تصرف غريب.
بإختصار، إن الإرادة الملكية واضحة، لكن الترجمة العملية تحتاج إلى بنية تنفيذية متماسكة ونزيهة وموارد كافية ومؤسسات قوية، خاصة إلى محاربة شجاعة وجريئة لكل دواليب الفساد، وهو ما لم يتوفر بعد بصورة كاملة وحازمة مع كامل الأسف لحدود الساعة.
3) كيف يمكن للمغرب أن يتمكن من تحقيق التطور والنماء المرجو، خاصة وأنه يملك خيرات طبيعية ومعدنية وبشرية هامة؟؟؟
لضمان تحقيق قفزة تنموية نوعية، لا بد من مقاربة شاملة ومتوازنة، نستعرض أهم محاورها:
- إستثمار القدرات البشرية والعلمية:
ما تتوفر عليه المملكة المغربية من شباب طموح كخيرات بشرية يجب أن يستثمر عبر تحسين جودة التعليم والتكوين المهني وربطه بسوق العمل. فتغيير التعليم لن يتم بمنهاج الإسراع وطرح البرامج، بل بنوعيتها وتجويدها، بمناهج مرتبطة بالإكتشاف والإبتكار المواكب لراهنية الزمان السياسي والإقتصادي وللإكراهات الإجتماعية والمجالية.
- تنمية الموارد الطبيعية والمعدنية بطريقة مستدامة:
المغرب غني بالخيرات: الفوسفات، المعادن، الطاقة المتجددة، السياحة، لذا يجب إستثمارها ضمن سلسلة قيمة مضافة محلية، وتحويلها إلى مداخيل تنموية، وعدم الإقتصار على التعامل معها بمنطق تصديرها كمواد خامة (ولقد لاحظنا الفرق في سلم النمو التجاري لدولة بوركينا فاسو عندما بدأت تقوم بتصنيع الذهب داخل البلاد).
- تعزيز المقاولات الصغرى والمتوسطة كمحرك للنمو:
دعم هذه الفئة بشكل حقيقي — تمويل، تأهيل، إدماج في سلاسل القيمة، تسهيلات إدارية — سيخلق وظائف وينبثق منه نمو حقيقي من القاعدة.
- تنمية جهوية ومجالية متكاملة:
لا يكفي أن يركز النمو في المدن الكبرى، بل يجب العبور إلى المناطق النائية والقروية، لأن التخطيط لهذا الأمر جد مهم لتحقيق عدالة إجتماعية ومجالية — وهذا ما أشار إليه الملك محمد السادس في خطابه الأخير.
- تحسين مناخ الإستثمار والإبتكار:
بالرغم من الجهود المبذولة، إلا أن المغرب يحتاج إلى مزيد من تبسيط الإجراءات والمساطر القانونية والضريبية لتحفيز الإستثمار الخاص مع تقديم دعم للتحول الرقمي، وتعزيز الحكامة.
- تخفيض الإعتماد على المديونية الخارجية وتحقيق إستقلال مالي:
يمكن تحقيق ذلك عبر تنمية الإيرادات الداخلية، تحسين كفاءة الدولة، وإطلاق إصلاحات ضريبية ذكية لا تثقل كاهل المواطن، مع التقشف في التبدير الذي ينهك الميزانية العامة للإستثمار العمومي ومراقبة إنفاقه.
- مكافحة الفساد وإستئصال شوكة الزبونية والمحسوبية وضمان الشفافية:
التنمية لا يمكن أن تُبنى في ظل فساد مستشري؛ فالدولة تحتاج إلى مؤسسات مستقلة للرقابة، شفافية في الصفقات العمومية، ومحاسبة فعالة للمشرفين على التدبير الترابي من خلال تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إذا أتبعت هذه المحاور بجدية، فالمغرب يملك القدرة على تحقيق نموذج تنموي جديد يتجاوز مجرد المشاريع الكبرى إلى تغيير جذري في الواقع.
4) مقترحات عملية كي يتمكن المغرب من تحقيق إستقلال فعلي للتحرر من المديونية الخارجية لكي يستفيد عموم المغاربة من خيرات الوطن:
أقدم إليكم مجموعة من المقترحات التي يمكن أن تساهم في تحقيق هذا الهدف الطموح:
- تحويل الموارد الطبيعية إلى صناعات محلية:
مثلاً، بدل تصدير خام الفوسفات، ينشئ المغرب مصانع لتصنيع الأسمدة والمركبات الفوسفاطية بدل تصديره خاماً، وهنا ستتأتى لنا فرصة تشغيل اليد العاملة البشرية المحلية.
- إصلاح ضريبي شامل:
خلق نظام ضريبي عادل، تعرف من خلاله أرباح المقاولات الكبرى، ليتم تقليل التهرب الضريبي، ليستخدم فائض الإيرادات لتمويل التعليم والصحة والبنية التحتية وخلق فرص التمويل الإجتماعي.
- إنشاء صندوق سيادي لثروات المملكة:
مخصص لإستثمار الإيرادات من المعادن والطاقة المتجددة في مشاريع طويلة الأجل، يدار بشفافية، ويوجه ربحه لتعويض الدين وكذلك لتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة بقروض ومساعدات تفصيلية، لتتمكن من إثبات وجودها في النسيج الإقتصادي.
- تقليص الفوائد على الدين وإعادة جدولته مع الجهات المانحة والتفاوض من أجل تخفيض نسب الفوائد المتراكمة:
العمل على إعادة هيكلة الدين العام بالإستفادة من شراكات إستثمارية يحكمها منطق: رابح/رابح، بدل القروض المكلفة، التي غدت معها البلاد مرهونة لسنوات غير معروفة ولأمد طويل…
- تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص:
بتمكين المقاولات الصغيرة والمتوسطة من الإنخراط في المشاريع الكبرى، وتسهيل تمويلها، مما يساهم في نمو داخلي متميز سيقلل من التفكير في مغادرة البلاد من طاقاتها الشابة.
- تحفيز الإقتصاد الأخضر والرقمي:
بإستغلال الإمكانات في الطاقات المتجددة والرقمنة لإنشاء وظائف جديدة وتصدير خدماتنا للخارج لا فقط خاماتنا الطبيعية.
- ترشيد الإنفاق العمومي:
حذف النفايات، إصلاح المقاربة الإنتاجية في الإدارات العمومية، وإعادة توجيه الموارد نحو الأولويات كتجويد مرافق التعليم والصحة وغيرها.
- تفعيل المساءلة والشفافية:
بتشريع يلزم الجهات المنتفعة من الموارد الطبيعية بإفصاح واضح، يؤمن رقابة مستقلة وحازمة.
بهذه الخطوات حسب رأيي المتواضع، يمكن أن يتجه المغرب نحو إستقلال فعلي، حيث لا يكون النمو مبنياً فقط على ما تقره الجهات الخارجية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) من غير مصلحة وطنية بحتة، بل بالإعتماد على الرأس المال المغربي بالدرجة الأولى.
5) أثر مسيرات جيل Z على القرار الملكي، وهل يمكن للمغاربة أن يستبشروا خيرا من هذا القرار؟
مسيرات جيل Z (شباب ما بعد الألفية – الذين يدخلون سوق العمل ويعيشون الواقع بأنفسهم) أثرت بشكل واضح على الخطاب الملكي الأخير، إذ ركزت مطالبهم على تجويد البرامج التعليمية وإعادة الإعتبار للمدرسة العمومية، مع التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية العمومية، وتوفير التشغيل لكل الشباب العاطل عن العمل، والتركيز على إلزامية العدالة الإجتماعية والمجالية في التوجيهات الملكية.
هذا التأثير يجعل التوجيهات أقل “إحتفالية” وأكثر حدة في المعالجة، لأن الملك تفاعل مع إحتقان الشباب وغياب الفرص، وأكد على أولويات ملموسة للعدالة المجالية والإجتماعية.
نعم، يمكن للمغاربة أن يتبشروا خيرا إذا تم الإلتزام بهذه التوجيهات وتم تنزيلها بصدق، لأن الخطاب الملكي يضع الأسس، ولكن التنفيذ هو الذي يحدث الفرق، فبوجود الإرادة الملكية مدعوماً بضغط إجتماعي مدروس لجيل Z يمكن أن يكون عنصر تغيير بكل تأكيد على المسار العام للبلاد.
لكن بشرط: أن لا تُطوى هذه التوجيهات في إطار الخطاب فقط، بل تُترجم بسرعة وبأسلوب عملي، وإلا سيزيد الإحباط وتقل الثقة في المؤسسات.
6) هل سيتمكن المغاربة من أن ينعموا بخيرات بلادهم في ظل الفساد المستشري؟ وكيف ستستفيد المقاولة الصغرى والمتوسطة من حجم الدعم المقدم لها؟
- شق الخيرات والفساد:
فالفساد هنا يشكل عقبة كبيرة أمام تمكين المغاربة من خيرات بلادهم: فالموارد تُهدر، والمشاريع تتعثر، والميزانيات تذهب إلى غير محلها، والمواطن العادي يبقى خارج دائرة الإستفادة.
والحل واضح: إرادة سياسية قوية، آليات محاسبة فعالة، وربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية، لأن الفساد ليس قدراً وإنما منظومة يجب تفكيكها من الأعلى إلى الأسفل.
- شق المقاولات الصغرى والمتوسطة:
يمكن لهذه الفئة أن تستفيد فعلاً من الدعم إذا تم تبسيط المساطر، وتوفير مواكبة إدارية وتقنية لها، وتخصيص بنوك أو صناديق تمويل خاصة بها بعيداً عن التعقيد، مع تسهيل ولوجها للصفقات العمومية بشفافية وحياد.
وهنا يجب الإنتقال من منطق “الدعم الرمزي” إلى “الدعم الإنتاجي” الذي يخلق فرص عمل ويحقق دوراناً حقيقياً في عجلة الإقتصاد الوطني.
الخلاصة:
الملك محمد السادس، من خلال توجيهاته الواضحة والمتكررة، رسم طريقاً نحو العدالة الإجتماعية والتنمية المتوازنة، لكن الحلقة المفقودة تبقى في التنفيذ والمراقبة والمحاسبة.
المغاربة لا يريدون خطابات جديدة، بل إنجازات ملموسة ترفع عنهم عبء المعيشة.
جيل الشباب اليوم، جيل واعٍ، ولن يقبل بسياسة التسويف، لذلك وجب على الحكومة أن تترجم إرادة الملك إلى واقع، وأن تتصالح مع الشعب من خلال العمل الجاد والشفاف، فبدون ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة مهما تعددت الخطط والبرامج.



















